محمد سليمان عبدالمالك: من يبحث عن أسامة أنور عكاشة سيجده فى أعماله القديمة

لم تكن أعمال الراحل أسامة أنور عكاشة مجرد مسلسلات للتسلية الرمضانية ولكنها مسلسلات تعمل على نشر الوعي والثقافة وإثارة الأسئلة التي لم نجد لها إجابات حتى الآن، فلم نجد حتى الآن ردًا على أسئلة حسن أرابيسك ولا أسئلة أبو العلا البشري ولا ردًا على معاناة الدكتور مفيد أبو الغار، فالتحدى الأول إعادة تقديم أعمال أسامة أنور عكاشة بروح العصر كانت مغامرة حقيقية لأكثر من سبب أهمها، هي إعادة تقديم روح مصرية لم تعد تقدم خلال السنوات الماضية، والتحدي الثاني هم الجيل الأكبر الذي تربى على أعمال أسامة أنور عكاشة سيدخل في مقارنات.

والحقيقة أن المسلسل يعتبر قائمًا بالفعل على روح وعالم أسامة أنور عكاشة بشكل واضح سنجد علاقة حب بين طارق وآلاء تشبه علاقة علي وزهرة في ليالي الحلمية، سنجد بليغ أبو الهنا الفاشل في كل شيء يشبه حسن أرابيسك، سنجد الهانم أنوشكا التي تشبه دور صفية العمري فى العديد من المسلسلات (ليالي الحليمة و عفاريت السيالة ) سنجد دور أحمد بدير يشبه دور حسن حسني فى أرابيسك بشكل كبير، المهم أن من يبحث عن أسامة سيجده أسامة ومن يبحث عن مسلسل خفيف واجتماعي سيجد مسلسل ينتمي إلى عصرنا بكل قسوته ، سنجد التشويق وسنجد محمد سليمان عبد المالك واضحًا.

جزء من شغفي لكتابة راجعين يا هوي هو الحنين لعالم أسامة أنور عكاشة لأني أعتبر نفسي من مدرسته أو بمعنى أوضح تأثرت به، ولكنه ليس السبب الوحيد، فأسامة صاحب فكرة دراما الكاتب، لأن الكاتب يعتبر صلب العملية الدرامية، ولذلك كان من أسباب عودتي لأسامة هو إحياء فكرة الكاتب التي دافع عنها أسامة طوال حياته، حيث كانت المسلسلات تباع باسمه وليس باسم النجم ، بجانب أن عمل يحتوي على العديد من العناصر الجاذبة لي ويحمل قيم أريد الكتابة عنها.

أعماله مصرية جدًا، سمات عكاشة أنه كاتب أصيل، صاحب قضية، وكانت له أفكار مثالية حالمة قدمها عبر تاريخه  الفني، حيث اهتم بتقديم قضية الهوية على سبيل المثال، ويتميز عالم عكاشة بالشخصيات متعددة الأبعاد و الخطوط العرضية الدرامية، كما يتميز بالحوارات شديدة الرقي كما  تتميز أعماله بخفة الظل

أنا أرى أنه نقد في غير محله، حارة عكاشة كانت حارة داخل استوديو نتيجة  قلة الإمكانيات حينها، وصعوبة نقل معدات التصوير إلى المواقع الحقيقية ولذلك سنرى أغلب الحارات الشعبية في مسلسلات تلك الفترة تم بنائها  داخل الاستوديوهات.

ليس لدى شك لو كانت التقنيات المتوفرة حاليا كانت متوفرة أيام أسامة أنور عكاشة لكان قدم الصورة الحقيقة للحارة المصرية بكل جمالها، ولذلك قرر صناع مسلسل راجعين يا هوى تصوير المسلسل في الأماكن الطبيعية فسنجد المساجد حقيقية، وسنجد الشوارع حقيقية، سنجد المقاهي حقيقية، إننا عملنا على تقديم الشكل الجمالي وليس شكل الاستشراقي أو السياحي، احنا قدمنا صورة حقيقية للحارة وفي الأماكن الحقيقة بدلاً من القبح المقدم للحارة في الأعمال الدرامية خلال السنوات الأخيرة، والمسلسل لم يقدم صورة على حساب الدراما بل قدم جماليات القاهرة القديمة بجوار الدراما.

لا يوجد عمل شاهدته وحلمت أن أكتبه،  لدي خططي وأعمالي التي أتمنى في يومٍ ما أن تظهر على الشاشة منها روايات لنجيب محفوظ أو أعمال أخرى لأسامة أنور عكاشة بالإضافة إلى أعمالي الأصلية وعالمي الخاص، ولكني لا أرفض كتابة نص درامي لعمل لكاتب آخر  إذا كنت أستطيع أن أضيف له، مثل الأستاذ محسن زايد كان يضيف إلى أعمال الرائع نجيب محفوظ.

الحقيقة أن ممالك النار كان فرصة استثنائية  لأنها توفرت له عناصر كثيرة من الانتاج الضخم والديكور المميز و الملابس والإخراج البريطاني، وهكون سعيد لو قدرت أقدم أعمال تاريخية في حقب زمنية مختلفة ، ولكن دائمًا الميزانيات الضخمة تقف عائقا أمام إنتاج الأعمال التاريخية.

ليس لدي أي فكرة بخصوص تقديم موسم جديد من ممالك النار

كسرت تابوه العمل 30 حلقة ، يكفي أنك تقدر تقدم مسلسل في عدد حلقات أقل بصورة بصرية عالية، بالإضافة إلى جرأة وتنوع الموضوعات المقدمة، تقدر تقدم موضوعات مختلفة غير الموضوعات اللى بيتهم بيها التلفزيون، وعمومًا التجربة مازالت في البداية.

أولا ضيق الوقت ، ولا نحصل على الوقت الكافي في التحضيرات بالاضافة إلى الصعوبات الإنتاجية المعتادة.

أكيد نقدر ، مصر مليانة مواهب، مليانة مبدعين، مليانة أفكار مختلفة.

نعود إلى راجعين ياهوى .. قمت بإضافة شخصيات مثل الشخصية التي تقدمها نور وأولاد الإشقاء وغيرهم وذلك لأن العمل الأصلى كانت مدة الحلقة الاذاعية 15 دقيقة ومدة الحلقة التلفزيونية أطول ؟ هل ترى المسلسل ينتمى إلى عالمك أكثر أم عالم أسامة ؟ أنا على سبيل المثال أرى أن موجة حارة لا ينتمى إلى عالم عكاشة حتى لو كان كاتب الرواية.

من أول لحظة كنت أرغب في الحفاظ على روح وإيقاع أسامة أنور عكاشة مع الرغبة الحقيقية في الحفاظ على روح صناع المسلسل، كنت أرى أن من يبحث عن أسامة أنور عكاشة سيجده في أعماله القديمة، لأن أعماله متاحة للمشاهدة ويتم إذاعتها باستمرار، ولكني أقدم عمل مشترك يعبر عن صناع المسلسل مع الحفاظ على روحه، يعتبر موجة حارة من الأعمال الجيدة، ولكن موجة حارة يحمل بصمة الفنانين المشاركين فيه ومخرجه الكبير محمد ياسين حتى لو كان معتمد على رواية شديدة القتامة، بينما راجعين يا هوى هو معتمد على نص كوميدي اجتماعي كان مقدم للإذاعة.