ماري كولفين صحفية بدرجة بطلة خارقة، فقدت عينها لإنقاذ اللاجئين في إندونيسيا وأخذ منها القذافي دماء وقتلت في حمص
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
ماري كولفين رمز الإنسانية وحب الصحافة، شخصية من نوع فريد من الصعب تكرارها تشعر وأنت تقرأ عنها كأنك تشاهد فيلم عن أحد الأبطال الخارقين، قضت كولفين حياتها القصيرة تقف في وسط نيران المعارك تكتب وتنقل قصص المحاصرون وضحايا الحروب، فكانت كولفين تذهب حيث لا يتجرأ أحد على القيام بهذه المهام المحاطة بالمخاطر، ورغم عظمة رسالة ماري كولفين إلا أن تكلفت النزاهة والشجاعة التي دفعتها كانت غالية فقد فقدت أحد عينيها خلال أحدى المعارك، وانتهت حياتها تحت القصف في سوريا، وقد قالت كولفين قبل استشهادها”يجب على الصحفيين الذي يغطون الحروب والمعارك أن يحملوا على عاتقهم مسؤوليات كبيرة وأن يواجهوا خيارات صعبة“، وأضافت: ”أحيانا يدفعون ثمنا باهضا نظير ذلك”.
من هي ماري كولفين
فتاة حرة عاشقة للمغامرة والاستكشاف من صغرها، ولدت ماري كولفن في مدينة نيويورك عام 1956 ودرست الصحافة في جامعة، وانطلقت إلى أوروبا باحثًا عن أماكن الصراع حيث عرفت أن قيمة الصحافة الحقيقية هي نقل المعاناة التي يعيشها الناس في أماكن الصراع للعالم، وبدأت مسيرتها كصحفية من خلال عملها في صحيفة (يونايتد بريس انترناشونال) في باريس، ومنها انطلقت للعمل كمراسلة صحفية عام 1985 في صحيفة (صنداي تايمز).
كريستين تشاباك.. عندما تحصل المذيعة على إنفراد وتنتحر على الهواء
وبسبب شغفها الكبير بالعمل الصحفي، لمع أسم ماري كولفن سريعًا في عالم الصحافة، وفي عام 1986 كانت أول صحفية تجري لقاء صحفي من معمر القذافي بعد حادث قصف الولايات المتحدة بيته والذي فقد على أثره ابنته الرضيعة في ذلك الوقت، وكما كان معروف عن القذافي طلباته الغريبة، فعندما أعجب بها طلب منها أن ترتدي حذاء أخضر اللون وتمنحه بعضًا من دمها، والجدير بالذكر أيضًا أن ماري كولفن هي الصحفية الوحيدة التي قامت بتسجيل حوار صحفي مع العقيد معمر القذافي بعد أحداث ليبيا التي وقعت في عام 2011.
تزوجت كولفن مرتين، المرة الأولى تزوجت من المراسل الدبلوماسي (باتريك بيشوب) الذي التق به عندما كانت تغطي أحداث في العراق، والمرة الثانية من صحفي من بوليفيا يدعى (خوان كارلوس غوموسيو) عام 1996 ولكن هذا الزواج أيضًا انتهى بعد عدت أعوام عندما انتحر غوموسيو في عام 2002.
ماري كولفن في إندونيسيا
في عام 1999 قامت حرب بين تيمور الشرقية إندونيسيا حيث كان شعب تيمور يطالب بالاستقلال والحكم الذاتي، وكنت كولفن هناك لتغطية الأحداث ضمن فريق من موظفي الأمم المتحدة، ولكن عندما اشتدت الحرب هرب هؤلاء الموظفين والصحفيين لينجوا بحياتهم، إلا أن ماري كولفن قررت البقاء هي وعدد قليل من زملائها داخل مركب خاصة بالأمم المتحدة ومعهم حوالي 1500 لاجئ كان أغلبهم من النساء والأطفال، وجاء قرر بقاءها في هذا المركب الذي كان محاط بالمليشيات الإندونيسية من أجل حماية أرواح اللاجئين، وأيضًا حتى يعرف العالم المعاناة التي كان يعيشها الأشخاص المحاصرين لمدة أيام.
وبالفعل بعد أن بدات في نشر قصص النساء الاتي كانوا معها في المركب، تحولت أنظار العالم إلى ما يحدث هناك بسبب الضجة الإعلامية التي أحدثتها قصص اللاجئين، وفي الأخير تم تحرير الـ 1500 شخص ولم يخسر احد منهم روحه وفي تصريح لها بعد حادث إندونسيا عن عملها في المناطق الخطيرة قالت كولفن”أشعر بأنني ملزمة أخلاقيا تجاه هؤلاء، وأن تجاهلهم فعل جبان. لو كان للصحفيين الفرصة لإنقاذ حياتهم، فيجب عليهم القيام بذلك“.
ماري كولفن تدفع عينها ثمن إيصال أصوات المنكوبين في سيريلانكا
في عام 2001 اشتعلت سيريلانكا و تمزقت أوصالها بسبب الحرب الأهلية، وذهبت ماري كولفن لتغطية الأحداث هناك ونقل الصورة الحقيقية للكارثة التي يعيشها الناس وسط هذه النيران الموجودة في كل مكان، وخلال عملها كانت كولفن تقوم بنقل تقاريرها الصحفية من داخل منطقة من ضمن المناطق الذي كانت تسيطر عليها جماعة انفصالية تدعى (نمور التاميل)، وكنت ترسل تقارير لتخبر العالم بالمجاعة التي يعيشها المدنيني.
إذا كنتم تتخيلون أن 2020 هي سنة الكوارث.. فعليكم معرفة ما حدث للبشرية
وفي يوم 16/4/2001 وأثناء محاولة ماري كولفن أن تتسلل إلى منطقة أخرى غير التي كانت تقبع فيها من خلال أحد حقول الكاجو التي كان يسيطر عليها جماعة (نمور التاميل)، ولكن فجأة هجمت دوريات الجيش السريلانكي وحوطة الحقل، ورغم محاولتها الاستسلام وهي تصرخ أنها صحفية أمريكية وليست مسلحة، إلا أنه كان قد سبق السيف العذل وألقى أحد المجندين من الجيش بقنبلة يدوية بجوار ماري كولفن، واخترقت شظايا القنبلة رئتها وعينها اليسرى.
وفقدت ماري عينها اليسرى على أثر هذا الحادث، ورغم أنها نالت عدد من الجوائز من الصحافة البريطانية، إلا أن هذا الحادث سبب لها أزمات واضطرابات نفسية كبيرة، خصوصًا وأنها أصبحت ترى بعين واحدة وترتدي رقعة سوداء طوال الوقت.
ماري كولفن في حمص والمشهد الأخير لبطلة الصحافة
خلال حوار لها في عام 2010 تحدثت ماري كولفن عن عملها كمراسلة صحفية قائلة ”إن تغطية الحرب إعلاميا تعني الذهاب إلى أماكن تمزقها الفوضى، والدمار، ومحاولة نقل الشهادة“، واستطردت: ”يعني الأمر محاولة العثور على الحقيقة في عاصفة رملية من الحملات الدعائية المتضاربة“.
على مدار مشوارها البطولي عملت كولفن في بلدان الوطن العربي كثيرًا وتعلقت بأهلها، فبالتأكيد إذا كنت تحب العمل في الأماكن المنكوبة وبطبيعة الحال سوف تصلها بوصلتها للشرق الأوسط، وفي عام 2012 وبعد تعرض مدن سوريا إلى الحصار والقصف من قبل قوات النظام، وعندما كان العالم يصرخ لما يعاني منه أهل حمص من حصار وقصف وبعد أن صرح النظام في ذلك الوقت بمنع وجود أي صحفيين أجانب على الأراضي السورية، بل وأصبح الصحفيين فيما بعد مستهدفون بشكل واضح من قبل النظام، قررت ماري الذهب إلى حمص.
حيث تسللت إلى حمص هي والمصور بول كونروي من خلال أنابيب الصرف الصحي التي كانت تمتد تحت المدينة، وبحسب ما روتها ماري في تقريرها الأخير، أن المدينة كانت تقذف بشكل جنوني، وقد وصل الأمر إلى إلقاء حوالي 45 قذيفة في الدقيقة الواحدة، وبعد دخولهم إلى حمص ومشاهدة هول الواقع على الحقيقة، قال لها كونروي أن الوضع خطير للغاية وأن عليهم المغادرة، ويقول المصور أنه عندما أخبرها بذلك قالت له ماري “تلك مشكلتك الخاصة، أنا ذاهبة هناك مهما كلفني الأمر“، وخلال وجودها في أحد المباني مع عشرات الأسر المنكوبة، نقلت كولفن تقريرها الذي وصفت فيه الوضع البشع الذي كانوا يعيشونه هؤلاء الأشخاص في مبنى معرض للقذف أمل في النجاة.
وكذلك كيف كان الجميع يتناولون مياة بالسكر حتى يبقون على قيد الحياة بما في ذلك الأطفال الرضع، وبالفعل قامت ماري وكونروي بالتقاط مقاطع فيديو لأطفال أصيبوا بقذائف وأب يبكي طفلة وغيرها من المشاهد المؤلمة، وبمجرد إرسال هذا التقرير إلى شبكة BBC، أرسل لها رئيسها أوامر بمغادرة مدينة حمص في اليوم التالي ليلاً حفاظًا على حياتها هي وكونروي، إلا أن القدر لم يعطي الثنائي هذا المتسع من الوقت.
فقد قصف المبنى الذي كانوا متواجدين به في صباح اليوم التالي، حيث استطاعت قوات النظام من رصد المكان من بعد استخدام كولفين للانترنت لإرسال تقريرها، واستشهدت ماري كولفن وبقي جسدها في هذا المبنى ولم تدفن حتى في بلادها، أما كولفين فقد أصيب أصابة بالغة في ساقه، ولكن عدد من المعارضين اهتموا به لمدة 5 أيام بعد الحادث واستطاعوا أن يساعدوه على الهروب من حمص وعاد إلى بلاده.
وفي عام 2018 صدر فيلمين يتحدثون عن بطولة ماري كولفين رمز الصحافة الحرة، الأول فيلم وثائقي باسم (تحت الخط)، أما الفيلم الثاني هو فيلم سينمائي من إنتاج إنجليزي تحت عنوان (حرب شخصية A Private War ) من بطولة الممثلة (روزموند بايك).
الكاتب
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال