همتك نعدل الكفة
434   مشاهدة  

لا شيء غير النص .. قراءة في المفاهيم الخاصة بالمدرسة البنيوية الحديثة

المدرسة البنيوية
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



تعتبر المدرسة البنويية من أهم المدراس التي ظهرت في القرن العشرين، على يد العالم السويسري دي سوسير، ومن أهم المناهج النقدية المتبعة في تحليل النصوص الأدبية والفلسفية، وخلال هذا التقرير نرصد أهم المصطلحات في هذا المنهج ، وكيفية تطبيقها على النصوص .

أولا: تعريف البنية

البنية لغةً : تشتق كلمة البنـية أو البنـيويـة مـن الفعــل الثــلاثي (بنـى) و البـني نقيـض الهـدم بـنى البنـاء، البنـاء بنيا و بنـاء بنيانـا و بنيـة و بنـايــة

و الجمع أبنية و أبنيات و البنية و البنية ما بنيته، و يقال بنية و هي مثل رسـوة و رسـا،  كأن البنية الهيئة التي بنى عليها[1].

وقد استعمل القرآن الكريم لفظ البنية بمشتقاتها ( بنى ، بناء ، بنيان ، مبنى ).

يقول تعالى في سورة الكهف ” ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا”[2] وقوله أيضَا ” وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا”[3]  وقوله ” أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”[4]

أما عن مفهوم البنية أو البنيوية عند الغربيين، فهي  مشتقة من كلمة (striure )و معناها البناء، في اللغة الإنجليزية، وكلمة  و(ordre’)l وتعني النظام ، ومنها التركيب construire ، الهيكلة organisation ،و الشكل forme .[5]

ولكن المعنى الدقيق structure ، البنيوية لم يتحدد إلا في عام 1962م ، على يد مدرسة “براغ” اللسانية، هذا المصطلح يعنى الترتيب الداخلي للوحدات التي تكون النظام اللساني.

انسلخت البنيوية بصورتها الواضحة في المجال النقدي من رحم المدرسة الشكلانية الروسية التي بدأت في أوائل القرن العشرين كإجراء لساني، وضمت هذه المدرسة عددا من النقاد والباحثين مثل( توماشفسكي، وجاكبسون، وبروب)، وغيرهم ممن تطلعوا لفصل بنية السرد بعناصرها انطلاقَا من مدى تأثير العنصر الزمني في بنية العمل السردي، كما اهتموا الوحدات البنائية التي تتشكل منها الحكاية ومدى تناسقها مع المبني الحكائي وأسلوب ولغة العمل ذاته [6].

تكشف البنيوية وحدة العمل الكلية بشكل يستوعب الوحدات أو العناصر التي يتكون منها العمل وعلاقتها ببعضها، إذا البنيوية لا تبحث في محتوى الشيء أو خصائص هذا المحتوى بل تبحث في تلك العلاقات ومدى اتساقها قصد الكشف عن بينة النص.

ويمكن أن  نحدد مفهومات أساسية لفكرة البنيوية نلخصها فيما يلي:

1ـ  إن البنية من صنع المحلل أو الدارس لظاهرة أو لعمل ما و ليست هـذا البنيـة سوى الكشف عن العلاقات المتشابكة بين عناصر العمل التي هي بنية العمل نفسه.

2ـ إن البنيوية لا تبحث عن المحتوى أو الشكل، أو عن المحتوى في إطار الشـكل، بل تبحث عن الحقيقة التي تختفي وراء الظاهرة خلال العمل نفسه، و ليس من خـلال أي شيء خارج عنه.

3ـ  إنها تعني بتوجيه العناصر نحو كلية العمل أو نظام العمل أو الشيء سوى حقيقته.[7]

ثانيا : أنواع البنيات السردية

تنقسم البنيات السردية إلى بنية سطحية، وبينة عميقة، فأما عن البينة السطحية فيمكن توضيحها كالتالي:

البنية السطحية: هي الطبقة الممكن ملاحظتها أو المعبر عنها للجملة على نحو ملموس أكثر، مثل  الصوت و الرموز المكتوبة،  وتجريدية التركيب  والكلمات ، وهي موازية تمامًا للبنية الظاهرة عند تشومسكي[8] .

أما عن  البنية العميقة: فهي عبارة عن حقيقة عقلية يعكسها التتابع اللفظي  للكلمات بقصد تجاوز عمق النص إلى خارجه والاهتمام بعلاقة العلامات  اللسانية[9] .

ومن خلال هذه البنيتين يمكننا أن نستنتج نوعين مـن الخطاب؛ خطـاب عـادي موصوف بالشفافية، و خطاب أدبي موصوف بالكثافة يقول ” عبد السلام المسـدي”: ” إن الحدث الألسني العادي هو خطاب شفاف نرى من خلاله معناه و لا نكاد نراه هو في ذاته، فهو منفذ بلوري لا يقوم حاجزا أمام أشعة البصر بينما يتميز عنه الخطاب الأدبي بكونـه ثخنا غير شفاف، يستوقفك هو نفسه قبل أن يمكنك من عبوره أو اختراقه، فهـو حـاجز بلوري طلي صورا و نقوشا و ألوانا فصد أشعة البصر أن تتجاوزه”.

ثالثا: تعريف السرد

السرد في اللغة: تقدمة شيء إلى شيء تأتي به متسقا بعضه فـي أثـر بعض متتابعا سرد الحديث و نحوه يسرده سردا إذا تابعه، و فلان يسرد الحديث سردا، إذا كان جيد السياق له وفي صفة كلامه صلى االله عليه و سلم لم يكن يسرد الحـدي؛ أي يتابعه و يستعجل فيه، و سرد القرآن: تابع قراءته في حدر من والسرد: المتتابع[10]، و سرد الشيء – سردا: ثقبه . و الجلد: خرزه، يقال سر الصوم. و يقال سرد الحديث أتى به على ولاء، جيد السياق[11].

 

و في التنزيل العزيز وردت لفظة (السرد) في قوله تعالى: ” أن أعمل سابغات و قدر في السرد”[12] .

السرد اصطلاحَا :  تنوعت تعريفات السرد وتباينت منذ القدم كونه أحد العناصر الأساسية في جوهر العمل، إذا فالسرد هو : الذي يشتمل على نص حدث أو أحداث أو خبر أو أخبار سواء أكان ذلك من صميم الحقيقة أمن ابتكار الخيال[13].

أو هو الحديث أو الأخبار (كمنتج و عملية و هدف و فعل بنية و عمليـة بنائيـة) لواحد أو أكثر من واقعة حقيقية أو خيالية من قبل واحد أو اثنين أو أكثر (غالبا ما يكـون ظاهرا) من الساردين و ذلك لواحد أو أكثر (ظاهرين غالبا) من المسرود لهم[14].

أما السرد بالمفهوم الحداثي فقد عرفه رولان بارت  ، على أنه رسـالة يتم إرسالها من مرسل إلى مرسل إليه، و قد تكون هذه الرسالة شفوية أو كتابية و السـرد لديه (حاضر في الأسطورة و الخرافة، و التاريخ و الحكاية و القصة و الملحمة و المأساة،   و الكوميديا، إنه يبدأ- يعني السرد- مع تاريخ الإنسانية نفسها فلم يوجد أبـدا شـعبا دون سرود[15]، و يقوم الحكي الذي يعتمد عليه السرد على دعامتين أساسيتين:

أولهما: أن يحتوي على قصة ما، تضم أحداث معنية.

ثانيهما: أن يعين الطريقة التي تحكي بها تلك القصة، و تسمى هذه الطريقة سردا ذلـك أن القصة الواحدة يمكن أن تحكى بطريقة[16].

 

رابعا: أنماط السرد

يميز الشكلاني الروسي ” توماتشفسكي” بين نمطين مـن السـرد : “سـرد موضـوعي، وسرد ذاتي “.

أما عن  السرد الموضوعي: يكون الكاتب مطلعا على كل شيء حتى الأفكار السردية للأبطـال، ويكون الكاتب، مقابلا للراوي المحايد الذي لا يتدخل ليفسر الأحداث، و إنما ليصفها وصفا محايدا كما يراها، فهو يترك الحرية للقارئ ليفسر ما يحكى له و يؤوله، و  يتبع هذا النمـوذج هـذا الأسلوب هو الروايات الواقعية.

أما عن السرد الذاتي: فإننا نتتبع الحكي من خلال عيني الراوي (أو طرف مستمع) متوفرين على تفسير لكل خبر: (متى و كيف عرفه الراوي أو المستمع نفسه) ، و لا يقدم الأحداث إلا مـن زاوية نظر الراوي، فهو يخبر بها و يعطيها تأويلا معينا يفرضه على القـارئ و يـدعوه إلى الاعتقاد به، نموذج هذا الأسلوب هو الروايات الرومانسية أو الروايـات ذات البطـل الإشكالي[17].

المصادر والمراجع 

[1] : ابن منظور، لسان العرب، ط/ 1،  بيروت ، دار صادر ، 1955، مجلد 14، صـ 93/ 94.

[2] : سورة الكهف ، الآية ، 20

[3] سورة النبأ، الآية ، 12

إقرأ أيضا
دايما في الليل

[4] :سورة التوبة، الآية ، 109

[5] : نعمان بوقره، المصطلحات الأساسية في لسانيات النص و تحليل الخطاب،  ط/ 1، عمان ، عالم الكتب الحديث

للنشر و التوزيع، 2009 ، صـ 148.

[6] : نبيلة إبراهيم، فن القص في النظرية  والتطبيق ،ط/ 1 ، القاهرة، مكتبة غريب، 1955،  صـ 22 . 23

[7] : فوزية لعيوس غازي الجابري، التحليل البنيوي للرواية العربية،  ط/ 1، عمان، دار صفاء للنشر و التوزيع ، 2010م، صـ 41/42

[8] : روجر فاولد، اللسانيات و الرواية، ترجمة لحسن أحمامة،  ط/ 1، الدار البيضاء،  دار الثقافة، 1997،  صـ 22

[9] نعمان بوقرة، المصطلحات الأساسية في لسانيات النص و تحليل الخطاب، صـ  95 .

[10] : ابن منظور، لسان العرب، مج 4 ،مادة (س.ر.د) ، صـ 165.

[11] : إبراهيم مصطفي، أحمد حسن الزيات، حامد عبد القادر، محمد علي النجار، المعجم الوسيط ، ط/ 1، المكتبة الإسلامية للنسر و التوزيع، تركيا، د.ت، ج1 ،صـ146 .

[12] : سورة سبأ، الآية ، 11.

[13] : عدي عدنان محمد، بنية الحكاية في بخلاء الجاحظ، دراسة في ضوء منهجي بروب و غريماس، ط/1،  عمان ، عالم الكتب للنشر والتوزيع، 2011، صـ 145

[14] : جرالد برنس، المصطلح السردي، ترجمة عابد خزندار، ط/ 1،  القاهرة، المشروع القومي للترجمة والنشر ، 2003،صـ 145

[15] : أحمد فرشوخ، حياة النص دراسات في السرد ، ط1 ، الدار البيضاء، دار الثقافة،  2004 صـ 77.

وانظر أيضا : عبد الرحيم مراشدة، الخطاب السردي و الشعر العربي، ط/1، عمان،  عالم الكتب الحديث للنشر و التوزيع إربد، 2006، صـ105.

[16] : حميد لحميداني، بنية النص السردي ،  ط/3،  بيروت ، المركز الثقافي العربي، 2000 ، صـ 45

[17] : لطيف زيتوني، معجم مصطلحات نقد الرواية، 155 صـ -156

الكاتب

  • المدرسة البنيوية مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (1)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان