لطفي لبيب.. ليه؟
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
مجرد وجوده على الشاشة يبعث في داخلك إحساس بالسرور والارتياح الشديد، تنتظر مشاهده وتتلقاها ببساطة لا تستطيع أن تكرهه مهما كان الدور الذي يقدمه، يضيف للشخصية بصمته الخاصة فلا تتعاطف معها لو شريرة ولكنك تستمع بوجودها أمامك فقط لأنها هو من يؤديها، لطفي لبيب الممثل الذي عبر خط بارليف وعاد ليعبر إلى وجدان كل متلقي.
اللافت للنظر في مسيرة لطفي لبيب الكبيرة في عالم الفن والتي بدأت في أوائل السبعينات، أولا هو هذا الكم الهائل من الأعمال التي قدمها سواء في التلفزيون مملكته وموطئ قدمه الأول أو الإذاعة أو المسرح أو السينما، لطفي لبيب له رصيد فني ب 390 عمل فني حتى الآن وهو رقم ضخم ويدل على أمرين هامين، هو أن لطفي لبيب كان ومازال يبحث عن التواجد والثاني أن لطفي لبيب استطاع اكتساب ثقة الجمهور والمنتجين والمخرجين مع اختلاف الأجيال والثقافات وتعاقبها.
ستجد لطفي لبيب في كل حركة سينمائية هامة في مصر، ومع أغلب مخرجين مصر من السبعينات في الدراما والإذاعة والمسرح ومن الثمانينات في السينما، ومع كل هذا الكم من الأعمال والقابل للزيادة فمازال المحارب المتمرس -ربنا يمد في عمره ويديله الصحة- قادرا على العطاء، فهو الآن واحد من الندرة أعضاء نادي 300 عمل.
عبدالعزيز عاطف
ولكن كيف يمثل لطفي لبيب؟ وكيف استطاع تقديم كل هذا التنوع الثري للغاية؟ لنلقي نظرة على أداءه أمام كاميرا السينما مثلا، ولنأخذ دوره الرائع في فيلم كلام في الممنوع حيث قدم شخصية “عبدالعزيز عاطف” الثوري السابق الذي دمر الأمن مستقبله فتحول من مشروع طبيب إلى مندوب مبيعات لشركة أدوية، ولكنه مازال محتفظا بجدعنته وقدرته على الحرب والمواجهة رغم خوفه المنطقي من رجال الأمن.
دور عبدالعزيز يصلح جيدا كنموذج متكامل لمحاولة فهم كيف لهذا الرجل أن يقدم كل هذا السحر، في البداية ينتمي لطفي لبيب لطريقة تمثيل بسيطة وهي تأدية الشخصية من خلال الممثل، فستجد بصمة لطفي لبيب واضحة في كافة شخصياته طريقة تقطيع الجمل وطرق الإلقاء وحتى تكنيك ضبط الأداء وإيقاع الجملة كل هذا متكرر في كل الشخصيات تقريبا ولكن الأهم هو تفاصيل الشخصية.
لكل ممثل مدخل سحري للشخصية، طريقة سير الشخصية ملابسها، طريقة كلامها، تفاصيل العالم المحيط بها، التفاصيل الدقيقة للشخصية، لطفي لبيب يدخل إلى الشخصية من تفاصيل عالمها وتفاصيلها، ستجده يهتم بتفاصيل مثل طريقة لبس الشخصية لا نوعية الملابس أو الألوان ولكن كيف لهذه الشخصية أن ترتدي تلك الملابس، البنطلون القماشي والقميص الذي يشوبه الاصفرار مهما كان لونه.
أضاف لبيب إلى الشخصة بعض التفاصيل الحركية البسيطة للغاية ولكنها شديدة الأهمية، تلك التفاصيل التي تفيد أن هذا الشخص رغم معدنه الشجاع والجريء إلا أن تجربة الاعتقال التي عانى منها وهو شابًا كانت لها أبلغ الأثر لانغلاقه عن الحياة وفقدانه الشديد بثقته في نفسه.
ديفيد كوهين
قياسا على ذلك يمكن وضع أي شخصية قدمها لطفي لبيب في مسيرته ومعرفة كيف يتعامل معها، ومع حضوره القوي وموهبة الفذة تحول لطفي لبيب من ممثل لحالة شديدة الخصوصية ترغب في مشاهدتها حتى لو كان العمل الفني نفسه سيء، ولكن هل طريقته في التعامل مع الشخصيات هي السبب فيما يمكن أن أطلق عليه فنان يخطف الألباب؟
الإجابة ببساطة لا، هناك عامل أخر شديد الأهمية دفع لطفي لبيب إلى هذه المكانة بالنسبة لي، لطفي لبيب أحد أشجع الممثلين الذين رأيتهم في حياتي، والممثل الشجاع هو القادر على تجسيد شخصيات قد تثير حفيظة وحساسية المشاهد وربما لا مثال أوضح وأكبر من دور السفير الإسرائيلي في فيلم السفارة في العمارة.
لطفي لبيب أحد أبطال حرب أكتوبر لم يجد غضاضة إطلاقا في تجسيد دور السفير الإسرائيلي، صحيح أن الفيلم والدور نفسه هو انتقاد لإسرائيل نفسها ورجالها، ولكن أي ممثل أخر سيفكر في الأمر آلاف المرات قبل أن يقبل بأداء هذا الدور، وهناك العديد من الأدوار من تلك العينة في مسيرة لطفي لبيب الفنية.
وهناك وجه أخر لشجاعة لطفي لبيب رغم أنها شجاعة قد تحسب عليه أحيانا، في الغالب يشارك لطفي لبيب في الأدوار التي تعرض عليه طالما أن وقته يسمح بذلك، مهم كان البطل أو الفيلم أو المنتج، أو قيمة الفيلم الفنية فلبيب حدد مقياسه منذ زمن وهو التواجد المستمر، وهذا التواجد لا يمكن تفسيره إلا أن أكثر ما يحبه لطفي لبيب في الحياة هو التمثيل فلا يتوانى إطلاقًا عن التواجد أما الكاميرا أو على خشبة المسرح.
وبمناسبة المسرح، ما يطلقه لطفي لبيب من وهج وتألق وبريق أمام الكاميرا، يطلق أضعافه ملايين المرات على خشبة المسرح، كنت من سعداء الحظ الذين شاهدوا مسرحية الملك هو الملك على المسرح مرتين الأولى حينما كنت رضيع ويقال أنه تم التقاط صورة لي مع لطفي لبيب وانا رضيع والثانية حينما اعيد عرضها في الدورة الأولى من المهرجان القومي للمسرح، وهنا كان السحر الذي يخطف الأبصار، حضور طاغي مهيب قريب من الروح ممثل يمثل بكل خليه في جسده، يتحول ويتلون على خشبة المسرح ويتحرك في خفة الفراشات، حاله لم أشاهدها على الخشبة إلا نادرًا، وكل ما هو نادر ستجده عند لطفي لبيب.
لطفي لبيب في رأيي أحد أهم ممثلين ليس جيله فقط ولكنه أحد أهم من مروا في مسيرة الفن المصري وأحد هؤلاء الغارقين حتى شعر رؤوسهم في الموهبة، دمت لي فنانًا ساحرًا دمت تملك كل السحر المختفي في أسمك اللطف والعقل.
إقرأ أيضاً
طلعت زين ..أنصفه التمثيل وتجاهله الغناء
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال