في مئوية “هيكل”.. الأستاذ الجريء صاحب القلم الشعبوي
“محمد حسنين هيكل” استحق بجدارة لقب “الأستاذ”، فلا يجرأ أحد على إنكار تمتُعه بقلم جريء تخطى كل الحدود على مدى 70 عامًا، فقد أشعلت كتابته الأولى في أربعينيات القرن الماضي حب الصحافة في قلبه وكشفت عن موهبة دفينة بعقل هذا الشاب، وأداء مهني تفوق على الكثير في زمانه فمن بين إنجازاته على سبيل المثال “هيكل” هو أول مصري نقل أخبار الحرب العالمية الثانية بالعلمين، ومع مرور السنين ذاع صيته ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي كله.
مئوية هيكل
حب “هيكل” الشديد لبلاط صاحبة الجلالة جعله لا يشبع من الاستزادة في هذا المجال والسعي للتطور الفكري والثقافي والمهني، لكنه لم يكتفي بذلك بل أصبح مربيًا لأجيال من الكتاب والصحفيين المبدعين الذين آمنوا بأفكاره وأكملوا المسيرة من بعده، بعد أن توفي في 17 فبراير 2016، ولا زالوا إلى يومنا هذا ينسبون له الفضل فيمَا تمكنوا من تحقيقه، وبمناسبة ذكرى مئوية ميلاد “الأستاذ” أو “الجورنالجي” كما كان يحب أن يُنعت، انهالت المقالات في ذكر سيرته العطرة وعطاءه الذي فاق كل التوقعات.
محبوبته الثانية
كان “محمد حسنين هيكل” نموذجًا في العطاء الصحفي والإعلامي، وقدوة يحتذى بها في الانضباط القيمي والمهني والرقي الفكري والإنساني، وعطاء “الأستاذ” له شقين، الأول في حياته فكما ذكرنا كان مدرسة صحافية بذاته بذل عطاءه للجميع، بالإضافة إلى تقلده العديد من المناصب على مدار عمله بالصحافة كان أبرزها ترأسه لمؤسسة الأهرام العريقة التي تأسست عام 1875 على يد سليم وبشارة تقلا، ويعد “هيكل” هو المؤسس الثاني لها، ما جعله يشعر إلى الانتماء لهذه المؤسسة عن غيرها، حتى ربطته بها علاقة حميمية فاقت الأوصاف ما جعل زوجته “هدايت تيمور” تطلق على مؤسسة الأهرام “محبوبته الثانية”.
رئاسة “الجورنالجي” للأهرام كانت لردح طويل من الزمن (57-74)، وقد تسلم هذا المنصب في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وكان ذلك بترشيح من “علي باشا الشمسي” عضو مجلس الإدارة حينها، وظل يشغل منصب رئيس التحرير حتى مطلع عهد الرئيس أنور السادات، وخلال هذه المدة اعتمد “هيكل” على العديد من الخطوات لبناء هذه الإمبراطورية الصحافية تتمثل في:
– تكوين فريق متميز من المحررين والمراسلين والمندوبين المهرة، كان قد اصطحب بعضهم من مؤسسة “أخبار اليوم” التي كان يعمل بها قبل تقلده لهذا المنصب.
– السعى لتأسيس المراكز البحثية والعلمية المتخصصة في شتى الميادين.
– دعوة كبار المثقفين والأدباء المصريين والعرب، لاستقطاب الكثير من الفئات باختلاف ثقافاتهم.
– اختيار مجموعة من أكفأ أساتذة الجامعات وأكثرهم علمًا في شتى المجالات العلمية كالتاريخ، الإعلام، الفنون، الاقتصاد، التراث، السياسة، الدين..إلخ.
– تجديد المطابع وتدريب العاملين، كما أرسلهم لبعثات تدريبية في كبرى الصحف العالمية للاطلاع على كل ما هو جديد.
– الاستعانة بكبار المختصين في مجال الإخراج الصحفي وأكثرهم إبداعًا.
– أمر بإنشاء مبنى جديد بالمؤسسة من شأنه الاستجابة لخطط التجديد الصحفي، وافتتحه عام 1969.
وظل على نهجه التطويري في مؤسسة الأهرام حتى نال منه الحزن بقرار إقالته ومغادرته لمكتبه وذلك في فبراير عام 1974.
قلم شعبوي
أما عن شعبية “الأستاذ”.. فلتمتُع قلمه بالجرأة فقد حظى بشعبية واسعة ساهمت في زيادة الإقبال على شراء عدد الجمعة، حيث كان يحتوي العدد على المقالة الأسبوعية “بصراحة” التي كانت من وحي قلمه وخالص فكره، وهذا العدد بالأخص كان يمثل وجبة ثقافية دسمة لذا كان يحرص الكثير على الاحتفاظ به، كما تمكن “هيكل” من تقديم عشرات الكتب التى أبرز فيها مواهبه المتعددة ففي بعضها كان صحفيًا أو كاتبًا وأحيانًا كان مُحللًا وفي أحيانٍ أخرى كان شاهدًا على التاريخ، لكن العجيب أن خلال هذه الرحلة الكتابية الطويلة لم يكتب “الأستاذ” سيرته الذاتية قبل رحيله.
“الأستاذ”..عطاء لن ينتهي
كما يتجلى عطاء “هيكل” في شق آخر بعد وفاته، فلم يقرر التخلي عن كونه داعمًا لكل من يمتهن مهنة الصحافة طوال حياته ولا بعد مماته، حيث أنشأ عام 2007 مؤسسة “محمد حسنين هيكل للصحافة العربية” التي تهدف إلى زيادة الخبرات العلمية والعملية وتطويرها لدى العاملين في المجال الصحفي باختلاف أشكاله وأقسامه، والسعي لتبادل الخبرات بين النوعين بالصحافة في مصر والعالم، كما تساهم المؤسسة في تقديم الدعم الفني للعديد من المؤسسات الصحفية الناشئة.
دعم المتميزين في عالم الصحافة
من بين إسهامات مؤسسة “هيكل” في المجال الصحفي أنها تقوم سنويًا بتوزيع جائزتين على فائزين من الصحفيين المتميزين، ويتم منح الجوائز يوم 23 سبتمبر حتى يتزامن مع ذكرى ميلاد “الأستاذ”، ويحرص على حضور هذه الاحتفالية لفيف من كبار الصحفيين ورجال السياسة والثقافيين العرب والأجانب.
تُقدر الجائزة بقيمة 250 ألف جنيه لكل فائز كما صرحت “هدايت تيمور” رئيس مجلس أمناء المؤسسة، وتُقدم كل عام لأصحاب الأقلام المتميزة في عالم الصحافة العربية بكل أشكالها على مستوى العالم العربي، في سبيل دعم أمثال هؤلاء المتميزين وخاصة الشباب حيث من بين الشروط الموضوعة لأحقية التقدم للجائزة ألا يزيد عمر المتقدم على 40 سنة، وكذلك حثهم على استكمال مسيرتهم بكل مهنية مع مواكبة كل تطور على الساحة الصحفية، والسعي للإرتقاء بالمستوى المهني بشكلٍ مستمر.
وللعام السابع على التوالي، فتحت المؤسسة أبوابها أمام المتقدمين للجائزة عام 2023 وذلك في 1 فبراير وحتى 31 مايو، وقد نُظم حفل ذكرى مئوية ميلاد هيكل والإعلان عن أسماء الفائزين بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، حيث حاز “أحمد رجب” على الجائزة لتحقيقه وتحليله لأحداث جريمة قتل الأنبا أبيفانيوس بمهنية وموضوعية تامة، وتمكن من تلخيص ما توصل إليه وتقديمه في قالب صحفي متميز، كما فاز أيضًا “عبد الله أبو ضيف” لاهتمامه بشكلٍ خاص بتغطية كل ما يخص البيئة والصحة العامة والتغير المناخي على الساحة المحلية والعربية.
اقرأ أيضًا..
“وثائق نادرة” من هو المفكر المصري الذي استأذته محمد حسنين هيكل في خطاب رسمي ليقابله