همتك نعدل الكفة
1٬913   مشاهدة  

كيد النسا و سقوط غرناطة .. عائشة وثريا

غرناطة


لأن التاريخ يكتبه المنتصرون، هناك دومًا فصولًا مجهولة، ونقاط يتم تجاوزها، حين يتحدث العرب/المسلمون عن ممالك الأندلس يختصرون الأمر إلي أنه سقطت الأندلس لكن هناك عشرات السنين وتفاصيل وحكايات

وفي إطار الفصول المروية من التاريخ تخضع أجزاء للتزيف وأخري للعبث، وكلما تم تداولها كانت هناك حكايات ربما خيالية،

ونحن بدورنا نصدق ما نريد أن نصدق وان كان بلا منطق أو دلائل واقعية ، ونرفض حقائق وتفاصيل قد تعبث بمنظومة معتقداتنا وتهدم ما صدقنا واعتدنا على مر السنين من قوانين عقلية ونقلية .

ربما من باب الطرفة أو التأكيد علي قدرة النساء وكيدهن فقد حملت الحكايات مشاهد عدة  فهل كان للنساء دور فيي سقوط الأندلس؟

عائشة وثريا

زوجتان في حياة الملك الحادي عشر وقبل الأخير لإقليم غرناطة الأندلسي من اسرة بني نصر الأحمر ، والذي حكم من 1464-  الى 1485 .  عائشة: امرأة حكيمة أمسكت بزمام الأمور وظلت تجاهد لوحدة مملكة بني الأحمر بكل قوتها –  ولُقِبت بعائشة (الحرة ).  ثريا :امرأة اخرى مأجورة هزت عرش جرانادا باغواء الملك  فأسقطته –  وهي ايسابيل دي سوليس أو (ثريا الرومية).

غرناطة

 

وتروي لنا المخطوطات القديمة والكتب فيما تروي  أن امرأة أعجمية كانت السبب في سقوط قصر الحمرا وانهيار مملكة بني الأحمر في إقليم غرناطة.  بعدما أظهر الملك الحادي عشر لدولة بني الأحمر بغرناطة شجاعة وتفوق عسكري في عدة معارك انتصر فيها على أعدائه من حكام الاقاليم الكاثوليكية الشمالية وخاصة اقليم قشتالة المجاور.

كان من الضروري التخلص من هذا الملك الذي قد يعيد انتصارات الدولة الاسلامية على الجيش الاتحادي بين أراجون وقشتالة المدعي استرداد البلاد من الحكم العربي مرتديا زيا مسيحيا لاثارة حماسة جنوده بانها قضية سماوية وليس أطماع سياسية.  فتم الزج بعنصر نسائي قشتالي داخل قصر الحمرا بهدف نقل الاخبار واغواء الملك  وهي حيلة شديدة الذكاء من الملكة ايزابيل والملك فرناندو وبتنفيذ القائد سانشو خيمينث دي سوليس الذي وافق على استخدام ابنته ايسابيل دي سوليس كطعم لاصطياد ملك غرناطة أبو عبد الله محمد الحادي عشر.

غرناطةمل

وكانت ايسابيل فتاة اسبانية جميلة الطلة والملامح ممشوقة القوام متعددة المواهب وذكية بدهاء. نشأت في عائلة كاثوليكية ثرية فحصلت على كل مظاهر الترف والثقافة والفن منذ نعومة أظافرها . وعندما شن الملك أبو عبد الله محمد الحادي عشر حاكم إقليم غرناطة أو كما تسمى بالاسبانية جرانادا ، حملة عسكرية على إقليم قشتالة الكاثوليكي المجاور ، عمد القائد سانشو أن يتم القبض على ابنته كأسيرة في هذه المعركة بأن جعلها تتعبد داخل كنيسة بأطراف المدينة وهو يعلم أن العرب لا يقتلون النساء ولا يدنسون الأماكن المقدسة . بالفعل تم القبض عليها سلميا وأصبحت ايسابيل اسيرة. وكان المتبع بالعرف العسكري في ذلك الوقت أن الرهائن من علية القوم والأسر الحاكمة يتم فديتهم بمبالغ مالية وعودتهم لأهاليهم سالمين. الا أن القائد سانشو رفض ان يدفع الفدية لاستعادة ابنته مدعيا بالباطل بأنها ابنة متمردة تثير المشاكل وتسبب له العار لحبها للعرب والاسلام. ووسط اندهاش الملك من ردة فعل الأب تجاه ابنته،  فوجئ بجمالها الأخاذ وطلتها الساحرة فقرر أن يبقيها في القصر مع الجواري.

 

وبدأت خطتها باغواء الملك بجمالها وعشقها لكل ما هو عربي وإسلامي حتى أنها اعتنقت الاسلام صوريا وأوقعت الملك  بحبها واقنعته بعد ذلك بالزواج منها لتصبح من جارية أعجمية بالقصر إلى سيدة القصر وملكة متوجة.

وبعد إنجابها ثلاثة من الأبناء الذكور شعرت بالسيطرة والقوة اكثر واكثر. الا ان زوجة الملك الأولى ووالدة ولي العهد – الملكة عائشة الحرة –  أم أبو عبد الله الصغير –  كانت عقبة في طريقها . وعندما مرض أحد أبناء ايسابيل مرض شديد ويقال إنه الطاعون وتوفي بعد فترة قصيرة ، اتهمت ضرتها عائشة بقتل ابنها وظلت تكيد لها.

 

قامت ثريا الرومية – وكان هذا اسم ايسابيل المكتسب بعد اعتناقها الإسلام – بصنع المكائد وقصت الأكاذيب في اذني زوجها الملك أبو عبد الله الحادي عشر حتى أقنعته بوجود خطر على حياته من زوجته الاولى عائشة وابنها أبو عبد الله الصغير. وبسبب حب الملك الشديد لهذه الزوجة المحرضة فقط اقتنع برأيها ووافقها بأن يتم حبس زوجته عائشة وابنه في أحد أبراج القصر وتحديد إقامتهم داخل البرج. بالفعل تم حبس الام وابنها وطلبت ثريا من الملك تعيين ابنها الأكبر وليا للعهد من بعده. ولكن طبقا للعرف والقوانين الملكية ابن عائشة هو الأكبر و الأحق بالولاية  ،  فكان عليها أن تتخلص من أبو عبد الله الصغير أولا. ووصل الخبر لعائشة فقررت ان تدافع عن حياتها وحياة ابنها واستعانت بحكمتها وذكائها وبعض امتيازاتها كملكة في التخطيط للهروب من البرج هي وابنها قبل أن يقتلهما والده تنفيذا لرغبة ضرتها ثريا .

 

وكانت ثريا الرومية هي المحرك الرئيسي لاثارة الفتنة بين الأب والأبن. بينما كانت عائشة تلوم ابنها بعدما قرر الاستعانة بعمه والتحالف معه ضد ابية . ولم ينصت الابن لامه واستطاع  أن ينزل أبيه من على عرش البلاد وأصبح أبو عبدالله الصغير هو ملك غرناطة وعمره خمسة وعشرون عام.

 

بينما كانت عائشة الحرة تكره ان يقاتل ملوك الطوائف بعضهم بعض لتحقيق اطماع ونفوذ وخاصة بعدما بدأ بعض الملوك الاستعانة بالقشتاليين ضد الاقاليم الجنوبية . وأخذت تشجع ابنها الشاب على المقاومة وحماية المملكة وعدم الاستسلام للهزيمة امام الاسبان وساعدها في ذلك القائد موسى بن أبي غسان الذي قاد العديد من المواقع الحربية بشجاعة واستبسال وحالفه النصر عدة مرات.

 

في احدى المعارك تم القبض على الملك أبو عبد الله الصغير ابن عائشة وظل أسيرا لمدة عامين  عرف خلالهما طعم المرار والذل والتعذيب وعرضا عليه الملكان الاسبان ان يوقع على اتفاق تسليم سلمي لغرناطة مقابل الإفراج عنه ، فوقع  مضطرا.

وعندما عاد سمع من أمه ومن القائد موسى أنهم مستعدون للدفاع عن غرناطة لاخر جندي بالجيش وان الاستشهاد أكرم من ذل الاستسلام . فقرر ان يستمر في الدفاع ولكنه لم يحقق اي انتصار عسكري نظرا لضعف حالة جيشه وعدم تحالف الطوائف الاخرى معه واستيلاء الإسبان على جبل طارق من الجنوب فأصبح محاصر من جميع الجهات واضطر أخيرا للاستسلام بلا أي حيلة اخرى.

 

دخل الإسبان غرناطة في الثاني من يناير عام 1492 ورفعوا أعلامهم فوق قصر الحمرا ووقف أبوعبد الله الصغير على ربوة في جبال سييرا نيفادا  على مشارف المدينة من الخارج يودع بلاده الوداع الاخير وتنهد بوجع شديد وسقطت منه دمعة حزن وأسى وهو يرى مملكة تنهار وحكم يسقط وحضارة تباد.  وهنا قالت أمه عائشة الحرة قولتها الشهيرة :  ” ابكي بكاء النساء ملكا ضائعا لم تحفظه حفظ الرجال” .  والى وقتنا هذا يعد المكان الذي وقف عليه أخر ملوك قصر الحمرا بغرناطة مزار سياحي يسمونه “زفرة العربي الاخيرة”

إقرأ أيضا
المصحف المرتل

أو بالاسبانية El Último suspiro del Moro

 

وفي رثاء الأندلس يقول  الشاعر أبو البقاء الرندي :

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ       فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ

هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ       مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ

وهذه الدار لا تُبقي على أحد      ولا يدوم على حالٍ لها شان

يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ      إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ

وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ      كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان

 

أما عن ثريا الرومية فلم تعد ثريا حيث انتقلت الى الشمال مع ولديها الأمير سعد والأمير نصر وهناك اعتنقوا جميعا المسيحية وأصبح الأول أسمه دون فرناندو  والثاني دون خوان وعادت الى اسمها في حياتها الأولى – ايسابيل دي سوليس.

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
1
أعجبني
2
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان