همتك نعدل الكفة
1٬147   مشاهدة  

 كلمتين وبس !!

كلمتين وبس ....................................................................


اتذكر جيدا صوت فؤاد المهندس عبر اثير اذاعة مصر في برنامجه الاذاعي اليومي “كلمتين وبس”.

ربما لا يعرف جيل القنوات الفضائية والهواتف المحمولة شيئا عن جيلنا هلامي العمر المتخبط والناضج في آن واحد، جيلنا الذي عاش في زمن اللاتقنية، ثم وفي فترة وجيزة اصبح منكوبا متهتكا، فضت ثورة التقنية بكارة ذاكرته وذكرياته، لا تعلم الاجيال الحالية شيئا عن تلك الحياة التي سُلبت مننا عنوة، حياتنا التي وُئدت خديجة في ارحام حياة أخرى ماسخة ممسوخة.

 تسللت الثوان من بين اعمارنا فصارت سنوات وعقودا وصرنا غرباء مثقلون، نختزل الحياة بنقرات اناملنا فوق الشاشات الصغيرة ونحن نرهنها ونراهن عليها، قتل زمن التاتش اللعين الذي لا نشبهه ولا يشبهنا ذلك الماضي الذي صُنع من اجلنا، نحاول استئناس ذلك الطوفان التكنولوجي باشرعة التبلد والاستسلام، فنجد انفسنا نتلصص على ذاكرتنا، نقترب منها في خجل ووجل، نفتح زنازينها الصدأة الابواب علمريمى مصاريعها لتفرغ ما فيها من اصدقائنا القدامي، وعلى الاعتاب نحتضن باشتياق وتلهف كابتن ماجد ومازنجر وافروديت وكعبول وبابا ماجد وبقلظ وماما نجوي وكرنبة و بوجي وطمطم وفطوطة وشهرزاد وشهريار ونيللي وشيرهان وابلة فضيلة، ونحن نتحسس تفتق ندبات ارواحنا ونتمني لو بقينا عالقين بعمرنا المختطف، بانغام الموسيقي العربية واسرار سر الارض واحاديث حديث الروح وتجارب حياتي،  نمتن ليقظة اول مشاهدة – وربما اخرها – لسينما الاطفال واخترنا لك والعالم يغني واوسكار وبانوراما فرنسية ونادي السينما وتاكسي السهرة واليوم المفتوح، بينما تلوك افواهنا الفارغة مذاق اللوليتا والكارتيه وبمبم واللبان السحري، ونتنسم عبير الحبر الملون والاوراق العطرة لاعداد ماجد وسمير وميكي وفلاش، ونتلمس سحر صفحات الطبعات الصفراء القديمة المستبدلة للمغامرون الخمس وما وراء الطبيعة، ثم نردد في خزي:

– كانت كل حاجة بجد مش تاتش….حتى احنا بقينا تاتش بنتقلب بسرعة زي التاتش…!

ورثت عن جدتي لأبي حبها لمحطات الراديو، تقلب مؤشره وتحفظ مواعيد برامجه، وفي بيتها الصغير كنا نقتبس الدفء ككهف يلوذ اليه المتعبون.

 لم اجد ضيرا في ان اكون كغيري من الاطفال حين انسلخ من طفولتي لبضع دقائق، اتوسد مخيلتي وأنا انصت لاصوات الممثلين في المسلسلات الاذاعية في الراديو، وامام ناظري يلوح هذا الشخص مشيرا بيديه، وتلك تتأفأف، وذاك يبتعد، ولكن كانت اهم البرامج الاذاعية التي كنت احرص على الاستماع اليها ومتابعتها برنامجي: ابلة فضيلة وكلمتين وبس.

وفي احدي حلقات برنامج كلمتين وبس للرائع فؤاد المهندس قال بصوته المميز الساخر الساحر :

– كنت عيان ودخلت المستشفي….الناس كانوا بيزوروني وهما معاهم شيكولاتة ..اطنان من علب الشيكولاتة كانت عندي في الاوضة ..ولا الورد… ميت سبت ورد كان بيوصلني يوميا…. لدرجة ان الورد كان اشبه بالغابة في حجرة المستشفي…والحقيقة أنا مش عارف اللي بيجيبوا الشيكولاتة دول بيجيبوها لمين….للمريض اللي تعبان ومش قادر ياكل ولا لاهل المريض اللي مش فايقين ياكلوا أو يشربوا حتي، يبقي حيكلوا شيكولاته؟؟!!…وبالنسبة للورد ده مش حيجي عليه يوم ويدبل ؟؟! يعني لو الشيكولاتة والورد دول تمنهم اتوفر وكل الناس اللي بيزورا المريض جابوله بيه كتاب المريض يقعد يتسلي بيه في فترة مرضه أو في المستشفي مش حيبقي كده احسن …؟؟؟!!!.

وبالطبع تبرمت تلك الطفلة في داخلي، وامتعض وجهها من كلماته العجيبة، فمن يكره الشيكولاته والورود ويستبدلهم بالكتب ؟؟!

إقرأ أيضا
شادي حبشي

ذلك ما قد دار في عقلي الصغير، ولكنني  اكتشفت انها محض حقيقة، وكلما مرض احد افراد اسرتي وزارانا الاقارب والاصدقاء، أو لم يزورونا بعدما ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي واكتفي الناس بالسؤال عن احوال بعضهم البعض عن طريقها، تذكرت هذه القصة وأنا ابتسم واوجه نفسي بالحقيقة التي ربما انكرها وينكرها الجميع في كلمتين وبس :

– ألعن كذبة الناس مصدقينها ان مواقع التواصل الاجتماعي اسمها مواقع “تواصل” و”اجتماعي”، مواقع جت توصل الناس بعدتهم زيادة، كان المفترض تتسمي مواقع التواصل المزاجي، وللاسف كلنا مصدقين الكذبة، وللاسف ان احنا كلنا عارفين اننا مش بنقضي في مواقع التواصل الإجتماعي اجمل اوقاتنا، احنا بنقضي بمواقع التواصل الاجتماعي على اجمل اوقاتنا…!

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
15
أحزنني
1
أعجبني
4
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
6


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (4)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان