محاسبة النفس عند الصوفية .. قصة نوعان أحدهما له ثلاث أصناف
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
جاءت محاسبة النفس عند الصوفية كأهم الطباع التي يتسم بها المحبين لله سبحانه وتعالى والذين يريدون طريقه، كون أن محاسبة النفس جزء لا يتجزأ من الإيمان.
محاسبة النفس عند الصوفية
أبو الحارث المحاسبي وأبو حامد الغزالي يؤكدان أن محاسبة النفس عند الصوفية نوعان نوع قبل العمل، ونوع بعده، فأما النوع الذي قبل العمل فهو أن يقف عند أول همته وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه.
اقرأ أيضًا
لماذا تصر كتب الصوفية على وصف النبي بـ أجير وجرثومة الشرف ؟
وفي هذا النوع قال الحسن البصري “رحم الله عبداً وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر”، وشرح هذا بعضهم، فقال: إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهَمَّ به العبدُ وقف أولاً، ونظر: هل ذلك العمل مقدور له أم غير مقدور ولا مستطاع؟ فإن لم يكن مقدوراً لم يُقْدِم عليه، وإن كان مقدوراً وقف وقفة أُخرى ونظر: هل فعلُه خير من ترْكه، أو تركه خير من فعله؟ فإن كان الثاني تركه ولم يُقْدِم عليه، وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة، ونظر: هل الباعث عليه إرادة وجه الله وثوابه، أم إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق؟ فإن كان الثاني لم يُقدمِ عليه وإن أفضى به إلى مطلوبه؟ لئلا تعتاد النفس الشرك، ويخص عليها العمل لغير الله، فبقدر ما يَخِف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله، حتى يصير أثقل شيء عليها، وإن كان الأول وقف وقفة أخرى، ونظر: هل هو مُعانٌ عليه، وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاجاً إلى ذلك؛ أم لا؟ فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه، كما أمسك النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار، وإن وجده مُعاناً عليه فليُقْدِم عليهفإنه منصور، ولا يفوت النجاح إلا من فوات خصلةٍ من هذه الخصال، وإلا فمع اجتماعها لا يفوته النجاح.
أما النوع الثاني فهو محاسبة النفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع كما يرى أبو حامد الغزالي، أولهما محاسبتها على طاعة قصّرت فيها من حق الله؛ فلم تُوقِعها على الوجه الذي ينبغي؛ وحق الله في الطاعة بمراعاة ستة أمور قد تقدّمت، وهي: الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود مِنّة الله عليه فيه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله. فيحاسب نفسَه: هل وَفَّى هذه المقامات حقَّها؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟
أما الثاني من محاسبة النفس عند الصوفية بعد العمل أن يحاسب نفسه على عمل كان تركُه خيراً له من فعله، بينما الثالث هو أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد: لِمَ فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؛ فيكون رابحاً فيه، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظَّفَرُ به.
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال