كانت فأصبحت : الجزء الأخير .. هل وصلت الأغنية المصرية للعالمية؟
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
علي مدار ستة مقالات تابعنا فيها تطور شكل الأغنية المصرية منذ بدايات عصر النهضة في القرن التاسع عشر مرورًا بالثورة الموسيقية في الستينات والسبعينات حتى وصلنا إلي التسعينات ، تعددت أشكال الأغنية المصرية ما بين أدوار وطقاطيق ومونولوجات وموشحات، لكن في النهاية استقرت على شكل غنائي ثابت مستمد أصوله من الطقطوقة، فأصبحت الأغنية في الغالب تتكون من مذهب وكوبليهات ، بجملتين لحنيتين واحدة في المذهب والأخرى تتكرر في الكوبليهات, مع تنوع في الإخراج الموسيقي مابين نمط كلاسيكي أو إيقاعي عصري.
وبالنسبة للمواضيع الغنائية كان الغالب عليها هو العاطفة وأن اختلف الطرح، وشذ عن تلك القاعدة فئة قليلة قررت إدخال مواضيع ومضامين حياتية أخرى، إلا أن الأغنية ظلت على نفس الشكل الثابت.
في بداية التسعينات سيطرة الأغنية الإيقاعية على المشهد الغنائي وصنعت جماهيرية كبيرة أثارت غضب بعض المنتمين إلي المدرسة الكلاسيكية القديمة وأدت في النهاية إلي إيقاف عراب تلك الموجة “حميد الشاعري”، جاء الإيقاف ليعطي الفرصة لظهور أخريين حلوا محله، تبني بعضهم نفس توجهه الموسيقي مع تطعيم الأغنية ببعض العناصر التي تعطي زخمًا موسيقيًا، حتي عاد من الإيقاف ليدرك أنه لا مفر من تغيير توجهه الموسيقي ولو قليلًا، مع محاولة رد الإعتبار وإثبات أنه قادر على قيادة السوق الغنائي وإخضاع الأغنية لأفكاره الموسيقية.
شكلت نور العين الإنقلاب الموسيقي الجديد بعد لولاكي، و صنعت مجد حميد الشاعري الثاني، ومهدت لتحرير السوق من رتم المقسوم الذي كان يمثل الأساس الذي يعول عليه نجاح الأغنية الرئيسية للألبوم، وغيرت في مفاهيم الموسيقيين وجعلت الكل يلتفت إلي التطور الموسيقى الحاصل في العالم كله، وتزامن ذلك مع وصول بعض الأشكال الغنائية العربية إلى العالمية على سبيل المثال “الراي” فأصبح لا مفر من كسر جمود الأغنية المحصور في قالب واحد، وبرغم كل ذلك النجاح إلا ان تخوف البعض من تجريب شكل جديد مفضلين الاكتفاء باللعب في مساحاتها الآمنة للنجاح، والخوف من المجازفة بتغيير المسار الموسيقي الذي قد لا تساعه تجربته الشخصية، مع عدم قدرة بعض الموسيقيين فنيًا على مواكبة هذا التغيير ، مع بداية الألفية الجديدة بدأت تلك الأسماء في التساقط تباعًا حتى اختفى أغلبهم وافسحوا المجال لظهور جيل جديد من المطربين.
بمرور الوقت أصبحنا كل عام نرى شكلًا موسيقيًا مختلفًا، حاول عمرو دياب دمج الموسيقى الشرقية مع التكنو الغربي في حبيبي ولا علي باله، وتحول هشام عباس للشرق الأقصي بدمج الموسيقى الهندية مع البوب الغربي في حبيبي ده، وبدأت سميرة سعيد في ثورتها الفنية الجديدة بداية من يوم ورا يوم، ودخل على الأغنية اشكال جديدة مثل الهاوس والتكنو والريجي تون، ثم بدا التاريخ يعيد نفسه فعادت الفرق الغنائية للظهور مجددًا متلمسة خطى فرق الستينات والسبعينات، واختفي المقسوم تمامًا، حتى أعيد إحياؤه مرة أخرى بعد حالة النوستالجيا التي تجتاح الجمهور بالتزامن مع ثورة يناير.
هل وصلنا إلي العالمية؟
لكن بعد كل تلك النجاحات وهذا التطور هل وصلت الأغنية المصرية إلي العالمية؟ يصعب الإجابة على السؤال في ظل عدم وجود تعريف جدي لمفهوم العالمية في ظل الانفتاح التكنولوجي ودخول وسائط النشر الإليكترونية مجال إنتاج الموسيقى، في السابق كان الخروج إلى أوروبا والعالم الغربي مرهون بالإحتفاظ بهوية موسيقاك، مع ترديد الكليشيه المعتاد أن الإغراق في المحلية بالضرورة يفضي إلي العالمية، لكن كل من تتبع هذا المسار ظل مهمشًا في وطنه رغم الاحتفاء بموسيقاه في المحافل الثقافية الغربية المهمة، سواء كان فتحي سلامة المصري الوحيد الحائز على جائزة جرامي أرفع جائزة موسيقية في معلومة قد يجهلها الكثيرين، أو حمزة علاء الدين أو حسام رمزي أو علي كوبان أو عبده داغر والقائمة تطول وإن كان الإستثناء الوحيد هو محمد منير الذي واكب التطور في العالم منذ الثمانينات، لكن بقية مطربي البوب لم يفطنوا إلي أنهم لم يصلوا بأغنيتهم إلي العالمية بقدر ما قاموا بإعادة تصدير موسيقى الغرب لهم مرة اخري بعد تغليفها بكلمات مصرية، مع عدم إغفال أن فوز بعضهم بجوائز عالمية فجر حالة من التشكيك في جدواها ومدى أهميتها بل وهل هي مشتراة بالأساس، وبفرض أنهم حقًا نالوا شهرة واسعة لدى الجمهور الغربي ، فالأمر مقتصر على نجاح جماهيري فقط ولن تجدهم يلقوا تقديرًا نقديًا مهما لأن نجاحهم بالأساس وقف وراءه عدة عوامل أخرى متداخلة مع الفن والموسيقى مثل ظهور بعضهم كوجه دعائي للشركات العابرة للقارات، إلا أن هذا النجاح يظل وقتيًا سرعان مايبرز نجم أخر ليحل محل النجم الحالي.
اين الأزمة؟
يكرر البعض مقولة زمن الفن الجميل وأن الأغنية الأن تعاني من أزمة، لكن أزمة الأغنية ليست وليدة اليوم ولا حتى التسعينات ففي كل فترة زمنية كان الحديث دائما عن وجودها، حتى في الجيل الذي يصنف على انه جيل الزمن الجميل، ومع ظهور أنماط حديثة كالمهرجانات والراب والتراب، والتي اكتسبت جمهورًا عريضًا، الأمر الذي جعل بعض المحسوبين على الجيل القديم في صب الهجوم عليهم، لكن الحقيقة أن في السابق كان السوق الغنائي يتسع للكثير من الأشكال والأنماط الموسيقية وكانت هناك مبارزات فنية وكانت الأغنية الجيدة تطرد الأغنية الرديئة، أما الآن وعلى نطاق موسيقي البوب الرسمية فالكل يسبح في تيار يتحكم فيه جوقة بعينها هي التي تسيطر على صناعة الأغنية ولم يعد هناك تنوعًا كما كان في السابق، بل مكالبة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب المادية دون النظر إلي جودة العمل الذي يقدم.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال