“متلازمة ك” المرض الوهمي الذي أنقذ بعض اليهود من النازيين
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
خلف الأبواب المغلقة لمستشفى “فاتيبينيفراتيلي” في روما كان هناك جناح مليء بالمرضى الذين يعالجون من “متلازمة ك”. وكان هذا المرض الجديد غير المألوف بمثابة رادع قوي للجنود النازيين المحتلين الذين قاموا بعمليات تفتيش روتينية للمستشفى لصالح اليهود والحزبيين ومناهضي الفاشية. فخوفًا من العدوى لم يجرؤ النازيون على الدخول إلى الجناح وحولوا انتباههم إلى أماكن أخرى.
كان المرضى في هذا الجناح قد دخلوا المستشفى وصنفوا على أنهم يعانون من “متلازمة ك” في أواخر عام 1943. وفي 16 أكتوبر من ذلك العام ، قام النازيون باقتحام الحي اليهودي ومناطق أخرى من روما وأرسلوا 1200 يهودي إلى معسكرات الاعتلاق. ولم ينج منها سوى 15 شخصًا. وبعد ذلك رحب أطباء المستشفى بأعداد متزايدة من المرضى. غير أن هؤلاء المرضى كانوا لاجئين فأن “متلازمة ك” كانت مرض مخترع.
اخترع المرض جيوفاني بورميو، كبير أطباء المستشفى، بمساعدة أطبائه الآخرين بقصد إنقاذ اليهود والمناهضين للفاشية الذين التمسوا اللجوء إلى هناك. ولد في عام 1898 وكان بورروميو معادي للفاشية. وقبل توليه منصبه في “فاتيبينيفراتيلي”، عُرض عليه منصب كبير الأطباء في مستشفيين آخرينلكنه رفض كليهما لأنهما اشترطا أن يصبح عضوا في الحزب الفاشي. وقبل الوظيفة في “فاتيبينيفراتيلي” لأنها كانت تدار من قبل الرافدين الكاثوليك ووفقًا لاتفاق بين الكنيسة الكاثوليكية والنظام الفاشي تعتبر مستشفى خاصة ومنفصلة عن أنظمة الدولة. مما يعني أنها لا تشترط أن ينتمي موظفوها إلى حزب سياسي.
وفي المستشفى، عين بورميو العديد من الأطباء الذين تعرضوا للتمييز من قبل النظام لأسباب مختلفة. وكان من بينهم الطبيب اليهودي فيتوريو إيمانويلي ساكردوتي الذي أخفى بعض الناجين من أحداث 16 كتوبر في المستشفى. وفي الأشهر التالية أصبحت المستشفى مركزًا للمقاومة السياسية.
ولكن المقاومة المناهضة للفاشية في “فاتبينيفراتيلي” لم تقتصر على “متلازمة ك”. حيث قام بورميو وحلفاؤه بتركيب محطة إذاعية داخل المستشفى واستخدموها للتواصل مع أنصارهم من أجل تنظيم معركتهم. عندما علم بورميو أن النازيين قد حددوا موقع الراديو، رمى كل شيء في نهر التيبر.
وكان موقف “فاتيبينيفراتيلي” على جزيرة التيبر وقربها من الحي اليهودي أسباب في إثارة الشكوك بين المسؤولين النازيين. مما جعل بورميو وزملاؤه مستعدون للزيارة الحتمية. وكان اليهود الذين دخلوا المستشفى وغيرهم من المرضى “السياسيين” مدرجين في الوثائق الرسمية على أنهم يعانون من “متلازمة ك”. كذلك كان الاسم أيضًا نكتة محفوفة بالمخاطر: فقد أطلق بورميو على المرض الوهمي “ك” على اسم كلًا من ألبرت كيسلرينج أو هربرت كابلير. كان كيسلرينج القائد العام للنازية في الجنوب وأمر كابلير، الذي كان قائدًا للشرطة النازية في روما، بارتكاب المذبحة في كهوف أردياتين حيث قتل 335 شخصًا. وقد حوكم كل من كيسلرينج وكابلر بتهمة ارتكاب جرائم حرب وأدينا في وقت لاحق.
سرعان ما أصبحت “متلازمة ك” رمز يشير إلى الأشخاص المختبئين في المستشفى. وكان أدريانو أوسيتشيني (الذي أصبح فيما بعد وزيرًا للصحة في إيطاليا في تسعينيات القرن العشرين) قد كتب رسائل إلى بوروميو يطلب فيها تخصيص عدد دقيق من الأسرة لمرضى “ك”، الذين سيصلون إلى المستشفى في غضون الأيام التالية. قبلت المستشفى اللاجئين حتى يوم دخول الحلفاء روما وتحريرها.
وكشف بيترو بوروميو، ابن جيوفاني، أن النازيين ، كما كان متوقعاً، قاموا في نهاية أكتوبر بالبحث عن اليهود ومناهضي الفاشية في”فاتيبينيفراتيلي”. أخذهم بورميو حول المستشفى ووصفوا بالتفصيل الآثار الرهيبة لـ”متلازمة ك” على ضحاياها. وبعد أن فعل ذلك دعاهم إلى تفتيش العنابر. لكن رفض النازيون، الذين يقول بيترو بورميو إنهم كانوا برفقة طبيب، الدعوة وغادروا دون مزيد من التحقيق.
وهناك نسخ مختلفة لكيفية بحث النازيين عن اليهود في المستشفى. كذلك روايات مختلفة عن سوء توجيه بورميو وتقديرات مختلفة لأعداد الأرواح التي تم إنقاذها. إلا أن كل نسخة تؤكد اختراع “متلازمة ك”. اقترح بيترو بورميو أن المشروع برمته كان حملة مخططة ومنظّمة في مكافحة الفاشية بينما اقترح الطبيبان أوسيسيني وساكردوتي في المقابل أنه مرتجل في الغالب وهو أحد الأشكال العديدة للمقاومة التلقائية وغير المنظمة ضد الدكتاتورية.
الكاتب
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال