همتك نعدل الكفة
505   مشاهدة  

محمد إيهاب : أمّا الآن .. سلام

محمد إيهاب
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



شتاء القاهرة .. 2050

أجلس على أحد المقاعد الداخلية في مركز شباب تابع لقرية ريفية نائية .. شعر الصدر الأبيض بارزًا من الترينينج الأبيض المفتوح قليلًا يخفي تجاعيد جلده ، والبنطلون واسع قليلًا والحذاء الرياضي أبيض ضخم يليق بمدربي الملاكمة في الأفلام العربي القديمة … يتدرب الصغار على رفع الأثقال .. يرفع أحدهم خمسة كيلو فينازع وكأنه يرفع عنه هموم حياته .. تلعب امرأة مع أبنائها الكرة أمامي في الحديقة .. يشوي آخر الذرة ويدندن في مزاج عالِ : (ويرفرف العمر الجميل الحنون ويفر ويفرفر برفة قانون وندور نلف مابين حقيقة وظنون)… هناك عاشقين جلسا في ركن منزوٍ في المركز لكن يبدو أن مشاكلهم أكبر من أن تنزوي معهم … الحياة تسير ولا أحد نظر باهتمام لما يجلس أمامهم .. لا أحد يعرف من أكون …  أنا على موعد مع صحفي مغمور من صحيفة محلية ، يعد الوحيد الذي يهمه قصتي التي حدثت منذ ثلاثين عامًأ .. وقد وعدته أن أسجلها له في فيديو .. أعرف أنها لن تهم كثيرين لكن سأفعل تقديرًا لجهود الصحفي ..  ها هو هناك .. أهلًا يا أستاذ .. ثواني سأفتح فيديو الموبايل لأسجل لك قصة حياتي  :

أنا محمد إيهاب .. محمد إيهاب بطل العالم في رفع الأثقال منذ ثلاثين سنة .. أعمل الآن مدربًا للناشئين في هذا المركز .. ذات ليلة سوداء .. رأيت حلمي يتبخر أمام عيني ..  اعتزلت اللعبة وأنا في عز مجدي .. وما كان مخيبًا لأمالي أكثر من الاعتزال هو مناقشة الجميع للمسألة على انها انقطاع عن الشهرة والمال والبريق ، كنت أود أن أخبر الجميع فقط أن الموضوع أكبر من ذلك .. الموضوع في تفاصيله الصغيرة وليست في النتيجة الكبيرة … فهي المرة الأولى التي لن أسمع فيها كلمة : “عاش يا كابتن ” بعد كل رفعه موفقة .. هو الوقت الذي لن يصبح الحديد فيها منافسي بعد أن كانت هزيمة دامبل المائة كيلو يوم العيد بالنسبة لي … افتقادي لصوت تعنيف المدرب الأول لي والذي كانت كل ثروته عصا غليّة وكوزين أسمنت وأمله بأن يصنع مني بطل … نظرة الفتيات المنبهرات بالمجانص في مرحلة المراهقة وضحكاتهم الساذجة وبلاهتي في استقبال هذا …تلك المرة الأولى التي وضعت في بودرة تشبه الدقيق وهذا الشعور بأنني الرجل الأخضر Hulk حينما تناثرت حولي وأنا أنفضها … هذا اليوم الخيالي الذي عُدت فيه للمنزل ووجدته أثر ازدحاما من صلاح سالم ، يعج بكل وكالات الأنباء والسيدة الوالدة تكاد تفقد وعيها من الفرحة تارة ، ومن ردها على التهاني الغزيرة في التليفونات تارة أخرى .. كان هذا بعد اقتناص البرونزية والعودة مظفرًا .. هذا اليوم التي تمنيت أن أعود في صاروخ فضائي أسرع من الطائرة لأشاهد حياتي بعد أن أضيف لها كلمة “بطل” .. تمنيت وقتها لو وقف الزمن عند لحظة عض الميدالية … المسألة هي أن حلمي كان زئبقيًا .. يبدو محققًا وعظيمًا لكنه يختفي تمامًا حين تظن أنك تمتلكه …. يوميًا أساعد الناشئين على أن يحلموا .. أصيح فيه وجه المتخاذل .. أربت على كتف المجتهد .. أضع أمامهم صورة كبيرة لميدالية الأولمبياد لأستفزهم ..  لكن في قلبي يظل رعبًا ماكنًا ، أخشى أن أزرع بداخله الحلم فيراه سرابًا ، وفي نفس الوقت أخشى أن أستبق الأحداث لأنه ربما يصبح حظ الناشئ أفضل من حظي … يوميًا أنظر لصورتي بالميدالية .. لم يعد يقف الكثير عند هذه اللحظة ، يرون أنني لابد من استعادة حياتي الجديدة كمدرب .. لكني لازالت واقفًا عند لحظة قرار الاعتزال .. وأتعجب .. لم تهزمني حمول الحديد .. لكن هزمتني حمول الدنيا بعد إيقاف الاتحاد المصري لرفع الأثقال عن المشاركة في أولمبياد طوكيو 2020.. أما الآن .. سلام

 

إقرأ أيضا
موسم رمضان 2024

الكاتب

  • محمد إيهاب محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان