همتك نعدل الكفة
120   مشاهدة  

كيف تفاعل أدباء الستينيات مع التعقيدات السياسية لمصر ؟

أدباء الستينيات
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



الأديب هو ضمير المجتمع الحيّ، فهو من يُجسد أزماته، هو الوحيد الذي يروي الأفراح و الأحزان أو أي إخفاق سياسي أو اقتصادي  دون مناهضة من قبل السلطات المستبدة، فنراه يلجأ إلى الرمز أو الأسطورة  للتعبير عن هذه القضايا بصورة فنية عن طريق ( القصة – الرواية – الشعر ) وغيرهم.

و لعلّ أكثر الأدباء نشاطًا في رصد الواقع وفضح إخفاقته في مصر هم أدباء فترة الستينيات، فقد عايشوا فترة مليئة بالتناقضات الفكرية والثقافية والسياسية. أرادوا التعبير عن كل تلك الفوضى و التناقضات عن طريق الكتابة. و لمّا كانت الرواية هي الجنس الأدبي الذي فرض نفسه على حركة الأدب في العصر الحديث و جذبت لها المصريين دون غيرها من فنون الأدب لجأ الكُتاب إليها لتكون وسيلتهم الفنية السلسة للتعبير عن واقعهم  وقراءة مجتمعهم والوقوف على مواطن الخلل والألم فيه.

جيل الستينيات
بدايةً دعنا نتفق أن الأديب ابن بيئته و واقعه، أو بمعنى آخر هو مجموعة العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي تتفاعل داخل وجدانه وضميره الإنساني لنحصل في النهاية على منتج أدبي وفق رؤية الروائي الفني، لكنها تعبر بصورة أو بأخرى عن الواقع الذي يعيشه. لذلك فإن جيل الستينيات في مصر هو الجيل الذي يحمل تلك الحالة من الربكة الوجدانية والفكرية للتعبير عن قضاياه بوجه عام، وقبل أن نتعمق في القضايا التي جاءت في أدبهم لابد أولًا أن نقف على مفهوم “جيل الستينيات”، هل يتشابهون في الشكل أو العمر أو الفترة الزمنية لتوقيت كتاباتهم أو للقضايا التي ناقشوها في أعمالهم الأدبية؟.

مفهوم جيل الستينيات في الحياة الأدبية

يخضع مفهوم جيل الستينيات لتعريفات عدة أذكر منها ما قاله الناقد” محمد سعيد” في بحث تحت عنوان ” نقد المجتمع في رواية جيل الستينيات فيقول: ” أن هذا المصطلح  محض اسم قدر له أن يذيع ويقوى ، بنشأة الصحافة وانتشر بانتشارها، مشيرًا إلى مجموعة من القصاصين والشعراء و الروائيين وربما بعض النقاد الذين ظهروا في الستينيات ، محاولين شق تيار ثقافي متميز، وهو تيار يمكن وسمه بالخروج على المفهوم السائد عن الحرية “.

جيل الستينيات لم يكن وليد الصدفة أو جيلًا مبتدعًا خرج من العدم، لكنه امتدادا طبيعيًا لأجيال قد سبقته، وقد تربى هذا الجيل و نشأ في حجور جيل الأساتذة أمثال طه حسين، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس وعبد الحميد السحار وغيرهم من الرواد الذين أثروا الحياة الثقافية المصرية ثراءً شديدًا، ولعل تميز أدباء الستينيات يخضع في الأصل إلى ذكائهم الشديد في تطوير بنية الرواية فنيا،  من حيث الأسلوب والموضوع الذي يحاكي الواقع في الغالب إلى جانب تقاربهم الإنساني مع بعضهم البعض.

كيف تجمع أدباء الستينيات ؟
وعن تجمع أبناء جيل الستينيات يقول ” بهاء طاهر “أحد أبرز أدباء تلك الفترة :” في مطلع الستينيات كانت تتشكل في تلك المنابر ملامح الأدب الجديد سبقنا بقليل سليمان فياض وأبو العاطي أبو النجا وغالبا هلسا إذ نشروا معظم أعمالهم المبكرة في بيروت ، ثم جاء صنع الله إبراهيم و محمد البساطي و يحيى الطاهر عبد الله وإبراهيم أصلان و عبد الحكيم قاسم و جميل عطية ، ضمن أسماء كثيرة أخرى. لم تكن تضمنا جمعية أدبية، ولا كنا نملك تكاليف إنشاء جمعية. كنا نلتقي أحيانًا بالصدفة في بيت غالبا هلسا وتلتقى فى أحيان أخرى في مقهى ريش”.

ويضيف الطاهر في مقدمة روايته” خالتي صفية والدير”: “وكانت صداقة قوية تجمع بين البعض منا منذ سنوات كما ذكرت ولكن آخرين لم يتعارفوا إلا بعد نشر أعمالهم. وما أريد أن أقوله من ذلك هو أنه إذا كان هناك شيء يجمع بين هؤلاء الكتاب فلم يكن ذلك نتيجة لتجمع فكرى أو ” بيان ” أدبي ، ولكن ؛ لأنه كانت هناك ظروف جديدة اقتضت تعبيرًا جديدا”.

علاقة جيل الستينيات بقضايا الوطن

عند قراءتك للأعمال الأدبية لوحد من أدباء جيل الستينيات تلحظ التحولات التنفسية التي تتخذ شكلًا معقدا لا سيما تحولاتهم مع أيدولجيات السلطة الناصرية الحاكمة، وهنا نطرح تساؤلًا ما السبب في هذا التناقض الذي يلحظة القارئ الواعي والناقد البصير  لتلك الأعمال ؟ الإحابة تتلخص في أمر بسيط وهو “الحلم بعد السراب” .

شهد أبناء هذا الجيل ما يسمى بـ” الحلم القومي” الذي صدرته ثورة يوليو1952م،  ليسقطوا سريعًا في مرارة نكسة 1967م. وقولنا أن الأديب ابن بيئته فنراه يكتب؛ فرحًا ثائرًا مناضلًا ينادي بالوحدة القومية وكلنا أبناء عروبة واحدة، ويسقط حكم الملكية، وتحيا قرارات التأميم، وفجأة هزيمة قاسية واحتلال جزء عزيز من وطنك، وبعد الإحساس بالحرية قيد واحتلال، وانكسار النفس ، و إحساس بالاغتراب ، والتشرذم ، بالإضافة إلى إحساسهم بالهوة التي تفصل بينهم وبين سلطة هذه الثورة وذلك تجاه ما قامت به من قمع الحريات، وتهديد لكرامة المواطنين ، والزج بهم في قيعان السجون ، بدون إجراءات عادلة للمحاكمة تقتضي الحدود اللازمة لاحترام الإنسان، وما أفضى إليه ذلك من انتكاسات متواصلة و متلاحقة للنظام.

الثمن لثورة يوليو

إقرأ أيضا
التلمود البابلي

يقول “شريف عبد المنعم” في بحثه” المجتمع المصرى في الرواية من ۱۹٦٧ إلى ۱۹۹٤” كان أبناء هذا الجيل – مع الهزيمة هم أكثر من دفع ثمنًا غالبًا لأخطاء ثورة يوليو الفادحة في ثلاثة حروب متتابعة ، فقد أمضى معظم أبناء هذا الجيل فترات متطاولة في صفوف القوات المسلحة ، وعانى بعضهم الأسر في معسكرات العدو، وعندما عاد أبناء هذا الجيل للاندماج في الحياة العامة ، كان المجتمع قد تغير من حيث تركيبه الطبقي، ومن حيث طبيعة العلاقات بين أبنائه ، كما كان البناء القيمي قد مسه كثير من التغير ، وذلك بفعل الحروب الثلاثة، وبفعل سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي لم يكن إنتاجيًا”، وعلى هذا ، فجيل الستينيات شاهدا  أصيلا على ما كان فى الستينيات الناصرية . والسبعينيات الساداتية من تحولات وتغيرات في مختلف ضروب النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري .

جيل الستينيات والتجديد في الأدب

أمام كل هذه التغيرات السياسية والاقتصادية وما تلاه من تدعيات فكرية ونفسية، نرى أن أبناء هذا الجيل اتخذ على عاتقه مسؤولية التجديد في الأدب كنوع من مواجهة الفنان الأديب للهُوية والكرامة المُهدرة، لذلك وجدنا في روايات هذا الجيل التأثير والرصد الحقيقي للواقع دون زيف أو تجميل حتى لو تعرضوا للاعتقال والسجن أو الملاحقة .

وكان واقع الحريات في تلك الفترة واقعًا مأسويًا حتى إذا ما كتبت الأقلام أو نطقت الأفواه كانت تُزج إلى السجن، لذلك فقد ندرت الخطب السياسية أو المباشرة أو النقد الاجتماعي المباشر ، وقد استغل أدباء الستينيات هذا واتخذوا مسلكًا جديدًا في الكتابة الروائية، التي ابتعدت عن المباشرة وتقديم النقد عن طريق الرمز أو توظيف المواقف ضمن قصص أو مشاهد داخل بنية العمل الروائي بصورة فنية متكاملة تسعى في النهاية إلى الثورة و التمرد على الواقع البائس، ثم التعبير عن فكر القارئ الفاهم الواعي لتحركات الأنظمة ، وتغير الموازين العالمية ، الأمر الذى جعل الروائيين يبعدون كلما أمكن عن الخيال الجامح و يتقربون إلى القارئ وطموحاته وما يعنيه من قضايا يبحث عن حلولها.

الكاتب

  • أدباء الستينيات مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان