لوحة نب آمون التي تحمل جمال الفن المصري القديم

كان نب آمون كاتبا ومحاسبا ، وكان كاتبا بالتحديد لإحصاء الحبوب في مجمع المعابد بطيبة، ومن المؤسف أن أشهر لوحة له مكانها الآن بالمتحف البريطاني، وقد شغلت الفنانين التشكيلين واستلهم منهم أفكارا منها.

وسوف نحلل جماليات هذه اللةحة من حيث أهم عناصر الفن التشكيلي،  وهي تعد من العصر الحديث للمصرين القدماء عن لوحات ما قبل هذا العصر، فعلى سبيل المثال، تبدو الحركة الرئيسية في العمل أكثر  ليونة وتحررا من خلال تنوع الخط واتجاهاته.

في الوقت نفسه تبدو الخطوط التي تشكل عناصر الطبيعة الأخرى خاضعة لمنطق الإيقاع، ولكنه هنا ليس ذلك الإيقاع المتكرر الرتيب، لكننا نرى خطوطا مختلفة السمك ومختلفة الارتفاعات ومختلفة في الاتجاهات يعبر بها الفنان عن العناصر النباتية.

 ويحاول أن يصنع من هذه الخطوط حالة من التباين بين الجسد البشري بم يمثله من بناء رأسي وبين الخطوط الأخرى التي تظهر في حركة الحيوانات والطيور والتي تمنح المشاهد إحساسا بليونة ونعومة الطبيعة المحيطة بالمصريين. 

هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى؟…الباحث إسلام جمال يرد

كما أن للخطوط  دورًا هاما هنا في إكساب المشهد نغمات بصرية متعددة تجعل عين المشاهد تتحرك في أكثر من اتجاه وتنتقل من مستوى إلى آخر بشكل يتناسب مع حيوية المشهد والذي هو تسجيل لرحلة صيد يقوم بها نب آمون وأسرته. 

يظهر الموج هنا بشكل رأسي لأن المصري القديم يعبر عن موج النيل بهذا الشكل لأنه يحدث في مساحة محدودة عكس  أمواج البحر

الكتلة والفراغ

يلاحظ في العمل المعروض اهتمام الفنان الشديد بالعناصر الموجودة بالطبيعة، لدرجة أنه يقوم بملأ الفراغات داخل حدود التكوين بحشد كبير من العناصر، وتتنوع هذه العناصر بين ما هو بشري وما هو حيوانات وما هو طيور وما هو حشرات وهذا يعتبر نوعا من أنواع إبراز الرغبة الدفينة داخل المبدع في خلق عالم يحتوي على كل ما يفتقده العالم الحقيقي .

حيث أن المصري كان محاطا ببيئة صحراوية ممتدة تخلو من أشكال الحياة، في حين تتزاحم وتحتشد كل أشكال الحياة في شريط نهر النيل، علاوة على أن وجود النص المكتوب في أعلى التكوين يخلق حالة من الترابط البصري بين أجزاء العمل المختلفة، بحيث لا يظل الجزء الأعلى منفصلا عن باقي التكوين، فتتكرر أشكال الكائنات الحية مثل الطيور والحيوانات ولكن هذه المرة في شكل حروف هيروغليفية دقيقة تصنع حالة من التناغم البصري مع باقي الكتل الموزعة في التكوين.

ترتدي أيضا ابنة نب آمون شعرا مستعارا حيث كان مشهورا بالدولة الحديثة ارتداء النساء والرجال للشعر المستعار.

الألوان

كانت الألوان في الحضارة المصرية القديمة مستمدة من عناصر الطبيعة ولذلك فقد كانت تجسيدا حقيقا للبيئة المصرية وعلى الرغم من محدودية الدرجات اللونية بشكل عام إلا أن المصري القديم استطاع أن يوظف هذه الألوان ودرجاتها داخل التكوين بحيث:

أ_يحافظ على الوحدة العضوية بين أجزاء العمل 

ب_يحافظ شكلا من أشكال المنظور اللوني.

ج_يحقق اتزانا من خلال توزيع الدرجات القاتمة والمضيئة بين إجزاء العمل المختلفة.

في البداية يلاحظ استخدام اللون البني المائل للإحمرار في تلوين معظم الأجساد البشرية، فهو من ناحية يعكس الحيوية ودفء المشهد ومن ناحية أخرى يحتوي على دلالة رمزية تشير إلى الارتباط الوثيق بين المصري وأرضه السهلية الطينية، وهذا اللون يظهر بدرجات مختلفة تميل إلى الإصفرار أحيانا وتميل للقتامة أحيانا أخرى في باقي العناصر الحية سواء كانت حيوانات أو طيور وهذا يحقق شكلا من أشكال الترابط بين أجزاء العمل بحيث تتحررك عين المشاهد بسلاسة من موضع لآخر داخل التكوين. 

استخدام الأبيض في الزي يجسد طبيعة الملابس وخاماتها التي كانت شائعة في مصر القديمة، حيث كانت أغلب الثياب تصنع من الكتان، وكانت تصعب صباغته، ولذلك كانت الملابس إما بيضاء، وإما تميل قليلا للإصفرار وهي ملائمة جدا لطبيعة مصر الجافة الحارة، وبشكل مماثل يقوم الفنان في توزيع الأبيض في ومضات خاطفة تظهر في بطون الطيور ، وبعض أجزاء من أزهار اللوتس ولكنها تظل ومضات محدودة بحيث لا تشتت الانتباه عن العنصر الرئيسي.

أما اللون الأزرق فكان من الألوان المميزة في الحضارة المصرية القديمة وهناك درجة اشتهر بها المصري القديم تعرف إلى الآن باسم الأزرق المصري وهو لون يحمل دلالات كثيرة تتعلق بفكرة الحياة المتمثلة في وجود نهر النيل والمسطحات المائية الواسعة وهو رمز الانتقال من عالم إلى آخر وهو رمز للعالم السماوي ،غاية المصري القديم أي يمكن أن نقول أنه رمز للسماء.

إقرأ أيضا

أحمد الجندي “ابن الشمس”.. أهلا بك في عالم رجل المستحيل

يتوزع الأزرق في أكثر من موضع بحيث يسيطر على مساحة كبيرة  تتمثل في أعواد نباتات اللوتس ثم يعود ليظهر في أجنحة الطيور في أعلى التكوين، ثم يتردد في حزمة الزهور التي تحتضنها زوج نب آمون.

وللون الأزرق في الفن التشكيلي أكثر من مدلول أشهرهم، أنه لون الموت، ولكن في سياقات مختلفة يكون رمزا للسلام والهدوء والصفاء

ويحافظ الفنان على الحركة البصرية داخل حدود العمل من خلال التوزيع المحسوب لدرجات الأزرق.

هناك لمسات محدودة من اللون الأخضر وبدرجات متفاوتة تظهر في جسد القارب وفي بعض أوراق زهور اللوتس والباردي واللون الأخضر له دلالة هامة عن العالم الآخر، لأون اللون الأخضر كان اللون الذي يصور به الإله أوزريس.

أما عن خلفية العمل فيسطر عليها لون يميل الإصفرار الشاحب ينجح من خلاله الفنان في إبراز العناصر وإعطاء إحساس بالبعد كما أنه يقوم بتوزيع لمسات لونية مختلفة في أعلى التكوين أكثر إصفرارا تمنح شعورا بإحكام الفراغ داخل العمل وتبعث على الإحساس أكثر للوحدة العضوية بين أجزاء العمل، خاصة حين تتنوع بين الدرجات واللمسات اللونية في تدريجات الناعمة بين أسفل وأعلى التكوين

 المصدر:

تحليل اللوحة للدكتور محمد عبد السلام ، أستاذ بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية وأكاديمية الفنون.