كلنا بنرقص باليه
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
مصر الحبيبة تتميز عن سائر الكوكب في حاجات كتير جدًا، يصعب ع المواطن حصرها، كمان يستحيل الإشارة ليها جميعًا دون الوقوع في محظورات النشر الأربعة، السياسة والدين والجنس والعنف، عشان كده هركز على تفاصيل بعيدة عن المحاذير وقريبة من “المساميح”.
التحايل ع المخاطر
من أكتر ما يميز بلدي الحبيب هو قدرة شعبها ع التحايل على مصاعب الحياة، فمثلًا من كام سنة مخزن فلاتر عربيات في شارع رمسيس ولِع، ولأن المخزن يقع أسفل عمارة سكنية.. تحديدًا في المكان اللي المفروض يبقى جراج، أصبح سكان العمارة يواجهون خطر الموت شويًا، وهنا هب المختصون من ولاد الحلال المجدع لإنقاذ السكان غير القادرين ع الفرار من داخل أحد الشقق.
أمام بلكونة الشقة المطلوب إخلاء سكانها سطح عمارة مجاورة، لكنه أقل منها بمسافة دور أو أقل، ويادوب يفصل بينهم “مَنّور”.. السقوط فيه لا يعني إلا الموت.
وضع ولاد الحلال “سقالة” بين بلكونة الشقة وبين السطح المنخفض، ودخل أتنين منهم الشقة، بعديها حطوا لوح خشب قوي ع “السقالة” فتحولت إلى ما يشبه “الزُحليقة”، ثم تم زحلقت سكان الشقة إلى السطح المجاور حيث تلقفهم باقي ولاد الحلال.
التحايل ع الأزمات
كمان مثلًا، حين تهطل الأمطار بغزارة أو بدون.. أو حتى حين تستقيل فجأة أحد مواسير مياه الشرب أو الصرف، في كل الحالات دي بتتحول الشوارع والحواري لمجاري مائية تشبه فيينا، لكن فيينتنا عديمة الجناديل، فتوارثنا طريقة بدائية صامدة منذ طوفان نوح ليومنا هذا.. ألا وهي وضع أحجار على مسافات متقاربة ليمشي عليها خلق الله، ما ترجمه الصديق والشاعر المتميز منتصر حجازي في جملته الشِعرية التاريخية، “طفح المجاري فـ حارتنا عَلِمَك رقص الباليه”.
ما تطور مؤخرًا إلى استخدام “البدال” أو حتى “الفلوكة”، كنتيجة طبيعية للتطور التكنولوجي الرهيب أو بسبب ارتفاع منسوب المياه المتسربة للطرقات.
التحايل ع الرزق
غير التحايل ع الأزمات الخطيرة أو المُعطِلة فيه كمان التحايل ع الرزق، إحنا كمصريين نجحنا في أبتكار مهن من العدم، لدرجة أن بعضنا بيكسب مقابل الولا حاجة حرفيًا، مثالًا “السايس”.
تاريخيًا “السايس” مهنة حقيقية ومهمة، هو المسؤول عن رعاية الخيول في الأسطبلات ومزارع الخيول، وكان بيبقى موجود في الأماكن اللي بيتردد عليها الناس راكبين خيول أو عربيات بتجرها الخيول.
إحنا بقى أخترعنا سايس للعربيات، في الحقيقة العربيات لا بتاكل ولا بتشرب ولا حتى بتتأئح عشان تبقى محتاجة سايس، فبقت صنعة سايس العصر الحديث أنه ينقي مكان الناس بتركن فيه عربياتها في الشارع.. ويعلن سيطرته عليه، أما مهام الشغلانة فهي إصدار تعليمات للزبون أثناء عملية الركن أو الطلوع، ده غير حماية السيارات من إنه يسرقها أو يتواطء مع حد يسرقها وإنه مايخليش حد يقعد عليها.
ومن أهم متطلبات مهنة السايس الحديث إنه يعرف يسوق، يعرف يتخن صوته ويعوج بؤه قدام أي زبون مستجد عشان يقلق منه ويدفع المعلوم، وطبعًا الذاكرة عشان يفتكر كل زبون وعربيته، أما السرعة بيحتاجها.. عشان يجري ورا أي زبون يفكر يطلع بسرعة من غير ما يدفع المعلوم.
بكده أصبح السايس الحديث شخص بيأجر الشارع للناس تركن فيها عربياتهم بدل مكانها الطبيعي اللي مخزن الفلاتر ستولى عليه، فيقفل الرصيف على ناس أغلبها أتعلم رقص الباليه.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال