همتك نعدل الكفة
291   مشاهدة  

“كسرت عين أولاد الكلب” .. انتصارات أكتوبر في رواية الحرب في بر مصر

انتصارات أكتوبر
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



لا توجد رواية مصرية كاملة تناولت حرب أكتوبر كتوثيق تاريخي أدبي ـ حَسَبَ قراءاتي ـ،  غير أن هناك مجموعة من الأعمال الأدبية للروائي المصري” يُوسُف القعيد ” تناولت حرب أكتوبر وتبعاتها من منظور اجتماعي وسياسي أكثر منه تاريخي، كرواية “الحرب في بر مصر”ـ وهي الأكثر شهرةـ  ورواية “حكايات الزمن الجريح” ورواية “أطلال النهار”  و رواية “في الأسبوع سبعة أيام ” ورواية” تجفيف الدموع “، لنحصل في النهاية على لوحة متكاملة توضح صورة مصر من نكسة 1967م  إلى حرب أكتوبر 1973م وما بعدها .

رواية الحرب في بر مصر 

يتميز الروائي ” يُوسُف القعيد” بنظرة سياسية ناقدة عبّر عنها جليًا في رويته” الحرب في بر مصر ” ؛ وهي الرواية التي صُنفت ضمن أفضل 100 رواية مصرية وعربية، و تُرجمت إلى لغات عدة، ثم أن  ” صلاح أبو سيف” قد نقلها إلى شاشات السينما في فيلم ” المواطن مصري” من بطولة ” عمر الشريف ” وعزة العلايلي “.

مفارقات التصدير 

قبل الدخول في الرواية صدّر ” القعيد” مقولة “هير ودوت”،” وفي مصر شاهدت أشياء كثيرة ولكني لم أنطق”  فالسياق الذي أراده الكاتب مغاير لما أراده هير ودوت”  فهو يكشف عن مضمون روايته الصادم فكأنما يقول منذ البداية”  المسكوت عنه  لا نستطيع البوح به رغم الحرية المزعومة”، هذا المعنى الأكثر تناسقًا خاصة بعد قراءة فصول روايته الستة.

عادت الأرض 

في الفصل الأول من الرواية جاء تحت عنوان” العمدة” وهو رمزية عن الطبقة الثرية في المجتمع الريفي، وفي هذا الفصل يشرح العمدة كيف عادت الأرض” والمقصود هنا ليست أرض سيناء المغتصبة من العدو الإسرائيلي وإنما الأرض الذي أخذها الإصلاح الزراعي عام 1954م ليوزعها على الفلاحين، ولكن بحكمة المحكمة عادت الأرض ” ولأن سعادتي بعودة الأرض ما بعدها سعادة أخرى في العالم تمنيت أن أموت وقتها”، وبلغة أهل القرى استطاع يُوسُف القعيد أن ينقلنا إلى حالة الخوف المحتوم بعد السعادة العارمة، فكأنما العمدة يعلم أن سعادته بعودة الأرض إنما يأتي بعدها كارثة وحزن محتوم “اللهم اجعله خير.. خفت، وكان سبب خوفي أن أفراح الأمس جعلت الدنيا لا تسعني” ، وقد كان فقد جاءت إشارة إلى الدوار بطلب ابنه إلى التجنيد فكانت كلمة السر المتعهد.

المتعهد

حينما طلب الجيش ” ابن العمد” فما كان منه إلا أن يبحث عن البديل من أبناء الفلاحين المقهورين، وكان المتعهد هو كلمة السر الذي سينجز له هذه المهمة فهو المعلم المفصول من عمله بتهمة التزوير والرشوة ومن وقتها لازمته تلك الصفة” المتعهد” ” وقد أصبحت متأكدًا من أمر واحد ، وهو إن ابني الصغير لن يبتعد عني، أخذت قراري بالذهاب إلى المتعهد ، استرحت نفسي ، شعرت أنني وصلت إلى بر الأمان “ لذلك كان البحث عن البديل لذي يحل محل ابن العمدة في الجيش.

ولما سافر ” العمدة” لملاقاة المتعهد خارج نطاق القرية حتى لا يشك فيه الأهالي لأنه إذا وُجد المتعهد فبتأكيد سيحدث أشياء خارجة عن القانون ولكن الأخير ظهر في صورة الحكيم خلال بعض النصائح التي قدمها للعمدة عن كيفية بناء الرجال و إن الجبهة هي المكان الوحيد الذي يصنعهم”.. الصلة والمعرفة جعله ينصحني بأن ذهاب ابني إلى العسكرية سيكون الفرصة الوحيدة لجعله رجلًا” .

البلد سابت 

ثم يوضح حالة الفوضى في ذلك الوقت على لسان المتعهد حينما بقول :” البلد سابت والكل يعمل ما يريده دون خوف. صديق متعاون من الاسكندرية طلب مني توسيع دائرة العمل، فنحن نَمِر بفرصة لن تتكرر، المصريون الآن أحرار فعلا. لأول مرة في تاريخ وادي النيل، كل مصري حر في عمل ما يريده. من يرغب في السفر يسافر، من يبغي الهرب حر في الهروب، طريق أبو زيد كله مسالك، وكل الطرق تؤدي إلي ما يريد القادر علي الدفع. وما دام معك قرش، فأنت قادر علي فعل ما يساوي هذا القرش”.

جوع العمر 

الفصل الثالث من رواية “الحرب في بر مصر” كانت حول” المصري” ابن الغفير النظامي الذي يعمل لدى ” العمدة”، الغفير الذي لا يجد ملعقة السكر في منزله غير الضربات التي يتلقاها منذ إحالته على المعاش، وكان آخرها انتقال الـ 3 أفدنة الذي أخذها من الإصلاح الزراعي إلى العمدة مرة ثانية ، غير أنه وقع الاختيار على ابنه” مصري” الولد الوحيد على خمس شقيقات أن يحل محل ابن العمدة الصغير ” مصري سيذهب على أنه ابن العمدة  .. سألته على طبيعة الورق ورق التجنيد ”  .

اللقمة في يد اليتم عجبة .. أقدار جيل

22أكتوبر 1973

ذهب مصري إلى الجيش على أنه ابن العمدة، وكان مصري يتميز بعدة صفات منها الذكاء والعقل الراجح ” كان الكل يتكلم عن مصري ، كيف يتفوق ابن رجل فقير؟ ، من أين يأتيه الذكاء ؟، عمن ورث العقل .. قالت أم مصري أن الكحكة في يد اليتيم تبدو عجبًا “، ثم يذهب ” مصري إلى الجبهة وهناك يلتقي بصديقه ” صديق” وهو بطل الفصل الرابع فعلى لسانه تسرد الحقائق، وهو الموكل من “مصري” بأنه إذا استشهد فيفشي السر ويقول أنه ابن الغفير لا العمدة.

تخلى عنّا الزعيم 

ومن عنوان الفصل يتحدث ” صديق” عن أقدار جيله بعد رحيل عبد الناصر واغتصاب الأرض والفوضى في بر مصر قائلًا : “لكل جيل قدره، وقدر جيلنا نحن أبناء مصر كان الطموح أكبر من الإمكانية. وضعنا الأقدام فلم نجد تحتها أرضا. ورفعنا الرؤوس لنلامس السحاب فاختفت السماء من فوقنا. وفي اللحظة التي وضعنا فيها أيدينا علي حقيقة جيلنا تخلي عنا الزعيم باستشهاده في الوقت الذي ازداد فيه احتياجنا له”.

إقرأ أيضا
من يفتش وراء النهر

وهنا يكشف ” القعيد” عن الغطاء الأساسي لتيمة الرواية وهي التناقضات السياسية والتحولات الاجتماعية بعد رحيل عبد الناصر وحتى 1973م  و أن من ضحى بأرواحه لتحرير الأرض هم الفقراء وأبنائهم و ليس الأغنياء الذي عادت إليهم عائدات النصر .

الضابط 

استشهد” مصري” على الجبهة ، وجاء الضابط ليسلم الجثمان لأهله وعندها تظهر الحقيقة بأن هذا ابن الغفير وليس ابن العمدة، فيتجمع أهالي القرية حول الضبط و يطالبونه بإبلاغ المركز لينال العمدة عقابه ولكن المفاجأة فلا جريمة ولامتهم .

أركان القضية 

بعد انتهاء حرب أكتوبر 1973م  وإشكالية نسب” مصري” تكتمل أركان القضية حينما يجمع المحقق الأدلة، ولكنه يتفاجأ بمندوب الشرطة العسكرية الذي أصر على التحقيق في الواقعة كون القضية عسكرية 100% وهي الجهة الوحيدة المختصة ولكن المحقق رفض  “رفضت هذا وقلت أن الواقعة كلها تمت هنا. بعيدا عن المعسكرات والجيش ولابد من المضي في التحقيق حتي نهايته وليكن ما يكون.. فجأة أتت التعليمات صريحة وواضحة بقفل التحقيق واعتباره كأن لم يكن ودفن الجثة”.

تزيف الحقائق كما يقول” قعيد ”  هو المعتد به وقتها حيث كانت نتيجة التحقيقات أن ” مصري ابن العمدة وليس ابن الخفير وعليه نال الأخير كل التكريمات المعنوية والمادية فلو رفضها تتثبت عليه قضية التزوير: “ابن الخفير ذهب إلي الجيش ولأنه يدرك وضاعة أصله ويريد أن يتمسح في الكبار أولاد الذوات أملي بياناته من اليوم الأول خطأ، نسب نفسه إلي العمدة. قال أنه ابنه، أبا عن جد. لهذا عندما استشهد تم هذا الاستشهاد بالاسم الذي ارتضاه لنفسه، برغبته الكاملة. هذا كل ما حدث ولهذا سيقيد استشهاده بموجب هذا الاسم. ودفنه علي هذا الأساس، علي انه ابن العمدة. هل سمعتني. لا توجد قضية”.

الشاهد من الرواية أن مصر بعد النكسة ووفاة ” جمال عبد الناصر” عاشت في حالة من الفوضى العارمة، كان المنتفع الوحيد فيها هم الأغنياء الذي حاول الإصلاح الزراعي تقويض شوكتهم ، ثم أن العدو لم يكن العدو المباشر على الجبهة بل العدو في الداخل الذي فضل المال والأبناء عن الوطن، بينما من حمى الأرض وردها من أيد المغتصب الإسرائيلي هم أولئك الفلاحون الفقراء وأبنائهم وفي الأخير ذهب النصر إلى الأغنياء .

الكاتب

  • الحرب في بر مصر مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان