قصة الدويتو الخفي بين سمير الإسكندراني والموسيقار محمد عبد الوهاب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
منذ فترة ينتشر على مواقع التواصل الإجتماعي دويتو غنائي يجمع بين سمير الإسكندراني و الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب حيث يغني سمير مقطعًا باللغة الإنجليزية ويرد عليه الموسيقار محمد عبد الوهاب باللهجة المصرية، انتشر هذا الدويتو وكأنه اكتشاف العصر وأهم اكتشاف بعد اكتشاف كولومبس لأمريكا، تم تداوله على نطاق واسع مصحوبًا بتعليقات تدور حول كيفية إقناع موسيقار بحجم وقيمة عبد الوهاب بالغناء مع مطرب ناشئ مثله، ولماذا اختار سمير الاسكندراني تحديدًا المحسوب على تيار الفرانكو اّراب وهناك من هم أكثر شهرة منه وأكثر تمرسًا على أداء ألحان عبد الوهاب.
تحولات الستينات
بدأ عقد الستينات بشكل هادئ على مستوى الموسيقى المصرية، قوالب غنائية مستقرة ولا جديد يطفو فوق السطح في ظل سيطرة “أم كلثوم” و”عبد الحليم حافظ” الصوتان الأشهر في تلك الحقبة على مشهد الموسيقى، بدأت التحولات بعد قرارات يوليو الاشتراكية والحاجة إلى أغنية جديدة شعبية تحفز العامل والفلاح تواكب ذلك مع عودة الروح من جديد للمطرب محمد رشدي الذي بدأ يسحب البساط قليلًا بعد نجاح أغنيته “تحت الشجر يا وهيبة” على جانب آخر من المشهد الموسيقي نما تيار موسيقي آخر هو “الفرانكو اّراب” حيث برزت تجارب مثل “كريم شكري، برونو موري” ثم بدأ الشباب في الاحتكاك بفرق الموسيقى الغربية التي كونت من أعضاء مصريين حيث جرى ترحيل أغلب العازفين الأجانب من مصر.
في تلك الفترة كان سمير الإسكندراني يعمل مترجمًا ومذيعًا للنشرة باللغة الإيطالية في القسم الأوروبي في الإذاعة، ثم بتوصية من عبد الحميد الحديدي رئيس الإذاعة حينها، كان يعيد غناء بعض الأغنيات الأجنبية بصوته ومنها أغنية سيناترا الشهيرة “Strangers In The Night“ التي قيل أن أداء سمير فيها نال إعجاب الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وطلب لقاؤه.
ذهب سمير الإسكندراني إلى بيت الموسيقار محمد عبد الوهاب ليجد بصحبته شخصان لم يتعرف عليهما في البداية ومن هيئتهما ظن أنهما أجنبيان، المفاجأة أن الشخصين كانا الشاعر الكبير حسين السيد وعازف الكمان الشهير أحمد الحفناوي، بدأ سمير في الغناء أمام الثلاثي وسط ابتسام واستحسان من عبد الوهاب الذي طلب منه المزيد ثم صدمه بقوله “لو كان معايا صوتك كنت خربت الدنيا” لم يفهم سمير الجملة التي اغضبته جدًا فلملم حاجاته وخرج من المنزل دون استئذان.
في اليوم التالي جاءه اتصال من عبد الحميد الحديدي يشرح له فيه أن ما قاله “عبد الوهاب” كان ثناء ومدحًا في صوته على عكس ما تصور أنه سخرية وطلب منه العودة إليه، في المرة الثانية بدأ عبد الوهاب يشرح له نيته خوض تجربة الفرانكو اّراب عبر صوته والتي تلقى رواجًا بين صفوف الشباب وقتها، رشح له سمير الإسكندراني السيدة مارجريت شكري كي تكتب الكلمات الانجليزية وهي سيدة بريطانية مقيمة في مصر مع زوجها الطبيب المصري وتكتب الشعر وأوكل عبد الوهاب مهمة كتابة الكلمات العربية لشاعره الملاكي “حسين السيد”.
الأغنية في الأصل لم تصنع كي تكون دويتو بل كان من المفترض أن يغنيها كاملة سمير الأسكندراني، وأثناء البروفات قام الاسكندراني بحيلة خبيثة حيث طلب من عبد الوهاب أن يضع صوته على المقطع العربي للتدريب عليه لأنه لم يحسن الغناء بالعربية، دخل عبد الوهاب غرفة التسجيل ووضع صوته على المقطع و ترك سمير صحبة مهندس الصوت ثم انصرف.
الاحتيال على عبد الوهاب.
حتى تلك اللحظة لم يكن أحد يعلم ماذا يدور في ذهن سمير الإسكندراني الذي طلب من مهندس الصوت دمج المقطعين في أغنية واحدة ثم طلب عدة نسخ أخذها معه وخرج من الأستوديو إلى مبنى الإذاعة حيث قام ببث الأغنية على العديد من المحطات وقدمها أول مرة الشاعر فاروق شوشه بصوته.
أذيعت أغنية “Never Let Me Go” في ذلك اليوم أكثر من 15 مرة وتناقلها الجميع وكأنه خبر موسم 1966، كل هذا ولم يكن عبد الوهاب على علم بالأمر حيث استشاط غضبًا عندما سمعها في الإذاعة وبدأ يبحث عن سمير الإسكندراني الذي كان يخشى رد فعله الغاضب ولم يسمح له تداولها على نطاق واسع لأنها لم تكن مشروع دويتو من البداية.
بحسب رواية سمير الإسكندراني أن عبد الوهاب قرر الصفح عنه بعد ما نالت الأغنية استحسان طائفة من المقربين منه، بل ووقع معه عقدًا عبر شركة صوت الفن كي تصدر الأغنية بصوتيهما مع أغنية silvery Nile التي كانت التعاون الثاني معه وبالطبع لم تنال شهرة الأغنية الأولى وتناسها البعض في زحمة الإنشغال بالدويتو
صدرت الاسطوانة عبر تصميم غلاف رائع صممه بنفسه سمير الإسكندراني في عام 1966، وبالطبع نال إشادات واسعة كونه غنى من ألحان محمد عبد الوهاب وبدأ الجميع يتناقل أخباره والحديث عنه وعن إمكانياته الصوتية وكتب عنه الناقد الموسيقي كمال النجمى ذو الأفكار الكلاسيكية في الموسيقى والذي كان يستنكر ما يحدث في سوق الغناء وقتها من اجتياح تيار الفلكلور لكنه مدح في إمكانيات صوت سمير الإسكندراني كثيرًا.
- غلاف أسطوانة Never Let Me Go
جاءت النكسة لتوقف عدة مشاريع فنية لسمير الإسكندراني الذي فضل الخروج للإشتراك في مهرجانات دولية نال فيها عدة جوائز، مع تخمين بأن عبد الوهاب نفسه قد يكون تدخل لمنع إذاعة Never Let Me Go وهو ما قد يفسر عدم علم الكثيرين عنها إلا مؤخرًا، لكن المفاجأة التي قد لا يعرفها البعض أنه غنى دويتو مع المطربة الكبيرة “فايزة أحمد” من كلمات “على أحمد باكثير” بعنوان “أما نكون أو لانكون” من ألحان الموسيقار الكبير أحمد صدقي وبالطبع لم يكتشفه البعض حتى الأن في انتظار أن يشاركه أحد ما على مواقع التواصل الإجتماعي كي يتفاجئ الجميع كالعادة.
الغريب أن هناك روايات ترجح أن عبد الوهاب لم يذهب من تلقاء نفسه للتعاون مع سمير الإسكندراني بل تم بتوصية من جهات سيادية أما تكريمًا له أو كنوع من التغطية على عمله كعميل للمخابرات المصرية، الغريب أن الأسطوانة التي صدرت في مصر باسم “سمير الإسكندراني”جرى طرحها في أوروبا تحت اسم “Sam Sander” ويرجح أنه الاسم الحركي لسمير الإسكندراني و ربط البعض بينه وبين عازف الجيتار اليوناني صاحب الجنسية الإسرائيلية “Aris San“ الذي انتشر شائعات أنه كان جاسوسًا نشطًا داخل إسرائيل ولعب دورًا في حياة سمير الإسكندراني المخابراتية وبالطبع مات سمير ولم يكمل الرواية التي يبدو أنها لم تفصح عنها المخابرات ومات “Aris San ” في ظروف غامضة هو الأخر.
- غلاف الاسطوانة الصادرة في أوروبا باسم Sam Sander
يعاني الفضاء الإليكتروني العربي من غياب التوثيق الجدي للتاريخ الموسيقى، لذا عندما تطفو إلى السطح معلومة او قصة بالضرورة قد لا يعرفها البعض، سرعان ما تجد متسعًا لها وتنتشر انتشار النار في الهشيم وكأن من وجدها قد عثر على كنز مفقود لم يستطع أحد الوصول إليه قبله، رغم أن القصة قد تكون قتلت بحثًا في زمنها ولكن بما أننا في عصر يتغذى على النوستالجيا فلا مانع كل فترة من أن أحدًا ما يخرج لنا من قبو الماضي حكايات لم تتعرف عليها أجيال كاملة.
ألبوم المطرب المدبلج توو ليت عندما تصنع حدثًا من لا شئ
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال