قبل أن تقدم استقالتك .. فكّر
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تماشيًا مع سياسة ضرب المفاهيم ، ومسخ الأفكار ، والتلاعب بالمصطلحات ، وتهميش الحقائق وتضخيم التوافه من الأمور وتصغير مصائبها .. هناك ظاهرة جديدة جديدة وهي الاحتفال بالاستقالة من العمل عبر صفحات السوشيال ميديا .. أنا هنا لا أتحدث عن الاستقالة في حد ذاتها ، لكني أتحدث عن الفخر والفرحة والاحتفال بها .. هل استقالة الإنسان من عمله موضع احتفال ، أو موضع حديث عن إنجاز ؟
نحن هنا لا نحجر على رأي أحدهم ، ذلك الذي أرهقه العمل لسبب ما ، أو أثقلت مشاكل العمل كاهله ، أو أن البيئة النفسية لمكان عمله لم تعد تساعده على المواصلة ، أو أنه حتى قد قرر أن يستيقظ صباح اليوم ليغير كاريره وترك عمل دون سبب منطقي .. لكننا نريد أن نتحدث عن فوضى المشاعر التي يتم خلقها بعيدًا عن الواقع ، والترسيخ لها نفسيًا من خلال بوستات بعضًا من صناع المحتوى التي توسع دائرة مسببات الاستقالة من العمل ، بدلًا من الاشتباك مع مشاكل العمل وحلها .. يحرقون المركب في منتصف النهر نظرًا لسهولة الحرق ، ولا يحدثونك عن طرق التعايش مع لقمة العيش حتى تستطيع صناعة واقع يلائمك .
تعالى نُطلعك على آخر الاحصائيات الخاصة بالذين يفقدون فرص العمل ، قبل أن تكتب بيدك نهاية فرصة عمل لا يحظَ بها الكثيرين حولك من العالم كله .. زادت البطالة بنسبة 14% في الدول ذات الدخل المرتفع .. و7.4 % للدول ذات الدخل المتوسط ، وستزيد نسبة البطالة 2.8 % في الدول ذات الدخول الضعيفة ! .. نحو 35مليون مواطن أمريكى خسروا وظائفهم فى ظرف أسابيع أى وارتفعت ،وفى بريطانيا تم تسريح حوالي 6.3 مليون شخص من وظائفهم من قبل 800.000 جهة عمل، كما أن صاحب رأس المال في العالم كه – وهو الذ لم يعد يخفى عن الجميع- أصبح خائفًا أكثر من أي وقتٍ مضى ، من اتخاذ قرار بتوظيف أو التعاون مع أحدهم ، لأن رأس المال لم يعد جبانًا فقط ، بل كتكوت غارق إلى أذنيه في سقيع ليلة شتوية سكندرية .
نحن لا نلعب دور خالتك التي تقول لك : (استهدى بالله وخليك في شغلك ، واللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش)، لكني أحدثك من أرض الواقع حيث لا وجود لها على مواقع التواصل الاجتماعي ، حين يشتبك الموظفون والعمال والفواعلية يوميًا مع واقعهم ، وتجد من هم أصحاب اليد الناعمة ، والبوستات شديدة الحكمة ، شديدة العمق ، التي تجعلك تقد استقالتك وأنت في قمة سعادتك، لكنهم أيضًا لن يهتموا لأمرك بعد شرين فقط من الاستقالة ، والجلوس عاطلًا بلا عمل ، والشغف الذي كنت تتلاعب بمصطلحه يوميًا وتقول أنك فقدته في مكان عملك ستتمنى أن تعود لجزء منه ولو يوم فقط .. هم يساعدوك على الاستقالة لكنهم لن يوفروا لك فرصة عمل ! .. لذا عليك أن تفكر ألف مرة قبل أن تترك وظيفة تأكل منها عيشك ، حتى لا تقع في فخ ذلك الشعور العابر بالحرية والتحرر ، وتسجن نفسك بنفسك في سجن البطالة !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال