همتك نعدل الكفة
11٬300   مشاهدة  

كواليس فيلم الأرض..رائعة يوسف شاهين التي خذلها مهرجان “كان”

فيلم الأرض


في فيلم  الأرض 1969 كان المخرج العالمي يوسف شاهين قد وصل لسن النضج وبلغ الـ41 واكتسب خبرة ووعيًا وإدراكًا، يقول:”كنت عرفت ليه بيشتموا الفلاح ويستغلوه إزاي”، لكن عندما قدم فيلم “ابن النيل” كان لا يتجاوز الـ24 من عمره، انطلاقًا من سؤال مُلح: “ليه بتشتموا الفلاح؟”.

تعاون “شاهين” مع الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي في أفلام “جميلة” و”صلاح الدين”، ومع الفنان حسن فؤاد في “الناس والنيل” لذا تحمس “الشرقاوي” عندما عرض عليه “شاهين” فكرة تحويل روايته “الأرض” إلى فيلم سينمائي.

ودخل “شاهين” الفيلم، إنتاج المؤسسة العامة للسينما، برؤية التمسك بالأرض بع هزيمة يونيو 1967.

فيلم الأرض

رواية الأرض والفلاحين

كانت حياة الفلاحين ملهمة للكاتب الراحل عبد الرحمن الشرقاوي، وكتب روايته “الأرض” 1954، التي تحسب كأول تجسيد واقعي في الإبداع العربي الحديث، إلى أن حولها يوسف شاهين 1970 إلى فيلم سينمائي بنفس الاسم.

لكن رغم اهتمام “الشرقاوي” بحياة الفلاحين، هاجمه الدكتور لويس عوض، بأنه يكتب عن فلاحين مُتخيلين غير موجودين في الواقع، وكأنه يخرجهم من خياله، لكن “الشرقاي” دافع عن نفسه، فهو ابن المنوفية مركز شبين الكوم، وتجمعه علاقات وثيقة بأهل قريته، فهو قروي أصيل، ويكتب عمن يعرفهم وعايشهم في الحقول، ووجه نقده للدكتور لويس عوض، بأنه هو الذي لم يعرف الفلاحين على الإطلاق، ولم تتح له الفرصة بأن يعايش الفلاحين، لأنه رجل يعيش في المدينة دومًا، وكتب له قائلًا:” أنا مستعد لاستضافتك في قريتي أية مدة تريدها، شهورًا أو أعوامًا لتتعرف على حياة الفلاحين الذين تقرأ عنهم في أعمالي”.

فيلم الأرض

تدور أحداث الرواية في إحدى القرى المصرية بمركز أشمون المنوفية”رملة الأنجب” عام 1933، حيث يفاجأ أهلها بقرار حكومي بتقليل نوبة الري إلى 5 أيام بدلًا من 10 أيام فيبلغ العمدة الفلاحين أن نوبة الري أصبحت مناصفة مع أراضي محمود بك الإقطاعي.

تتوالى الأحداث، ويجتمع رجال القرية للتشاور ويتفقون على تقديم عريضة للحكومة من خلال “محمد أفندي” و “محمود بك” الذي يستغل موقفهم واعتراضهم، فينشئ طريق لسرايته من خلال أراضيهم الزراعية، ولكن يثور الفلاحون -وعلى رأسهم “محمد أبو سويلم” دفاعا عن أرضهم ويلقون الحديد في المياه.

تتكاتف الحكومة مع “محمد بك” الإقطاعي، فترسل قوات الهجانة لتسيطر على القرية بإعلان حظر التجوال، ويتم انتزاع الأراضي منهم بالقوة، ويتصدى “محمد أبو سويلم” لقوات الأمن ويتم سحله على الأرض وهو يحاول التشبث بالجذور في إشارة لانتماء الفلاح لأرضه.

فيلم الأرض

كواليس الفيلم

عندما سُأل يوسف شاهين في حوار صحفي، باعتبار فيلم “الأرض” تقليدي، اعترض بشدة، قائلًا:” الأرض ليس فيلم تقليدي، ولو كان كذلك كانوا صنعوه من قبلي، ففيلم الأرض ثوري جدًا”.

كما رد على الانتقاد الذي وجه باعتباره أنه ابتعد عن الجمهور بعدما قدم فيلم “الأرض”، بأنه غير صحيح، فالجمهور ازداد آلاف المرات مع كل فيلم أخرجه بعد “الأرض”، ورأى أن البعض يحلو لهم إطلاق الشائعات لأنهم قلقون من موضوعات أفلامه التي تفسر الواقع للجمهور، بعكس ما تقوم به الحكومة التي تعمل على تخدير الشعب ببرامج تلفزيونية سطحية ومانشتات جرائد كاذبة.

فيلم الأرض

قال يوسف شاهين عن المشهد  الذي جسده ببراعة الفنان القدير محمود المليجي، هو ينتقد أهل القرية قائلًا:”كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة”، أنه أعاد أداء المشهد أكثر من 25 مرة، وأن اللقطة التي نراها في الفيلم هى الـ25، لأنه كان في كل مرة يطلب من “المليجي” الإعادة ليحصل منه على ذروة الأداء.

ورغم أن العاملين في الفيلم كانوا في كل مرة يصفقون على الأداء، لكن “شاهين” لم يقتنع إلا في المرة الـ25، الذي أخذ فيها “المليجي” بالأحضان والقبلات.

فيلم الأرض

ورغم أن الفنان عزت العلايلي توطدت علاقته بالمخرج يوسف شاهين بعد مشاركته في فيلم “الأرض” وجمعهم نقاش كبير عن الوعي والثقافة، كما كان “شاهين” صديق لأسرة “العلايلي”.

لكن انتهت تلك العلاقة بينهما، يقول “العلايلي” في حوار صحفي: “أن يوسف شاهين مخرج له أسلوبه الخاص والمنفرد وهو فعلًا حالة خاصة من المخرجين، له مقاييسه واعتباراته الفنية بالنسبة لاختيار طاقم العمل من فنانين وفنيين، وأعتقد أنه لم يرني في أي دور في كل الأفلام التي يقدمها لأنه لدي موهبة اختيار الفنان المناسب للدور وأتمنى العمل معه، وكون أننا لم نعمل معه ليس معناه وجود أي خلاف لا شخصي ولا فني بيننا”.

فيلم الأرض

رفض عزت العلايلي المشاركة في فيلم “الآخر” مع “شاهين” لأنه يظهر رجال الأعمال في صورة سيئة، فهو ضد هذه الصورة لأنه يساند الرأسمالية الوطنية ويرفض تشويهها.

فيلم الأرض

وإذا كان المخرج يوسف شاهين قدم في فيلم “الآخر” أن رجال الأعمال يستهينون باقتصاد الوطن، وأنهم يستغلون علاقاتهم السياسية في تيسير مصالحهم الشخصية، وأنهم ليسوا شرفاء، فـ”العلايلي” ضد هذه الرؤية.

وعن دور توفيق الدقن وتجسيده لشخصية “شعبان” الشيخ الدجال، قال ابنه ماضي الدقن في تصريحات صحفية، أن والده الفنان توفيق الدقن، رفض تصوير مشهد يقوم فيه بالاعتداء على فتاة ويقتلها، ثم يرميها في الترعة، رغم إصرار “شاهين”.

وبعد تجهيز موقع تصوير المشهد، رفض “الدقن” الذهاب لتصوير المشهد، فاضطر “شاهين” لبتر المشهد.

فيلم الأرض

أما عن اختيار الكاتب عبد الرحمن الخميسي لدور “الشيخ يوسف” يروي ابنه الكاتب أحمد الخميسي، أن “شاهين” عرض على والده دور “الشيخ يوسف” البقال، فرد على “شاهين”: ” بقال إيه وزفت إيه يا جو”، فقال “شاهين:” طيب أنا هبعتلك الرواية ومخطط أولي للسيناريو، فكر، ده دور لقطة، إيه رأيك؟”، فأجاب “الخميسي”:”حاجة غريبة، ومين قالك أنا بمثل ياجو؟، فرد “شاهين”: لا يا شيخ، يا خميسي، إنت بتمثل وأنت عندك عشر سنين، ولفيت مصر مع فرقة المسيري، لو ليك طلبات معينة قولي وخلصنا”.

فيلم الأرض

سأل “الخميسي” عن الفنانين المشاركين في الفيلم، وطلب من “شاهين” أن يكتب اسمه على تتر الفيلم قبل “المليجي” على اعتبار أنه ممثل ومفكر وشاعر، فوافق “شاهين” أن يظهر الاسم بنفس “بنط” الخط الذي سيكتب به الفنانين الآخرين، لكن في مكان آخر، وكما ظهر الاسم فعلًا في نهاية الإعلان بنفس “البنط”.

فيلم الأرض

وفي زيارة ليوسف شاهين للكاتب حسن فؤاد التقى بالفنان علي الشريف وكان وقتها 34 عامًا، وتشجع لاختياره لشخصية “دياب”، وهو ما نجح فيه “الشريف” وحصل على 60 جنيه مقابل مشاركته في الفيلم، كما حصل على جائزة أفضل دور ثان من جمعية الفيلم.

إقرأ أيضا
أسامة الأزهري وزيرًا للأوقاف

فيلم الأرض

واختار “شاهين” الإعلامية نجوى إبراهيم لتجسد شخصية “وصيفة” وعمرها لا يتجاوز الـ17 عامًا، بعد رؤيتها في برامج الأطفال، وكما قالت في برنامج تلفزيوني:”كلمني يوسف شاهين وقالي عندي دور تعمليه، وهتعمليه”.

وزارها في منزل عائلتها “شاهين” رفقة الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي، ووافقت على الفور، بعدما شعرت بالصدق الواضح في عيون “شاهين”.

كما وافق “شاهين” على شرطها، في أن يظهر اسم “نجوى” في المقدمة.

فيلم الأرض

النقاد والجوائز

حقق فيلم “الأرض”نجاحًا جماهيرياً ونقدياً، لكنه ظلم على من ناحية الجوائز، عالمياً أو محلياً. فعندما شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان “كان” عام 1970 حصل على ردود فعل جيدة  لذا توقع الحاضرون حصوله على جائزة، إلا أن لجنة التحكيم في هذه الدورة برئاسة الممثل الأميركي كيرك دوجلاس، الذي صرح وقتها بألا مجال أن يفوز فيلم “شاهين” أو أي من نجومه بجائزة، وانتقد السينما المصرية واتهمها بالتخلف والبدائية، وهو ما استفز “شاهين” إلى التهكم على “دوجلاس” قائلا: “حرر العبيد في “سبارتكوس” وأذل العرب في “كان”، لأنه عنصري صهيوني”.

لكن الناقد الفرنسي كلود ميشيل، رأى أن “الأرض” فيلم عالي القيمة، ورأى أنه من الضروري نتيجة لجودة الفيلم، أن يعرض المصريين أفلامهم لتشارك في المهرجانات.

فيلم الأرض

وهو ما اتفق معه الناقد الفرنسي “جي أنبيل” الذي اعتبر أن فيلم “الأض” يتميز بالصدق والأمانة والواقعية النقدية الجيدة.

وكتب الناقد الفرنسي “جان لوي بورمي” في مجلة الابزرفاتور الفرنسـية، تعليقًا على الفيلم، أنه يعد إنجازًا للسينما العالمية وليس للسينما العربية أو المصرية فقط.

وتصدر فيلم “الأرض” قائمة أفضل عشرة أفلام في تاريـخ السيـنما المصـرية، وذلـك في استـفـتاء أجـرته مجــلة “فنـون” عام 1984.

فيلم الأرض

وفي مصر  رفض يوسف السباعي رئيس المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب اعتماد نتيجة المهرجان القومي للسينما المصرية في أولى دوراته عام 1972 التي أقيمت بمصيف بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، ورفض منح شاهين الجائزة بحجة أنه “شيوعي”.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
11
أحزنني
3
أعجبني
5
أغضبني
1
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان