كيف كانت أخلاقنا قبل ٢٢٠ عاما؟ .. يحسدنا عليها الأوروبيون
-
طاهرة توفيق
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
جاء في كتاب وصف مصر علي لسان علماء الحملة الفرنسية ( 1798-1801 ) أن :-
” إذا كان أهل المشرق قد أهملوا تعلم العلوم و الآداب فقد إستطاعوا علي الأقل الاحتفاظ بالعادات و الأخلاق الكريمة , فهل ثمة عند أمم الشرق ما يستوجب المديح أكثر من ذلك الاحترام العميق الذي يكنونه نحو كبار السن ؟! و يتميز المصري علي وجه الخصوص بهذا الشعور النبيل , إن الشيخوخة في بلدان أوروبا لا تلقي من الأحترام نفس ما تلقاه في مصر بل إنها تكاد تكون في معظم الأحيان نقيصة , حيث ينبغي علي الملتحي ذي الشعيرات البيضاء أن يصمت أمام غرور الشباب و مباهاته , و أن يلعب دور طفل حتي يمكن تحمله في نطاق عائلته , فما أن يحس الأنسان عندنا أن سنوات العمر قد جرت إلا وتضائلت معها مباهج الحياة و صار عبئا ثقيلا علي كاهل الأبناء و الأحفاد ! و عندما يصبح في حاجة الي المواساة و السلوي يري نفسه و قد أنكر عليه حق الرعاية و أغلقت دونه القلوب , عندئذ تزحف الي جسده برودة قاتله و ترتجف من برودة الوحده روحه , في مثل تلك الأمم يموت العجوز قبل وقت طويل من نزوله الي ظلمات القبر !
فلنخلع النقاب عن حضاراتنا الزائفة , لحسن الحظ أن هذا ليس وضعا عاما في كل الدنيا , فتلك المشاهد المؤثرة كنت أراها كل يوم في مصر , فهنا في القاهرة يبتسم العجوز الذي تلامس لحيته صدره و هو يلقي الإحترام من أبناؤه و أحفاده , ينشرح صدره و هو يري أربعه أجيال تهرع نحوه ليقدموا إليه ما تفرضه عليهم عاطفة التبجيل الحنون , فيتذوق بذلك بهجة الحياة حتي آخر لحظة من لحظات حياته .
في واقع الأمر فأن الأوروبيين لن يكونوا راضين عن أنفسهم أبدا إذا ما عقدوا تلك المقارنة بينهم و بين شعب مصر عندما يرون هذا الإحترام الذي يكاد يبلغ منزلة التقديس لكبار السن , فهؤلاء الناس الذين كنا نطلق عليهم أحط الألفاظ و أقذرها رأيناهم يقدمون لنا في هذا الخصوص مثالا جديرا بالإحتذاء .
هنا في مصر ليسوا مثلنا , فلا يلجأ كبار السن لتلك الحيل التي لا جدوي منها لتفادي ما تخبئه لهم الأيام من إهانات تشعرهم كم أصبحوا عبئا ثقيلا علي كاهل الأبناء !
بل علي العكس , فكبار السن هنا يتباهون بخطوط السن التي تغصن جباههم , و ملابسهم تتسق مع كرامة و وقار عمرهم , و كل شئ فيهم يفصح عن الكرامة و المهابة , فإذا تكلموا أنصت الجميع لما يقولون , و لا يستشعرون أبدا بتلك المرارة التي تقطر بها عادة سنوات العجز و الشيخوخة , إنهم يتركون الحياة بلا ألم , فبقدر ما يقتربون من تلك النهاية المحتومة بقدر ما تتضاعف محبة و عناية ذويهم , فلا يعانون من ألم رؤية أبناء عاقين يتشوقون لساعاتهم الأخيرة حتي يقتسمون تركاتهم , فمثل هذا الإنسان القذر لا تعرفه أمم الشرق , هنا مهما كان الأولاد فاسدين فإنهم يذرفون سيلا من الدمع علي علي مقبرة أبيهم , بل إنهم ليقبلون عن طيب خاطر أية تضحيات مهما عظمت و لو كان في ذلك ما يمد أياما في عمر آبائهم .و لهذا السبب فأن جريمة قتل الوالدين , تلك الجريمة البشعة التي يثير -مجرد اسمها- الهلع في القلوب لم يقرر بشأنها المشرعون أي جزاء , كما لو كان من المستحيل عليهم أن يتخيلوا أن كائنات وهبها الله نعمتي القلب و العقل يمكن أن تقدم علي إرتكاب هذة الجريمة البشعة التي لم تعرفها مصر علي الإطلاق طوال مدة بقائنا هنا ..
المصدر :- كتاب وصف مصر الجزء الأول صفحة 169
الكاتب
-
طاهرة توفيق
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال