كيف صورت الديانات المختلفة الشر؟ عن الشيطان نتحدث
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
اهتمت الديانات المختلفة منذ القدم بتجسيد الشر، وإلحاق الصفات السيئة به، ونعتته بأسماء بعينها، فهو ست، تيامات، الشيطان، عزازيل، إبليس.. وغيرها من الأسماء التي عبرت عن هذا الشر، عدو الإله، عدو البشر، صاحب القدرات الخارقة.
وإن اتفقت الديانات والمعتقدات على ماهية الشر فإنها اختلفت بالضرورة حول هيئته، وشكله، وكينونته. فكيف صورت الديانات المختلفة الشر؟
الديانة المصرية القديمة: ست تعني الشرور..
قدمت لنا الحضارة المصرية القديمة أسطورة “ست” أو “سيث” كرمز للشر، وست هو ابن الآلهة جب ونوت، وكانت أولي علامات شره أنه ولد في غير الميعاد المحدد له، فقد القي بنفسه من رحم أمه عنوة، وهو إله الرعد والعواصف، الصحراء والأجانب، لذلك نجد في الأغاني المصرية القديمة يرتلون: “ست سيكون في كل سوء، لقد أحدث الخلل والاضطراب في السماء”.
ويرمز له برأس ابن آوي وجسد بشري ممشوق بذيل طويل، دائماً ما يحمل بيده اليسري مفتاح الحياة الذي يبدو كصليب ينتهي بدائرة بينما في اليد اليمني صولجان واز.
ولـ ست حكاية مع أوزوريس كبير الآلهة… فقد دبر ست حيلة للتخلص من أخيه أوزوريس ليستولي على عرشه، وكما جاء في نصوص متون، وهي النصوص الدينية المصرية القديمة، إنه صنع تابوتاً من اللؤلؤ والمرجان وعرضه على الآلهة موضحاً أن التابوت هدية لمن جاء جسده على مقياسه، وعلى الفور صدق أوزوريس حيلة الأخ الأصغر، فدخل ورقد به، فأمر ست أتباعه بأن يغلقوا التابوت، وأن يرموا به في نهر النيل. وقد كان.
وظل التابوت يطفو على سطح النهر إلى أن وصل إلى البحر المتوسط، وكانت أيزيس – زوجة أوزوريس المُحبة – حزينة على زوجها فأمرت أتباعها بالبحث عن التابوت حتي عثروا عليه بجبل بيبلوس بسوريا. غير أن ست استطاع أن يصل إليه مرة أخري ومزق جثته لـ 14 قطعة، ويقال 16 قطعة، ووزعهم بأماكن مفترقة بمصر، ولكن أيزيس بمعاونة بعض الآلهة تمكنت من إيجاد زوجها مجدداً، واستعانت إيزيس بالسحر في تجميع الأشلاء، ومن هنا جاءت فكرة التحنيط فيما بعد، وأعادت له الحياة ثم انجبت منه حورس.
كبر حورس، وظل طوال حياته يتصارع مع عمه ست حتى تدخلت الآلهة ونصبت محاكمة للفصل في هذا الصراع الطويل، وانتصر حورس ليكون ست منفي في عالم الموتي، وهناك صار إلهاً على الموتي.
الديانة البابلية: خلق الأرض والسماء من جسد التنين.
تيامات هي إلهة البحار والمحيطات في تلك العقيدة القديمة، وإلهة الشر أيضاً.
نجد لها وصف في الأينوما إيليش – وهي القصيدة الأشهر التي فسرت بداية الخلق في الديانة البابلية- بأن لها قدم طائر وفخذ حصان وجناحين عملاقين وذراعين بشرية ووجه قبيح، وبإمكانها أن تتحول إلى ثعبان بحر عملاق أو تنين، وهي من انجبت للعالم العقارب والثعابين والوحوش.
تزوجت من الإله إبسو إله المياه العذبة، وانجبت منه لخمو ولخامو. ولكن – وكما هو مذكور في اللوح الأول من الأينوما إيليش- فإن الآلهة الصغار قد أحدثت ضجة شديدة أزعجت الآلهة الكبار، خاصة الإله أبسو والدهما، حتي أنه عزم على قتلهم، ولكنه قُتل على يد الحكيم إيا. غير أن الآلهة الصغيرة عادت للصخب مجدداً مما دفع الآلهة الأكبر بأن يطلبوا من تيامات أمهما أن تتخلص منهما.
بدلاً من ذلك تدخل في معركة رهيبة مع الإله مردوخ فيشطرها إلى نصفين، ويصنع السماء من جزءها العلوي والأرض من السفلي.
الديانات الإبراهيمية: البشر كطرف ثالث.
أهم ما يميز تلك الديانات الثلاث أنها خرجت من طور تعدد الآلهة إلى التوحيد، لذا فإن الشرير بتلك الديانات – وإن اختلف الإسلام كما سنرى- لم يعد إله إنما ملاك عصي الرب، ثم إن المعركة انتقلت من صراع بين الآلهة إلى البشر كطرف في النزاع.
الديانة اليهودية: زهرة الصبح ينقلب على الخالق..
من خلال هذه الديانة ظهر لفظ “شيطان” لأول مرة، ففي المزمور مثلاً 6/109 سنجد “فأقم أنت عليه شريراً ولتقف شيطاناً عن يمينه”
وقد ورد ذكر الشيطان في آيات قليلة جداً بالعهد القديم. غير أنه لا يمكن أن نفصله عن قصة خلق آدم وحواء، ووصفه بأنه زهرة الصبح، وقد قيل عنه أنه كان رئيساً للملائكة.
“قاهر الأمم فتصور أنه سيسمو حتى يصير مثل العلي القدير” هذا ما ورد في سفر إشعياء 14
وإن كنا لا نجد تصور يصف الشيطان في العهد القديم فلا يمكن أن نغفل أول تجسد له وهو المذكور في مطلع سفر التكوين حيث قلبته الغيرة فتنكر في هيئة حية راحت تغوي حواء حتى أكلت من الشجرة المحرمة ليكون سبباً في طرد آدم وحواء من جنة الفردوس إلى الأرض الفانية.
الديانة المسيحية: صراع دائم مع المسيح..
في الديانة المسيحية يدخل يسوع في مواجهات ضارية بينه وبين الشياطين، حيث انتقل الشيطان من مجرد فرد إلى عشائر وأمم، جميعهم لديهم نفس القضية: معاداة الأنبياء، الإضرار بالبشر، محاولة أغوائهم أو حتى بإصابتهم بالصرع والبكم والعمي.
ولعل من أبرز تلك القصص ما جاء في إنجيل مرقس حيث أخرج المسيح روح نجسة من شخص ممسوس بـ كفر ناحوم فصرخت فيه: “آه، مالنا ومالك يا يسوع الناصري؟ أنا أعرف من أنت. قدوس الله”.
وهناك قصة أخري مذكورة أيضاً في إنجيل مرقس تحكي عن رجل ممسوس كان يعيش في المقابر، وكان يضرب نفسه بالحجارة، وقد حاول الناس أن تقيده ليكف عن إيذاء نفسه حتى جاء المسيح وسأله: ما اسمك؟ فأجاب الرجل: لجئون. وهي فرقة من الجيش الروماني تتضمن 6000 جندي. ورغم ذلك تمكن المسيح من أخرجهم وكان سيلقي بهم في الهاوية. غير أنهم استعطفوه حتى يرسلهم إلى حظيرة الخنازير بدلاً من الجحيم.
وإن أظهرت القصص الفائتة الشيطان بكونه روح يمكنها أن تتعايش بداخل البشر، فإن الإشارة له في القصص الأخرى مثل تجربة الشيطان للمسيح التي وردت في انجيل مرقس ومتي ولوقا لا تعطينا وصفاً للشيطان وإنما تكتفى بالأشارة إلى اسمه كأنه كائن متعارف عليه.
الديانة الإسلامية: كلب أسود يوجب قتله.
مع الديانة الإسلامية نزل الشيطان إلى مرتبة أخري.
توضح الآية أن إبليس كان جنياً، وأن له ذرية، وأن سبب الخطيئة الأولي يرجع إلى عدم سجوده لآدم لينصب لآدم وذريته عداء أزلي.
وفي وصفه قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمَرَنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الكِلابِ، حَتَّى إِنَّ المَرْأةَ تَقْدُمُ مِنَ البَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ (عَلَيْكُمْ بِالأسْوَدِ البَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإنَّهُ شَيْطَانٌ).
إذن فالشيطان كلب أسود ذو نقطتين بيضاء.
وهو قادر أيضاً على اختراق أجساد البشر، فـ عن ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبى، فقالت: «يا رسول الله، إن ابنى هذا به جنون، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا»، فمسح على صدره ودعا له، فتع تعة، فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفى.
ثم إن هناك العديد من الأحاديث التي تصف الشيطان على أنه رجل أو غول.
ولكن، إذا كان للشيطان ذرية، فمن هي زوجته؟ وكيف يتكاثر؟
احتار فقهاء الإسلام في تلك المسألة، حيث أنه لا توجد أي إشارة لزوجة الشيطان. غير أن بعضهم، ومنهم قتادة، ومجاهد رجحوا أنه أدخل فرجه في فرج نفسه فباض خمس بيضات هم أصل الذرية.
بينما بعض الفقهاء قالوا: إن الله خلق في فخذه اليمني عضواً ذكرياً، وفي اليسري فرجاً، فهو ينكح هذا بهذا فيخرج في كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطاناً وشيطانة.
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد