همتك نعدل الكفة
600   مشاهدة  

لن أودع أحبتي

الحياة


لأيام أُفكر فى الحياة والموت، الحياة بتناقضاتها، وحين تمتد أخبار الحزن أُغلق عيني فلا أبكي ولا أخوض سواد العتمة

عزيزتي جيجي

هل قصصت عليك نبأ الشوارع المبهجة التي رأيتها في لندن، قد كان حُلمًا، لكنني فى مساء اليوم رأيت صديقي ينشر صور الشوراع التي زرتها فى الحلم، نعم هي فتحدثت إليه وأكملت وصف المكان فضحك مني.

صمت الشوارع يهز روحي، المدينة الساهرة خوت من ساكينيها، ونحن فى حالة من الترقب، توالي الأخبار ثقيل، والأسود السائد يمتص البهجة، تغيم العيون خلف سحب الدمع، وكلنا صوب الحياة شغوفين.

يا جيجي

حين صرخ رئيس وزراء بريطانيا فى شعبه قائلًا ودعوا أحبتكم، حلت كلماته وجعًا فى الأرواح، وسخرنا من سلبيته، لكن الأيام تتوالي، والموت شبح يزورنا فى صمت، ويهرب منا وقد انتقص عددنا.

فى فيلم Ghost ship بدا ملاك الموت مثل مقاول أنفار يحتاج عددًا معين قبل أن ينطلق سامحًا لمن نجا من المجموعة بأن تستمر حياته، كانت الفكرة عبثية جدًا، حولت فيلم الرعب إلي فيلم كوميدي، لكن صور الفيلم تتلاحق في عيني هذه الفترة، كلما فكرت فى فيروس كوفيد 19، وكيف لغسيل الأيدي أن يُنجينا منه، كل التعليمات للنجاة منه تأسيسًا للوحدة، فيروس أشبه بالمرحلة، فالتصاق عيوننا بشاشات الهواتف والكمبيوترات مهدت لعصر الوحدة، ليأتي هذا الفيروس مؤكدًا أن المصافحة باليد والعناق وتبادل القبلات طرق مؤكدة للعدوي، وبين الرعب من المجهول والخوف من مرض لا دواء له تم أسرنا فى توابيت الوحدة.

يا جيجي

نحن نبكي الأحبة حين يفارقون الحياة بينما لم نهتم بهم في حيواتهم، اللقاءات المؤجلة، الكلمات الحلوة التي ذبلت قبل أن تصل إلي آذان أصحابها، الأمهات اللواتي جفت دموعهن انتظارًا لزيارة الأبناء أو الأحفاد، الآباء الذين كسرهم العجز والشيخوخة، حتي الزملاء والأصدقاء الذين انفرط بهم عقد الود، فأي أحبة نفارقهم، وهم محض أسماء فى ذاكرة الهاتف، ورسائل مؤجلة الإرسال؟؟؟

يُعلق صديقي أني شخص يهتم بالآخرين كثيرًا، وينتقد وقتي الموزع علي القلوب والمكالمات، أضحك وأقول أني أدركت سر السعادة، المحبة فى الوصل، والبهجة في الحضور.

هل أخبرتك أنني عرفت بمرض صديقي من حلم؟ فاندهش حين حادثته لأطمئن، ربما يسخر مني البعض، وقد لا يصدق آخرون، وتختفي الحكايات والأثر.

عزيزتي جيجي

حين جعل الله الأجل محدودًا وساق إلي البشر ملاك الموت، وهبنا أيضًا خلودًا لمن يُدركه، الأحلام نافذتنا إلي عوالم أخري، إشارات للتحذير وللأمل، مساحات التلاقي، وأرض الأمنيات، إنني ألتقي أبي حلمًا، كم الأحاديث مع أحبتي فى الحلم، أحلام اليقظة، الذاكرة المعبأة بالدفء والشغف، الحب الذي يسكن الماضي والحاضر، فكيف لشخص يُحب أن يُفارق؟

حين نتحدث عن فراق نحن نسدد فواتير الكسل والتباعد فى زمن الإمكانية والإتاحة، وحين يبكي أحدهم فراق غالٍ عليه أن يُحاسب نفسه أولًا عما فعله في حياة من فارقوه.

قد تكون الجائحة أمر قاسي، درس شديد الوطأة نال من حيواتنا وحرياتنا، لكنه درس هام لنعرف أن الحب مُسكن للوجع، وأن الحياة مهما طالت قصيرة، فحين نشغلها وصلًا ومودة تصير أبدية.

حين نُحب ونصدق فنحن لا نفارق، يشغل أحبتنا ذاكرتنا، وذكرياتنا، تُصبح ملامحهم وتفاصيلهم جزء من الحياة، فكيف إن كانت الذكري حاضرة يكون صاحبها غائب؟؟

إقرأ أيضا
التقدم في العمر

يا جيجي

إنني وكثيرون راضون بقضاء الله فيما يُقدّر لنا، لكنني أيضا أرضي بتعاليم الله، فهو عز وجل أوصانا بالتراحم والتواصل، الله الرحمن الرحيم، هو المحبة والسلام فكيف نسأل الله ونرجوه ونحن قساة نزرع قلوبنا كراهية وشِقاق، نختلف لأتفه الأسباب، ونهدم العوائل لسوء فهم.

يا جيجي إنني أقاتل بسلاح المحبة والأمل، ألتزم التعليمات لكنني محبة لكل من حولي، لا أتردد في إيصال الود، أدعم بكل ما أملك حتي وإن كانت مجرد كلمات، لكنها الصدق، المحبة حياة، فكيف يكون هناك وداع والمُحب حاضر في سيرته، وأعماله.

يا جيجي

قد يكون التباعد الاجتماعي ضرورة أساسية للنجاة، لكن المحبة  شرط الاستمرار فلا نجاة بدون تضامن، ولا وداع لمُحب.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان