قراءة لأحداث الحلقة الأولى من الحشاشين “مشاهد غامضة نشرحها وخطأ واحد نصححه”

عرضت منصة Watchit وقنوات الشركة المتحدة، الحلقة الأولى من الحشاشين وهو أضخم مسلسل إنتاجيًا في دراما رمضان 2024م، وهو من تأليف عبدالرحيم كمال وبطولة كريم عبدالعزيز وإخراج بيتر ميمي.

اقرأ أيضًا 
برومو مسلسل الحشاشين “شرح ما قيل وظهر من تاريخ في لقطاته”

وظهر خلال الحلقة الأولى عدد من المشاهد المحورية الهامة بعضها يحتاج إلى شرح وبعضها يحتاج إلى توضيح وآخر يحتاج إلى تصحيح.

تقييم الحلقة الأولى من الحشاشين تاريخيًا .. آمال وتخوفات

من الناحية التاريخية فإن مسلسل الحشاشين اقتحم إحدى أكثر فترات التاريخ الإسلامي تشابكًا وتعقيدًا، وبالطبع من الصعب الحكم عليه من حلقة، لكن الحلقة الأولى مهدت المدخل إلى الحشاشين وتاريخهم بشكل بسيط وسلس.

اقرأ أيضًا
برومو مسلسل الحشاشين “شرح ما قيل وظهر من تاريخ في لقطاته”

خيال المؤلف كان طاغيًا على الأحداث التاريخية بشكل لا يمسها في صلبها الأساسي باستثناء خطأ واحد وهو الصداقة بين الثلاثة الحسن بن الصباح وعمر الخيام ونظام الملك، رغم وجود فريق عمل للمراجعة التاريخية يترأسه الدكتور خالد حسين محمود أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ورئيس قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة عين شمس، وضم في عضويته نعمة عز الدين رئيس القسم الثقافي بجريدة الوفد ونائبتها في رئاسة القسم نهلة النمر.

اتسمت الحلقة الأولى بدقة في التواريخ وسلاسة في استعراض ظروف العالم الإسلامي في زمن وجود الحشاشين، وظهر خيال المؤلف مستلهمًا من الأحداث في مشاهد، ومُخْتَزِلاً لأحداثٍ في مشاهد، ومخطئًا في مشهد واحد؛ وهو ما سنشرحه تفصيلاً بعد التقييم.

يمكن القول بان الحلقة الأولى من مسلسل الحشاشين تعطي أملاً في العمل سيقدم أطراف خيوط لمعرفة التاريخ، لكن التخوفات في الإكثار من المشاهد التي لها صلة بالألفاظ الغامضة التي ينبغي للمؤلف توضيحها في العمل مثل مصطلحات «صاحب الوقت، الحروف النورانية، الباطنية»؛ إلى جانب عدم شرح مبادئ الباطنية أو على الأقل إعطاء خلفية بما يقاتل حسن الصباح من أجله.

التواريخ فيما قبل أحداث الحلقة الأولى من الحشاشين

ظهر في استهلال الحلقة الأولى من الحشاشين الذي يشرح وضع العالم الإسلامي بصوت الممثل أحمد الرافعي، تواريخ انتهاء الدول المختلفة بدءًا من الخلافة الراشدة وحتى الدولة العباسية، وفي تلك التواريخ سُجِّل تاريخ انتهاء الخلافة العباسية بسنة 1517م، ويبدو ذلك بالنسبة للمشاهد أمرًا غريبًا، إذ السائد لدى الوعي الجمعي للجمهور أنها انتهت مع دخول التتار بغداد وقتلهم للخليفة العباسي عام 1258م.

لكن الصحيح ما جاء به المسلسل، إذ بعد قيام الدولة المملوكية في مصر وتسلطن الظاهر بيبرس أصر على إحياء الخلافة العباسية وجعل عاصمتها القاهرة اعتبارًا من يوم 19 يونيو 1260م، وكان الخليفة العباسي المستنصر بالله الثاني، وبايعه الظاهر بيبرس مع الشيخ العز بن عبدالسلام وبقية رجال الدولة.[1]

بقيت الخلافة العباسية في مصر صورية والمماليك هم أصحاب الكلمة العليا، إلى أن قامت الدولة العثمانية بدخول الشام ومصر وتمكنوا من استئصال الدولة المملوكية وبالتبعية قاموا بإنهاء الخلافة العباسية ونقلها منهم للعثمانيين بسفر الخليفة العباسي الموجود بالقاهرة إلى اسطانبول.[2]

لقاء رسول ملك فرنسا مع حسن بن الصباح “ما حدث ومالم يحدث”

كان لقاء حسن الصباح مع رسول ملك فرنسا من أحد المشاهد المحورية في الحلقة الأولى من الحشاشين، حيث أظهرت مدى تفاني الحشاشين في إتباع سيدهم حسن الصباح لدرجة أن لو قال لأحدهم إرمي نفسك من فوق سيرمي.

هذا المشهد من خيال المؤلف من حيث الحوارات والشخصيات، لكن من ناحية الأحداث وهو إصدار حسن بن الصباح أمر لأحد أتباعه بقتل نفسه، فهو مستوحى من رد حسن الصباح على رسول السلطان ملك شاه.

يحكي بن الجوزي في تاريخه أن «ملك شاه بعث برسالة إلى بن الصباح يطلب منه التوقف عن قتل العلماء والأمراء ويدعوه للطاعة، فقال حسن الصباح للرسول: الجواب ما ترى، ثم قال لجماعة وقوف بين يديه: أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة، فمن ينهض لها؟ فاشرأب كل واحد منهم لذلك، وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم، فأومأ إلى شاب منهم، فقال له: اقتل نفسك، فجذب سكينه وضرب بها غلصمته (اللحم بين الرأس والعنق) فخر ميتا، وقال لآخر: ارم نفسك من القلعة، فألقى نفسه فتمزق، ثم التفت إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفا هذا حد طاعتهم لي، وهذا هو الجواب».[3]

أما من ناحية هل كان هناك اتصال بين ملك فرنسا والحسن بن الصباح، فليس هناك شيء يثبته من الناحية التاريخية الصرفة، لكن من الناحية الفنية كـ حبكة درامية فيبدو هذا مقبولاً أو يمكن (الاقتناع) به بحكم حركة التاريخ في ذلك الوقت في العلاقات بين الحشاشين زمن حسن الصباح والصليبيين.

فحسن الصباح عندما أسس طائفة الحشاشين وسيطر على قلعة آلموت، بدأ يرسل دعاته إلى كل البلاد، فكانت بلاد الشام من ضمن البلدان التي يريد الدخول لها، فبعث لها الحكيم المنجم أسعد أبو القنج ومعه أبو طاهر الصائغ، فوصلا حلب والتي كان يحكمها رضوان بن تُتُشْ وكان له خصوم سياسيين، فأعطى المجال لرجليّ حسن بن الصباح في الانتشار والتأثير داخل حلب ثم صار من الحشاشين.

تمكن الحشاشين في حلب من قتل القاضي فضل الله الزوزني، وكذلك قتلوا أمير حمص، وأراد الحشاشين بذلك أن يثبتوا لحاكم حلب رضوان بن تُتُش أنه قوي وأنه لن يكون قوي إلا بهم، ليقوموا بعدها بأخذ حصن أفاميا في حمص وقتل قائده خلف بن ملاعب وصار أبو طاهر الصائغ الباطني الحشيشي قائدًا على أفاميا، إلى أن قام الصليبيين في سنة 1006م عن طريق تانكرد حاكم إمارة أنطاكية الصليبية بأخذ قلعة أفاميا وقتل أسعد أبو القنج وأسر أبو طاهر الصائغ ثم أطلق سراحه.[4]

أثبت الحشاشون بذلك لحاكم حلب رضوان بن تُتُش أنه قوي وأنه لن يكون قوي إلا بهم وكسب الصليبيون والي حلب الذي اعتمد على الحشاشين في منع قوات مودود بن التونتكين حاكم الموصل من دخول حلب لمواجهة الأمير الصليبي تانكرد عام 1111م.[5]

تلك صورة من صور التعاون بين الحشاشين والصليبيين والتي يطول المقال بذكرها وسنتعرض لها حسب سياق الأحداث في حلقات مسلسل الحشاشين.

تفسير مشاهد الحروف

من المشاهد الغامضة التي ظهرت في الحلقة الأولى من الحشاشين هي مشهد الحروف خلال حوار والد ووالدة حسن الصباح عندما كان طفلاً وقالت الأم كلامًا عن الحروف النورانية والأرقام الروحانية والحروف النورانية هي الموجودة في جملة نص حكيم قاطع له سر، أما الأرقام الروحانية فهي تلك التي لها صلة بالتنجيم.

كل هذا يندرج تحت باب اسمه علم الحرف والذي وصفه الشيخ علي جمعة في دروسه بالطريقة الصديقية بأنه «علم يخدم شيئًا ما لفهم أعمق ونحن في طريقنا إلى الله، ففي التفسير مثلاً يقدم الولي نوع لطيف من الإشارة، يشعر ويتلقاها بذوق لا ينكر معه الظاهر، إذا أنكره فهو باطني مردود»[6]، ثم قال في درس آخر حول الحروف النورانية «علم الحرف علم قديم، مردوده إلى سيدنا إدريس، فلاحظ أهل هذا الفن أن الله في القرآن بدأ 29 سورة بـ 14 حرف من هذه الحروف (نص حكيم قاطع له سر)، آدي 14 حرف، فهذه الحروف بعددها كوجه قمر منير، وبقية الحروف ظلمانية».[7]

وبغض النظر عن ما يقال حول الأحرف النورانية ونظرة الإسلام لها، فالمجمل في الشيء المسمى بـ علم الحرف هو القيمة العددية للحروف الهجائية العربية وما تدل عليه هذه العلاقة بين الحروف والكلمات وقيمتها العددية، ثم تطور العلم عند بعض طوائف المسلمين بأنه علم يمكن الشيوخ على معرفة الغيب، وتمتعهم بالكرامات والخوارق.

ويدلل على ذلك أنه بعد زمن حسن بن الصباح نشأت جماعة اسمها الحروفية التي كانت لها بصماتها في العصر العثماني لدرجة التأثير على سلاطينها، وتلك الطائفة دمجت المهدية الشيعية بالقطبية الصوفية وترى أن المذهب الشيعي هو المذهب الوحيد الأحق في تفسير القرآن وفق افتراضية تقول أن التعبير عن المعاني بالحروف وأصواتها يكتمل في الحروف العربية وعددها 28 والحروف الفارسية وعددها 32 وحرف اللام ألف يجمع الحروف الفارسية الزائدة عن العربية لتكون الفارسية مفسرة للغة العربية وبالتالي يكون المذهب الشيعي هو المذهب الذي يفسر القرآن.[8]

إقرأ أيضا

قطة مي كساب وعصر طقاطيق عزيز الشافعي

خطأ صداقة الثلاثة (حسن الصباح ونظام الملك وعمر الخيام)

تناولت الحلقة الأولى من الحشاشين قصة الصداقة التي نشأت بين الحسن الصباح ونظام الملك وعمر الخيام، لكن هذا الكلام وإن كان مشهورًا في كتب التاريخ لكن وبشكل قطعي فليس هناك صداقة جمعت بين الثلاثة.

السبب في ذلك أعمار الثلاثة ليست متقاربة وتواريخ ميلادهم مختلفة، فنظام الملك من مواليد 1017م / 408هـ بينما حسن الصباح وعمر الخيام تاريخ ميلادهما غير معروف.

وإن ذهبت الآراء إلى أن حسن الصباح من مواليد 1124م وعمر الخيام من مواليد 1131م، يعني (نظام الملك أكبر من الصباح بـ 32 سنة ومن عمر الخيام بـ 39 سنة)؛ كما أن الخيام والصباح إن كانا قد عاشا لأكثر من 100 سنة وأعمارهما متقاربة لكن مسألة أنهما كانا زميلين أمرًا مستبعد.[9]

لقاء حسن بن الصباح مع بن عطاش .. اختزال الطفولة للقاء الكبير

أعطى المؤلف عبدالرحيم كمال طفولة حسن بن الصباح ملامح من وحي خياله، وله في ذلك عذر وهو أن نشأة حسن الصباح غير معروفة، باستثناء النشأة العائلية فكريًا، فالمشهد أظهر أنها عائلة مشعوذة، دون أن يتطرق إلى مذهبها الديني.

والعيب هنا في أنه لم يذكر المذهب الديني فقد كانوا شيعة إثنا عشرية، وأثر هذا العيب أن المشاهد وجد حسن بن الصباح شيعيًا عتيدًا وباطنيًا كبيرًا وعن اقتناع، دون أن يعطينا السبب في ذلك، باستثناء مشهد غريب غير مفهوم لارتباط حسن بن الصباح بالأفكار الغريبة وهو وقوعه في البئر وإنقاذه عن طريق حبل قدمته له امرأة غامضة وهي رمزية أكثر من كونها امرأة.

حالة الاشتياق التي ظهرت على حسن بن الصباح وهو يأخذ العهد ويبايع على يد بن عطاش، مثلها كريم عبدالعزيز ببراعة لكن لو مُهِّدت بمشاهد تشير إلى سبب ذلك فسيكون المشاهد على خلفية معلوماتية.

حسن بن الصباح يتكلم عن نفسه واعتناقه للمذهب الشيعي فيقول أنه كان يتبع مذهب آباءه وهو مذهب الشيعة الإثنا عشرية، ولم يكن لديه شك في دينه، لكن لم يدور في باله أنه يمكن البحث عن الحقيقة خارج الإسلام، وكان يعتقد أن كلام طائفة الإسماعيلية فلسفة وهرطقة، إلى أن قابل رجل اسمه عميرة زاراب وهو من إسماعيلية مصر، وكان يتناقش معه وحسن بن الصباح لم يقتنع بأفكار الإسماعيلية، لكن عميرة قال له عندما تخلو للتأمل في سريرك أثناء الليل سوف تعرف أن ما أقوله لك مقنع، وبالفعل قرأ حسن الصباح كتب الإسماعيلية واقتنع بأشياء ولم يقتنع بأشياء إلى أن حدث له مرض وقال: أخذت أفكر لا شك ان هذه هي العقيدة الصحيحة ولكني لم أعترف بها لخوفي الشديد وها قد أقترب الآن أجلي المحتوم وسوف أموت دون أن أصل إلى الحقيقة.

ولما لم يمت حسن الصباح بحث عن معلم إسماعيلي هو أبو نجم سراج وهو من أفهمه الإسماعيلية، ثم قابل رجل آخر اسمه مؤمن وأخذ إجازة للقيام بالدعوة الإسماعيلية من عبدالملك بن عطاش، فأراد حسن أخذ البيعة على يد مؤمن لكن مؤمن قال له: مرتبك أعلى من مرتبتي فأنت حسن أما أنا مؤمن فكيف آخذ منك البيعة للإمام لكنه أخذ العهد مني بعد إلحاح، ولم وصل عبدالملك بن عطاش داعي العراق إلى الري سنة 464 / 1072م أعجب بي فأمر أن أتولى نيابة الدعوة وأشار بوجوب توجهي إلى خليفة مصر وكان في ذلك الوقت هو المستنصر.[10]

[1]  بن كثير، البداية والنهاية، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف عبدالقادر الأرناؤوط وبشار عواد معروف، ج15 بتحقيق رياض عبدالحميد مراد ومحمد حسان عبيد، ط/1، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1436هـ / 2015م، ص373.
[2]  بن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق: محمد مصطفى، ج5، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1404هـ / 1984م، ص183.
[3]  بن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطا، ج17، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1412هـ / 1992م، ص64.
[4]  بن القلانسي، تاريخ دمشق، تحقيق: سهيل زكار، ط/1، دار حسان، دمشق، سوريا، 1403هـ / 1983م، ص242.
[5]  محمد سهيل طقوش، تاريخ السلاجقة في بلاد الشام، ط/3، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1430هـ / 2009م، ص172.
[6]  علي جمعة، حول علم الحرف والأوفاق الدروس الشاذلية حـ 27، قناة علي جمعة على يوتيوب، مرفوع بتاريخ 4 ديسمبر 2017م
[7]  علي جمعة، ما هو ذكر الاهمية بالعدد 1111 وما فضله ؟، موقع قناة الصديقية الشاذلية، مرفوع بتاريخ 25 يناير 2020م.
[8]  عبدالمنعم الحفني، موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب الإسلامية، ط/1، دار الرشاد، القاهرة، 1413هـ / 1993م، ص179–180.
[9]  النظامي العروضي السمرقندي، جهار مقاله (المقالات الأربع في الكتابة والشعر والنجوم والطب، ترجمة: عبدالوهاب عزام ويحيى الخشاب، ط/1، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1368هـ / 1949م، ص158.
[10]  الجويني، تاريخ فاتح العالم، ترجمة: محمد السعيد جمال الدين، تحقيق: محمد بن عبدالوهاب القزويني، ج3، ط/1، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2015م، ص171-172.
وانظر:- برنارد لويس، الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام، ترجمة: محمد العزب موسى، ط/2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2006م، ص ص67-69