همتك نعدل الكفة
310   مشاهدة  

كورونا التي أحبتني!

كورونا


 لم تكن قواي قد عادت بعد بعد أن ظل ابني ذو السنة والتسعة أشهر مريضاً لدرجة حولته من طفل يُهلك كل من حوله من كثرة اللعب لطفل يناديني لأنه لا يقوى على النهوض من مكانه ولا المشي لخطوتين حقيقيتين، ما بين محاليل المشافي والحقن ووجهي المصفر ودموعي التي كانت تنهال على وجهي وأنا أشاهد صغيري مريضاً إلى هذا الحد، وقلبي الذي افترسه القلق، حتى انهال التعب على جسدي المنهك و روحي التي لم تلتقط أنفاسها بعد ومشاريعي في الكتابة للميزان وقصص الف ليلة وليلة التي لم أسجل سوى حلقة واحدة فقط منها، و لون شعري الأحمر الجديد الذي صبغته بيدي احتفالا بصحة صغيري التي تعود _بإذن الله _ رويدا رويدا
حتى هاجمتني في يوم وليلة أعراض المرض الجديد كورونا وبات جليا أمامي أنني بالرغم من التزامي بالعزل المنزلي طوال أربعة أشهر وجهود تطهير أي شئ قادم من أي مكان طالما مر من باب الدخول، فجأة صرت أنا… مريضة

 كورونا!

بعد أن كنت أنا من أدعم الأصدقاء اللذين أصيبوا بمرض كورونا ونصائحي لهم بالمحافظة على معناوياتهم عالية حتى لا تنهار مناعتهم بمشاهدة الأفلام الكوميدية والتعامل مع المرض كأنه مرض عادي سيزول قريباً، صرت مطالبة بتنفيذ أقوالي في اختبار سريع جدا اضطرني لمواجهة كلامي وجهاً لوجه.

في البداية لم أهلع حينما زارني ألم الحلق المفاجئ وآلام الجسد المبرحة والسعال الجاف، تذكرت كل ما قرأته عن المشروبات الساخنة وأدوية رفع المناعة وغيرها من النصائح الطبية التي كنت أنشرها في دوائري لنشر ثقافة التصدي للمرض بشكل علمي دون هلع، فقررت أن أخدع الفيروس لعله يتركني ويمضي في سلام وهو لم يحدث.

.
في الأيام الأولى حاول من حولي اقناعي انه دور برد عادي وسيذهب لحاله، لكن ارتفاع درجة حرارتي وشعوري بالسقيع من أقل نسمة هواء على غير عادتي في أدوار البرد العادية رسمت على وجوههم قلقا حاولوا إخفائه دون جدوى، كنت آخذ الموضوع بسخرية حتى أني كتبت على صفحتي على فيس بوك بشكل ساخر أني ربما أصبت بكورونا، كنت أكتب وأنا أتصبب عرقا وأشعر ببرودة شديدة في قلب موجة صيفية حارة للغاية، لكني تجاهلت كل الألم والتزمت بالعلاج ومحاولة الأكل بشكل جيد حتى يتركني المرض، لكنه أيضا لم يفعل.

أيام من آلام الجسد المبرحة، الذبول والضعف، تأكدت الشكوك كلها حول الإصابة بعد فقداني حاسة الشم تماماً، كنت قد لاحظت ضعفاً في حاسة الشم منذ اليوم الأول للإصابة لكني لم أركز كثيراً حتى فوجئت بفقدانها بشكل كلي، لا أشم مطلقاً! بالطبع كان هناك تأثير على حاسة التذوق وتغيرها لكني لم أفقدها بشكل كلي كما حدث مع حاسة الشم لدي، شعور مرعب أن تصبح مصاباً مما حبست نفسك وأهلك شهوراً حتى لا تُصاب به، أن تشارك إرث الخوف ورائحة الموت مع آخرين تصدروا شاشات الأخبار وتحولوا من أجساد حقيقية إلى رقم في سجل ما، في تلك اللحظة بدأ الخوف يتملك  قلبي ببطئ وثقة، حتى أنني لم أتبين هل صعوبة التنفس التي أصابتني كانت من فعل نوبة هلع ما أم أن المرض بدأ يؤثر على رئتي؟!، كان رعبي كله منصباً في مكان واحد، ودعائي كان كله لشئ واحد فقط، يا رب أطل في عمري حتى أربي ابني ولا تحرمنا من بعضنا البعض.

  بعد أن رزقت بالحسن صار لدي حساسية مفرطة ضد اليتم، أدركت أن لا أحد سيحب ابني ولا يخاف عليه وينخلع قلبه من أجله سواي، صارت صور اليتامى تدفعني للبكاء بشكل مؤلم، صارت سيرتهم أحد أكبر هواجسي، كيف يعيش طفل دون أم؟، كيف يعيش دون ذلك الخوف عليه وذلك الحضن وتلك القبلات الرقيقة التي تحمل في طياتها حب الكون كله، صرت أبكي كلما نمى إلى علمي أن الله استرد أماً إلى جواره، أتخيل هؤلاء المساكين وهم يبحثون عنها في أيام عدم التعود الأولى ، ونظرة الحزن التي تصير جزءاً من ملامحهم، صرت أدعو الله ألا يحرم طفلاً من أمه أبداً، الحياة قاسية بشكل جنوني وغير منطقية بشكل أكثر جنوناً، لكن قلبي يحدثني عن رحمة إلهية عظيمة ستشمل كل شئ ، وهنا تأكد لي أن الإنسان لا يحيا سوى بمن يحب، الحب هو طوق النجاة الأوحد على هذه الأرض التي تشبعت من القسوة والألم، فهل نتعلم الدرس ؟

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان