“الصراف شارو” حين تغير نمط قبض المرتبات في مصر بسبب شنب وزجاجة بيرة
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يوصف يوم قبض المرتبات في مصر بأنه مناسبة السعادة التعسة، إذ أن الموظف يأخذ مرتبه باليمين ليصرفه بالشمال على الاحتياجات والديون، لكن لم توجد سعادة بها تعاسة كتلك التي أحس بها سعيد محمد زكي شارو فبسببه تغير نمط صرف المرتبات الشهرية.
سعيد شارو .. الجَشَع الممنوع
كان سعيد محمد زكي شارو شاب من مصر الجديدة يسكن العقار رقم 1 في شارع أبو بكر الصديق، وهو متزوج وله ولد وبنت، وعمل متعهدًا لعمال بوفيه نادي الهليوليدو بمصر الجديدة منذ عام 1963 وحين طالبته مؤسسة التأمينات الاجتماعية بمبلغ 873 جنيه مستحقة لعمال البوفيه، ترك العمل حتى واتته فرصة ليعمل صرافًا لدى الشركة المعدنية لمنتجات الزهر بمنطقة عابدين في إبريل من العام 1964 م بمرتب 27 جنيه.
اقرأ أيضًا
عصابة الـ 22 .. قصة جريمة ارتكبها كمسارية في مصر من 55 سنة
لم يكمل سعيد محمد زكي شارو في مهنته تلك أكثر من 4 أشهر، لم يستقيل ولم يترك وظيفته لعدم اقتناعه بالراتب، وإنما ترك العمل رغمًا عنه إذ قرر أن يكون سارقًا وبلا مبرر إلا مقولته «الشيطان غواني»، ولم يكن اندهاش رجال البوليس منه إلا بسبب سذاجته ليس أكثر.
اختفاء شارو يوم قبض المرتبات في مصر
في 27 أغسطس من العام 1964 اتجه سعيد شارو إلى بنك الإسكندرية لإتمام عملية قبض مرتبات موظفي شركة الزهر عن شهر أغسطس بقيمة 11 ألف جنيه موزعة على 14 شيك، ولم يعد سعيد إلى مقر الشركة حتى الساعة السادسة.
اقرأ أيضًا
آمنة مهران .. حكاية أم تاجر مخدرات أرسل لها جمال عبدالناصر خطابًا
قرر أديب حنا سابا «المدير المالي للشركة المعدنية لمنتجات الزهر»، تقديم بلاغ إلى قسم عابدين بالواقعة، وتولى العقيد محمد سعيد حجازي والرائد أحمد فؤاد مهمة البحث، وقاما بنشر صورته على جريدة الأهرام.
من الناحية الأمنية كان الصراف شارو إما مقتولاً أو سارقًا، لكن من الحيثيات الأسرية لم يتخيل أحد من عائلته أنه سارق، وحتى التكهن بأنه تعرض للسرقة بات غير مقنع إذ أنه لم يبلغ بشيء، بالإضافة إلى أنه ميسور الحال، فإيجار شقته بمصر الجديدة يبلغ 11 جنيه، فضلاً عن أنه ليس من مرتادي الكازينوهات أو صالات القمار.
التنكر على طريقة منصور عتمان المغازي
لم يعد سعيد إلى منزله واتجه إلى وسط القاهرة حيث اختار شقة في العمارة رقم 17 بشارع طلعت حرب ليقوم باستئجارها من صاحب العقار منير عبدالشهيد «الموظف في بنك مصر»، وقابله بجلباب أبيض وغترة خليجية وتكلم بلهجة كويتية، وقضى في الشقة ليلة واحدة قبل أن يوقع عقد الإيجار.
اقرأ أيضًا
قصة دخول زيتون الكالاماتا إلى مصر .. حرب إبراهيم باشا كانت سببًا
في ليلة واحدة صرف سعيد شارو مبلغ 496 جنيه من الـ 11 ألف جنيه، حيث اشترى راديو بـ 29 ج، وماكينة حلاقة بالكهرباء بـ 11 جنيه، وترانزستور صغير بـ 10 جنيهات، وراديو على شكل كرة أرضية بـ 14 جنيه، وساعة يد بـ 20 جنيه، و 8 قطع قماش بـ 41 جنيه، وأحذية وقمصان وكرافتات بـ 30 جنيه، وزجاجتي ويكسي وزجاجتي بيرة بـ 30 جنيه، فضلاً عن 100 جنيه قيمة إيجار شهرين، بالإضافة لأجرة خادمة عجوزة.
كيف تم اكتشاف الصراف شارو ؟
تابع الصحفي حسين غانم في جريدة الأهرام قضية اختفاء الصراف يوم قبض المرتبات في مصر وكان نشر صورة الجاني هو السبب الرئيسي في الإيقاع به، حيث نُشِرَت صورته التي كان بها شارب هتلري صغير، وقام بحلاقته بعد السرقة، ليقرأ صاحب العقار منير عبدالشهيد الخبر ويتشكك في الموضوع ويشعر أنه رأى هذا الصراف، ليجد الفرق بينه وبين المستأجر الكويتي وهو الشارب.
القبض على الصراف
اتجه صاحب العقار للشقة وتكلم معه بحجة أنه سيكتب عقد الإيجار، ليقول شارو بلهجة كويتية ركيكة أنه يريد توقيع عقد إيجار بشهرين وهو ما لباه صاحب العقار، ثم اتجه وأبلغ الشرطة فأتت وبمجرد دخولها الشقة صرخ سعيد محمد زكي شارو وقال «الحقوني .. عصابة خطفتني»، وسقط مغشيًا عليه وهو يدعي الإغماء والإعياء.
حكى الصراف عن ارتكابه للجريمة بقوله «يوم الحادث، توجهت لصرف الشيكات من البنك، فوجئت بثروة كبيرة في يدي، خطر لي أن آخذ المبلغ وأهرب في أي مكان، حدث ذلك دون تدبير سابق، فأخذت المبلغ وخرجت من البنك، وعندما وجدت نفسي خارج الباب ناديت تاكسي، وبعد أن ركبت سألت سائقه بلهجة شرقية إذا كان يعلم سماسرة شقق لأنني قادم من الكويت، وطلبت منه إرشادي عن شقة مفروضة فأخذني إلى سمسار في العجوزة، وصحبني إلى صاحب الشقة واتفقت معه».
من الطرائف في تلك الحادثة أن منير عبدالشهيد الذي اكتشف السارق وقام بإبلاغ الجهات المختصة، لم يأخذ مكافأة الـ 10 %، وإنما تقرر إعطاءه مكافأة تقديرية من شركة الزهر.
الذي تغير بعد حادث سرقة مرتبات شركة الزهر، أن قام محاميان اسمهما يحيى عبدالخالق العدل، وجمعة سراج مع وكيل للنيابة نيابة شمال القاهرة علي شرف الدين، بتقديم مقترح بات يُعْمَل به حتى السنوات الأخيرة وهو إلغاء نظام انصراف الصراف بتوكيل من الشركة للبنك من أجل صرف المبالغ الكبيرة، وإلزام الشركات بإجراء وثيقة تأمين على الصراف عند حمله لهذه المبالغ ضد السرقات والحوادث، مع تخصيص حارسٍ من أمن الشركة له يرافقه من البنك حتى مقر المدير المالي.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال