ما تمثله لي القدس

الخيال هو ما يجعلنا نحلق بأرض بعيدة عن واقعنا فنتذوق سعادة تدوم للحظات ولكن لا يضاهيها شىء، غذته أمي منذ الصغر بحواديتها الليلة التي كانت تذهب النوم من عيوني وليست على غرار القصص التي تستعين بها الأمهات كي ينام أطفالهم، بعضها خيالي بحت والكثير منها حقيقي كي تدخلنا بحر الإيمان بطريقة مشوقة.

تحكي لي أمي في الصغر عن رحلة الإسراء والمعراج فأتخيل الرسول عليه أفضل صلاة وسلام وهو على البراق مسافرًا بابتسامة واسعة بعد الحزن الذي طاله من أذى قريش وأحلق أنا الأخرى بخيالي ومهري الصغير وأسافر إلى المسجد الأقصى وأصلي وراءه، القصة حقًا مشوقة وتضيف أمي لها بنبرة صوتها من حماس ما يزيد شغفي ناحية القصة كاملة.

تزيد علي من الحكايات فتحكي قصة السيدة مريم العذراء  بدءا من تكفل سيدنا زكريا بتربيتها وحتى تحملها أذى اتهامات قومها بعد  حملها بنبي الله عيسى عليه السلام، وكلما كانت أمي تقص هذه القصة أستشعر أنني أعرف مريم جيدًا بقوتها وصبرها على تحمل الصعاب وزهدها في الحياة لعبادة الله بمحرابها ببيت المقدس، أتخيلها عابدة بهذه المدينة الجميلة بمحرابها الذي شهد معجزات وقوتها وهي تهز جذع النخل كي تسقط عليها رطبًا جنيا وكأن الله يعلمها درسًا أن عليها دائمًا مساندة نفسها في أصعب اللحظات.

تعلقت بهذه المدينة التي نالت الحظ الأكبر من مرور الأنبياء فيها من سيدنا داود عليه السلام وسليمان حتى محمد صلى الله عليه وسلم.

ظلت فلسطين بقلبي بهذه الحكايات التي يظن البعض أنها فقط تروى كي تستمع بها وهي في الحقيقة تشكل كيانك، وأصبحت أحلم بمرور الوقت أن أزور هذه المدينة التي أؤمن أن لي فيها كما للفلسطنين، أزور هذه المدينة التي ولد بها عيسى عليه السلام  وخطت فيها مريم خير نساء العالمين، وصلى بأقصاها محمد عليه الصلاة والسلام.

فالقدس بالنسبة لي هي  احترام عقيدة الآخر في سلوك عمر بن الخطاب عندما دعاه البطريرك صفرنيوس أن يؤدي صلاة العصر بكنيسة القيامة فرفض قائلًا:

“ما  كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة، فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون مكانها مسجدا”

وهي موقف الكنائس بالعام الماضي عندما منع الآذان بالقدس فدوى من أكثر من كنيسة بهذه المدينة الجميلة في إعلان للعدو الصهيوني عن وحدة هذا الشعب.

القدس هي السيدة المسيحية جارة صديقتي التي ذهبت إلى هناك كي تحج فأحضرت لها وشاحًا فلسطينيًا كما طلبت، هي أول أذان رفع بالمسجد الأقصى بعد تحريرها من الاحتلال الصليبي وبكاء الناس بالشوارع حينها. هي أبناءها الذين أصروا على الصمود مهما تخلى عنهم الناس وطالتهم الاتهامات الباطلة بالخيانة وبيع الأرض.

هي مغنية فلسطينية جميلة تدعى ريم بنا  ابنة الشاعرة والمناضلة الفلسطينية زهيرة الصباغ تبنت قضية وطنها بإحياء تراث بلدها والتعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني ومقاومتها أيضًا لمرض السرطان بكل تفاؤل الذي تعجب له متابعيها كصمود وطنها مقابل الاحتلال. 

إقرأ أيضا

“زفة الإنجليزي في العشة” هل قاد الفضول السوشيال ميديا للخطأ أو الخطأ المتقن ؟

اقرأ أيضا…صداقة أسبوع تمتد إلى فلسطين

 ولكن هذه القضية لن تموت طالما هناك أم تحكي الحكايات لصغارها عن تاريخ هذه المدينة وهذا البلد، وكنائس ترفع الآذان عندما يحاولون منعه، وسيدة مصرية مسيحية جميلة تزور هذه المدينة كي تحج وتجلب معها وشاحًا فلسطينيًا سيظل من رموز المقاومة الفلسطينية وفتاة جميلة تغني بنفس الوشاح تتبنى قضايا وطنها بفنها الشيء الذي وهباه الله إياه كي تغرد بألحان من وجدان شعبها وآلمنا على ما آلت إليه الأمور.