محمد “التخين”
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
التخين
تكسو بشرته سُمره فوق وجهه الطفولي البشوش وملامحه الملائكية، وفي عينيه السوداوين تأوّه لا تتغافل عن سمعه.
زميل لي كان في مدرستي الإبتدائية، مَن مثله وفي عمره كان قد التحق بالصف الثانوي حينها، كان يعاني من تأخر عقلي، وكان أكبرنا عمرًا وحجمًا، وكانوا يلقبونه محمد “التخين”.
آسفة وأعتذر عن اللفظ، وعن ارتباط اسمه بتلك الكلمة الساذجة، لكن أي أسف وأي اعتذار يمكن أن يصله الآن، فقط أكتب عنه لعلّي أواسيه في ذلك المكان البعيد الذي لا أعرفه.
يجلس وحيدًا بعيدًا شاردًا أثناء الحصص الدراسية، وفي الفسحة كان الجميع يلهون ويلعبون ويجرون ويتقافزون، وهو ساكن ساكت واجم، وحين ينهض يمشي في تثاقل كأنه مكبل الأطراف بسلاسل عملاقة خفية لا مفر منها ولا محرر.
يحاول أن يلهو، يجرب أن يقفز، كهؤلاء الأصحاب الذين يتحاشون النظر إليه، ليسقط أرضًا، فيلتفتون، ثم يضحك الجميع.
– آوووووووف إيه الريحة دي ؟؟!
– ده محمد التخين عمل على نفسه بيبي التقيلة، ابعدوا ابعدوا…
يصرخ الأصدقاء وهم يضحكون، وهم يسخرون، وهم يتغامزون، وهم يغطون أنوفهم بأياديهم، كمن غطى الرمد عينيه فعُمى، وهم يكممون وجوههم، كما يكمم حاكم عربي يتشدق بـ الديمقراطية أفواه شعبه.
كنت أشفق عليهم وأرثي لحالهم، لا عليه ولا لحاله، فقد كانوا ثلة بائسين بُلهاء، مسوخ قساة، زومبيز صغار.
وإلى الآن مازلت أشفق على أولئك السُذج الحمقى الذين يستخدمون الممثلون البُدناء لإضحاك جماهيرهم بالإكراه، وأرى أن أسخف أنواع الكوميديا وأكثرها سماجة تلك التي تهزأ من أجساد البشر.
لقد كنت يا عزيزي “محمد الجميل” ولازلت جميلًا، رغم قبح الأنفس ووَسخ الأفئدة.
اقرأ أيضًا
كلام فاضي
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال