كورت جودل ورحلته من العبقرية للجنون التي كلفته حياته
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عالم الرياضيات النمساوي كورت جودل كان يمتلك عقلًا عبقريًا. حيث يعتبر واحدًا من أكثر علماء الرياضيات تأثيرًا في مجال الرياضيات في القرن العشرين حيث وصل لنظريات ثورية بينما كان لا يزال في العشرينات من عمره. مع ذلك في نهاية حياته انقلبت عبقريته للجنون. توقفت حياته بسبب جنون الارتياب حيث لم يأكل أي طعام لم تتذوقه زوجته أولًا. لذلك عندما أصبحت زوجته عاجزة توفي جودل من الجوع.
ولد كورت فريدريش جودل في عام 1906 في ما كان يسمى آنذاك النمسا، لكن الآن الجمهورية التشيكية. كان ذكيًا ومتوترًا منذ نعومة أظفاره. حتى أن عائلته لقبته بـ(Herr Warum) أو “السيد لماذا” لتواتر واستمرار أسئلته. في السنوات الأولى من دراسته الابتدائية، أصيب بمرض الحمى الروماتيزمية الذي كان مقتنعًا بأنه تركه يعاني من مشاكل في القلب مدى الحياة. وفي الوقت نفسه كان طالبا متفوقًا في المدرسة الثانوية وفي جامعة فيينا حيث حصل على الدكتوراه في عام 1929 في سن 23 عامًا فقط. وقته في الجامعة غير حياته المهنية والشخصية إلى الأبد.
أثناء وجوده في جامعة فيينا، التقى جودل ووقع في حب أديل نومبورسكي، راقصة مطلقة تكبره بست سنوات. عارض والداه العلاقة مما أزعج جودل الذي كان مقربًا بشكل خاص مع والدته. تزوجا بعد 10 سنوات عام 1938 وبقيت بجانبه لبقية حياته.
كامتداد لدراساته للدكتوراه ، نشر جودل نظريته “مبرهنات عدم الاكتمال” في عام 1931 والتي احتوت على أفكار ثورية من بينها بعض البيانات حول الأرقام التي في حين أنها حقيقية إلا أنك لن تكون قادر على اثباتها.
هذه النظرية هزت عالم الرياضيات مما أجبر علماء الرياضيات على التساؤل عن معنى قول أن شيء ما صحيح. وسوف يصبح جودل في وقت لاحق واحدا من المساهمين في نظرية الوظائف المتكررة التي شكلت جزءًا من أساس أجهزة الكمبيوتر. ولكن عمله تزامن أيضًا مع أزمات شخصية. حيث قضى جودل وقتًا كبيرًا في منتصف الثلاثينات في مصحة للصحة العقلية.
بين الحروب العالمية كان جودل عضوًا في مجموعة من المفكرين والفلاسفة المعروفة باسم دائرة فيينا. ولكن عندما غزا النازيون النمسا عام 1938 هرب جودل وزوجته أديل إلى برينستون في نيو جيرسي حيث عاشوا حتى وفاته في عام 1978.
في برينستون صادق جودل المنظر الألماني المشهور ألبرت أينشتاين. وكان المهاجران يتبادلان السير يوميًا من وإلى مكاتبهما في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون متحدثا بلغتهما الأم الألمانية. كانت صداقتهما لغة مشتركة حرفيًا ومهنيًا والتي جاءت بدرجة من العزلة الاجتماعية.
قال أحد أعضاء المعهد لجريدة “نيويوركر” في مقال في عام 2005 ينظر في صداقة المفكرين. “أرادوا فقط التحدث لبعضهم البعض”.
لكن الاثنان كانا متعارضين. في حين أن أينشتاين كان غريبًا ومليئًا بالضحك كان جودل رسميًا وانفراديًا ومتشائمًا. جودل كان يعتبر أعظم مفكر منذ أرسطو لكن ذوقه كان أكثر شعبية مما يتوقع لمفكر مثله. حيث كان فيلمه المفضل سنو وايت والأقزام السبعة.
وعلاوة على ذلك أصبح من الصعب تجاهل خصائص جودل. حيث كان مذعورًا ويؤمن بالأشباح ويخشى أن يتم تسميمه وكان مقتنعاً بأن علماء الرياضيات الزائرين قد يحاولون اغتياله. وكان نظامه الغذائي، وفقًا لنيويوركر، يتألف من “الزبدة وطعام الأطفال والمسهلات”.
بعد وفاة أينشتاين في عام 1955، عزل جودل نفسه أكثر. إذا أراد الناس التحدث معه كان عليهم الاتصال أولًا حتى لو كانوا في نفس المبنى. عندما أراد تجنب الناس كان يحدد مكان للقاء ولا يذهب. حصل جودل على الميدالية الوطنية للعلوم عام 1975 لكنه رفض الذهاب إلى حفل في واشنطن العاصمة حيث كان الرئيس جيرالد فورد سيقدم له الجائزة، على الرغم من عرض سيارة خاصة لاصطحابه إلى هناك. كان خائفًا جدًا من أن يمرض فكان يرتدي أقنعة التزلج التي غطت أنفه عندما ذهب خارج. كان يأكل الطعام الذي أعدته وتذوفته زوجته المخلصة فقط.
عندما دخلت أديل المستشفى في أواخر عام 1977 توقف جودل عن الأكل تمامًا. أصبح هيكلًا عظميًا ودخل مستشفى برينستون في أواخر عام 1977. بعد أسبوعين استسلم للجوع وتوفى.
وقالت شهادة وفاته أنه توفى بسبب “سوء التغذية والجوع الناجم عن اضطراب الشخصية”. كان يبلغ كورت جودل من العمر 71 في ذلك الوقت ووزنه 29 كجم.
الكاتب
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال