كيف تحوّل لقب “راقصة” إلى “فنانة” في الأوراق الرسمية؟ .. معركة بقيادة تحية كاريوكا
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لطالما كان الرقص الشرقي مادة صحفية “مشتعلة دائمًا” يُلعب عندها على وتري الدين والسياسة وعلاقتهما بالرقص والراقصات .. وقد مرّت تلك المعارك التي بدأت وانتهت عند صفحات الجرائد بمنحنى مهم عندما بدأت الراقصات معركة رفع لقب “راقصة” من جواز السفر .. وفي هذه السطور القاددة سننقل لك أجواء الصحف عبر عشرات السنوات السابقة وكيف تمت معالجة معارك الراقصات، والتي يعتبر أبرزها معركة رفع لقب راقصة من أوراق الهوية.
وكتبت الصحافة وقتها : عندما كتب نجيب محفوظ قصته القصيرة “كلمة غير مفهومة” هل كان يعتقد أن تلك القصة سوف تتغير معالمها تمامًا لتصبح نور العيون الراقصة التي يقف الجميع رهن إشارة من أطراف أصابعها وحنايا جيدها .. ما الذي جمع بين فكر نجيب محفوظ الذي يخاطب الوجدان العربي وبين جسد فيفي عبده الذي يتلاعب بهذا الوجدان أن ليست السينما هي المسئولة عن ذلك ولكن القيم التي أُهدرت وجعلتنا نعيش عصرين، غصر نجيب محفوظ وعصر فيفي عبده، والذي حدث بالضبط هو نصر كامل لحزب فيفي عبده، ذلك لأن أجر فيفي عبده قد وصل إلى عشرين ألف جنية في هزة الوسط الواحدة خلال عشرين دقيقة لا أكثر .. وقد تقدم أكثر من “هزّة” في الليلة الواحدة لأكثر من مكان أما في الحفلات الخاصة فإن السعر لا يكون بالعملة المصرية لأن الرقص خارج القواعد والأصول الرسمية فيكون الأجر بالدولار الأخضر المعتبر .. وقد تجاوز في إحدى المرات أجرها إلى 40 ألف دولار في حفلة كانت بأحد قصور الساحل الشمالي لرجل أعمال كبير أقام الحفل على شرف أحد الأثرياء العرب وهذه الحفلات الخاصة تحديدًا وفّرت لفيفي عبده وراقصات الدرجة الأولى بشكل عام شبكة من العلاقات الضخمة مع رجال الأعمال وأصحاب النفوذ في مصر والدول العربية .. خاصة أن فيفي عبده على سبيل المثال تردد أنها تزوجت عرفيًا من شخصية عربية معروفة، وهناك حفلة شهيرة لها أقامتها بأحد فنادق القاهرة المُطلّة على النيل.
الراقصة في مصر .. تجاوزت دورها كفنانة ولم تكتف بأن تكون وريثة لصنعة الغوازي القديمة، ولم ترض بأن تكون ثمرة ضمن أعمال متعخدي شارع محمد علي .. فقد نجحن من خلال تراث وأنشطة الراقصات من زمن بديعة مصابني إمبراطورة الرقص الشرقي ومرورًا بكاميليا وتحية كاريوكا ونعيمة عاكف وسهير زكي ونجوى فؤاد ونهايةً بفيفي عبده ودينا ولوسي .. في أن يصنعن دولة للراقصات في مصر .. لها الشهرة والثروة ونصيب مخفي من السلطة تمارسه وقتما تشاء .. حتى صار الرقص والعمل بشارع الهرم حلمًا يداعب عشرات الفتيات المراهقات اللائي يتمنين أن يكن مواطنات في هذه الدولة. بل إن ما وصلت إليه الراقصات في مصر من سطوة أثار عليهن حقد وغيره وضغينة الروسيات اللائي انهارت أحلام دولتهن الكبرى في الاتحاد السوفيتي، فجئن للعمل في جنة الراقصات، حتى الأوروبيات من جنسيات إيطالية وأسبانية أصابتهن الغيرة وجئن للعمل في مصر!
وفي أقصوصة صحفية لم يُذكر بالضبط أيًا من الصحف التي نشرتها تم توثيق اللحظة التي رُفع فيها لقب “راقصة” حيث كُتبَ : أعدّت نعيمة حمدي مدير عام رقابة المصنفات الفنية مذكّرة تتضمن رفع لقب “راقصة” من جوازات السفر الخاصة بالراقصات اللاتي ستوافق لهن الرقابة، على هذا العمل بعد اجتياز الاختبار أمام اللجنة المُشَكَّلة من تحية كاريوكا، وسامية جمال، ونجوى فؤاد على أن يوضع لقب (فنانة) حتى تتغير النظرة إلى من تحترف (الرقص) في العالم العربي باعتبار لقب (فنانة) أشمل من لقب (راقصة). وتدرس الرقابة حاليًا عملية إعادة النظر في جميع التصاريح التي منحت خلال السنوات الثلاثة الماضية.
المصادر :
- جريدة الأهالي 1991
-
جريدة الجمهورية 1987
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال