محمد علي بحري : وضع الموسيقى متردي في العالم العربي ويصل لدرجة الانحطاط
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
نعود من جديد أستاذ محمد علي بحري إلى حديثنا عن فن الموشح وعن الإيقاعات، وسؤالي الأول لك بعد الجزء الأول من حوارنا:
– ما علاقة الموشح بالإيقاع؟ وكم عدد الإيقاعات في الموسيقى الشرقية؟ ولماذا ينبغي على الفنان تعلمها وتعلم توقيعها متزامنة مع الغناء؟ وهل يكفي الفنان أن يغني اللحن سليما من خلال دقة سمعه الإيقاعي دون اللجوء إلى حفظ شكل ونمط ميزان اللحن الذي سيغنيه؟
يقول نابغة موسيقي الغرب بيتهوفن: الإيقاع نصف الفن، وهذه نظرية صحيحة فالكون كله مخلوق ومرسوم بنظام وإيقاع دقيق، وبلا شك فكل الألحان عموما تحتاج إلى إيقاع لأن النفس تمل من الغناء الفالت والغير موزون والإكتفاء بنمطين أو ثلاثة من الإيقاعات في الغناء هو مدعاة للملل وللضحل الموسيقي، فالإيقاعات المتنوعة والكثيرة ما استنبطت إلا من خلال تحركات النفس وطلبها لذلك الشكل الإيقاعي المعين، ولكي يجرب الفنان المتعلم كل حركات اللهو الفني والموسيقي ويحفظ تقاسيم كل إيقاع ويشعر بمواطن الدُم والتك والاس فيه وتتشرب فطرته التغيرات الإيقاعية لا بد من حفظه ودراسته لتلك الموازين الإيقاعية الهامة الكبيرة منها والمتوسطة والصغيرة وحفظ أشكالها عن ظهر قلب مع نماذجها التلحينية، فالنموذج التلحيني يعتبر نوطى الإيقاع فلا يُحفظ أي إيقاع مع لحن نموذجي قوي يراعي الضغط الإيقاعي فيه ويكون خير مثال موضوع عليه وبحفظ الفنان وتمارينه على شتى أشكال الإيقاعات تصبح ملكته الذوقية والفنية قوية جدا ويتمكن من الغناء وامتلاك الرتم ووضعه تحت إبطيه, وأخذه من ناصيته، وسيتقن حينها بقوة خبرته وفطرته السرعات وأنواعها سواء في الغناء أو العزف أو التلحين، فلا يكفي أن أقرأ النوطة الموسيقية أو أعزفها والإيقاع طبعا هو مضبوط في داخلها ومدون بل يجب أن أتعرف على كل إيقاع على حدة وأتمكن من ضربه بيدي أو بقدمي مع إسقاطه على نموذجه التلحيني وبذلك أكون قد حققت شرط هام جدا من شروط الفن وهو ملكة الإيقاع وعلومه
أما عدد الإيقاعات فقد يتجاوز المشهور منها والملحن عليه في الموسيقى الشرقية 120 أصولا وإيقاعا ويجب على الفنان سواء كان مغنيا أو عازفا أو موسيقيا أن يحفظ 60 إيقاعا على أقل تقدير من أصل 120 ميزانا إيقاعيا.
من هذه الايقاعات : الشنبر بأنواعه والمخمس بأنواعه أيضا والفاخت والدور كبير والنيم دور والهزج والرهج والرمل والخفيف والثقيل والزنجير والحاوي والروان بأنواعه والأوفر بأنواعه والسماعي ثقيل والأقصاق بأنواعه والمصمودي بنوعيه والعويص والإيوان هواسي والزرفكند والخوش رنك والشفتتلي والمربع والمحجر والمدور بأنواعه إلى أخره وهذا ما كان يحفظه ويؤديه طلاب الفن في القديم، ولذلك خرج منهم نوابغ ومتمكنين ومقتدرين من كل الأطراف ذوقا وفنا ومقاما وإيقاعا ونظما.
– أستاذ بحري، هل حدث تبادل ثقافي بخصوص الموشحات و المقامات والإيقاعات بين مصر وسوريا وتركيا ؟ وما هي ثمرات ذلك التبادل ؟
بلا أدنى شك كان هناك تبادل ثقافي بين أعمدة وعمالقة الموسيقى الشرقية الثلاث الحلبية والمصرية والتركية والعثمانيون سيطروا في حقبة ما على تلك البلاد وحكموها ونشروا فيها ضمن الأمر الطبيعي الكثير من موروثهم وثقافاتهم الفنية وغيرها وتأثروا هم أيضا بموروث وفولكلور تلك البلاد ولعلك تذكر معي أستاذ أحمد عبد الكريم مؤتمر القاهرة الموسيقي والذي انعقد سنة 1932م وترأسه العالم الموسيقي التركي رؤوف يكتابك وتبادلوا فيه الآراء العلمية الموسيقية وحضره الشيخ علي الدرويش من حلب وداوود حسني وعلي صفر بك وكامل افندي الخلعي وسامي الشوا ودرويش الحريري وكثير من الفنانين ومن مختلف الدول العربية الشقيقة من تونس والمغرب والعراق وفرزوا فيه كل طائفة مقامات موسيقية اتفقت على تعريفها البلدان الثلاث سوريا ومصر وتركيا واختص الشيخ علي الدرويش بتقديم بحث شامل وهام عن عالم المقامات الموسيقية وذكر فيه نحو 80 مقاما موسيقيا تناولهم بالشرح والتفصيل، وذكر طائفة كبيرة من الإيقاعات وفرزهم بحسب كل دولة ومعطياتها لكن لو أجرينا مقارنة بين صناعة المقامات الموسيقية والإيقاعات وإثبات تأليف عليها فالحق والعلم يقولان أن الموسيقى العثمانية والتركية قد سبقت مصر وسوريا وباشواط بعيدة جدا بل وبما لا يقارن من حيث كمية الألحان ونماذجها التلحينية أو من حيث التفوق النوعي وللحديث عن تلك المقارنة نحتاج حوار أخر مطول غير هذا أثبت فيه علميا وعمليا صحة ما زعمته وذهبت إليه، امتازت سوريا وأخص منها حلب ودمشق بفن الموشحات وصناعتها ويعود الفضل في ذلك للمرحوم الشيخ أحمد أبو خليل القباني الدمشقي حيث كان علما من أعلام الفن والموشحات والمقامات والإيقاعات وقد درسها وعلمها في مصر وكان من تلامذته العالم الموسيقي الأديب المؤلف الملحن كامل أفندي الخلعي وكان قد ذكر تقريظا له ونعيا في كتابه الموسيقي الشرقي واعتبره أستاذ الشرق الأوسط في فن الموشحات وصناعتها وأما في حلب فيعود الفضل للمرحوم الشيخ راقص الايقاع وأستاذ صنعة تلحين الموشحات عمر البطش الحلبي وألحانه تتفوق بالجودة والإحساس وكمقام وكموازين إيقاعية على نده الشيخ أحمد أبو خليل القباني والموسيقيون الأتراك أيضا تأثروا بالفن والموسيقى العربية ويوجد نماذج لغنائهم وعزفهم لها.
– هل الأستاذ محمد علي بحري راض عن الحال الذي آلت إليه الموسيقى العربية؟ وما تقييمه للوضع الراهن؟ وما هي نظرته للمستقبل؟ هل هي نظرة تفاؤل؟ وهل من سبيل للنهضة وللانتعاش من جديد؟
سأكون صريحا معك كعادتي وأبوح بالحقيقة حتى ولو كانت مؤلمة:
وضع الموسيقى العربية الحالي وفي كل البلدان والأمصار وضع متردي جدا وفي بعضه ما هو منحط ويصل للقاع والحضيض، حيث تعم موسيقانا وأغانينا وعازفينا ومغنيينا الفوضى العارمة والجهل الفني الفاضح وفقدان بوصلة الهوية العربية العريقة ونحن الأن نسير في صحراء قاحلة من الضياع والتيه بالرغم من توفر كل شيء وسهولة الحصول على العلم بواسطة الالكترونيات وشبكات النت والبرامج والفيديوهات وخدمات العلم العصرية المتوفرة ولكن كل ذلك وبرأيي لم ينتشلنا من هوة الضياع، أصبحنا نفتقد بصورة عامة لملحن قوي عظيم متين عميق مبدع كما كان وجوده متوفرا بكثرة في القدماء، أصبحنا لا نرى عازفا عربيا يحمل في تقاسيمه وعروضه وتقدماته هوية محددة مبنية على العلم والاحساس والعمق .. بل عازفا هجينا كل غرضه اللعب على الألة واستعراض عضلاته ببعض مهارات التكنيك التي أحيانا تضر أكثر مما تنفع، القليل من التكنيك جميل ومحبب ولكن الكثير منه يفقد الهوية والشخصية الموسيقية الشرقية الكلاسيكية ويضيع شخصية اللحن، أصبحت تسمع أصواتا يملؤها أصحابها بعرب صوتية اصطناعية متكلف فيها ويوردونها في كل جملة وعلامة موسيقية حتى فقد اللحن قيمته والسمع لذته وغدوت تسمع لعبا كلعب الصبيان ولهوا موسيقيا يشبه الهذيان لا يعتمد على وجود الفكر اللحني وفلسفته أو بصم الشعور ودفقات الانفعال النفسي إنما تسمع جملا لحنية صاعدة وهابطة لا تلوي على شيء ولا تتوقع فيها شيء مجرد طنطنة وفوضى صاخبة يسمونها موسيقى، أيضا من أسباب تردي الموسيقى عندنا هو وجود الفرق الموسيقية التي ساهمت في تلويث الجمل اللحنية الشرقية الأصلية وتقديم الأدوار والموشحات بنمط يتمازج معه الغربي والشرقي وبمزج شاذ ومنحرف كالذي قدمته فرقة الموسيقى العربية من أدوار وموشحات وأساءت لصورهم وتلحينهم غاية الإساءة في تقديم بارد وسمج ومما لا يتقبله أي موسيقي شرقي كلاسيكي أصيل ، ولكن أكبر المشاكل عندنا تكمن في الأساتذة والمعلمين والموسيقيين وفي الفرق الموسيقية لدينا حيث أنك تجد فرقة موسيقية طويلة عريضة تتشح بلقب واسم فني تراثي عظيم حينما تسمعه لا ينتابك أدنى شك أنها فرقة مؤصلة عظيمة التشييد والبناء في مدارس التراث والموروث والكلاسيك ثم تكتشف أنها خليط وهجين ومذاقتها رديئة جدا وسيئة التقديم والعرض ولا تعرف تاريخا من تاريخ بل تجمع بين النقائض في عروضها لدينا مشاكل كثيرة في موسيقانا الحالية وأهمها مشاكلنا مع المعاهد المفرخة والأساتذة المدرسين والمعلمين والفرق الموسيقية التي تأخذ الشرعية في تقديم عروضها الملوثة بلا وجه حق لكن لا نقطع الأمل بوجود نخبة شباب وإن كانوا قلة لكنهم يسعون نحو الحقاظ على الموروث وتصفية موسيقانا العربية من الشوائب والكدورات.
-أستاذ محمد علي بحري : تناهى لسمعي من أحد الأصدقاء أو ربما قرأت الخبر في مكان ما ، أنك بصدد تأليف منهاج موسيقي متكامل مبني على أسس علمية ويخرج طلابا سواء كانوا مغنيين أو عازفين أو ملحنين وبقوة القدماء وبما ينافسون به الموسيقيين الأتراك وغيرهم، فما حقيقة ما سمعت ؟
نعم هذا صحيح, وما سمعته حضرتك حقيقي، وهو مشروع علمي موسيقي تاريخي عظيم سينفث الروح لو تم إنجازه وتبنته بعض المعاهد الموسيقية الصادقة، وأنا أتعهد وأتكفل بأن يخرج من عباءته موسيقيون ومطربون وملحنون علماء فطاحل، وهذا المشروع الضخم هو عمل مؤسساتي وليس فردي, ولكن من العُدم وشحة الصادقين من أهل الموسيقة والفن والمخلصين أحاول انجازه بنفسي وقد بذلت مؤخرا جهدا عظيما في تعلم التدوين الموسيقي والنوطة ولوحدي واستطعت تحقيق ذلك وبدأت في تدوين وتنويط الألحان بنفسي فقد كنت أعاني كثيرا حينما أطلب من الموسيقي الفلاني الذي يدعي الإخلاص للفن أن يقوم بتنويط وصلات الموشحات النادرة تلك فكان يتأفف وغيره يتذمر والأخر يتهرب، وأكثرهم يعلن أنه لا يعمل من غير مقابل مادي ومال وقد استأت كثيرا من أحوالهم وأقوالهم مما حدا بي لأن أشمر عن ساعد الجد بعزم لا يلين وهمة كالصخر و إرادة عالية فشرعت في تعلم النوطة وتدوين الألحان وخلال 3 ايام من السهر والحفظ والتعب نوطت أول موشح لي وهو موشح ورد الخد يسبيني” مقام زاويل ” ايقاعه الدور كبير 28 على 4 وهو من الألحان الطويلة ثم أتبعته بموشحات أخرى، أعود للحديث عن المشروع والذي يتلخص فيما يلي:
هو عبارة عن 12 مجلدا يضم بين ثناياه 120 مقاما موسيقيا, في كل مجلد شرح وتفصيل 10 مقامات موسيقية مع ذكر أوزانها وشرح مقاماتها وذكر ما لحن عليها من الموشحات العربية وطبعا كلهم مكتوبون بالنوطة الموسيقية وسينزل مع كل جزء اسطوانة إلكترونية تحتوي على تسجيل لكل تلك الألحان وقد شرعت في الجزء الأول منه وقد ضم بين دفتيه 10 مقامات مع نماذجها التلحينية وهي:
1- مقام الجانفزا، ويضم شرح موسيقي للمقام مع عزف سلمه ودائرة عمله وتبيان جميع عقوده وأجناسه ثم وجود بشرف وسماعي من مقام الجانفزا و4موشحات من مقام الجانفزا.
2- مقام الدلكش حوران، ويتم أيضا شرح مفصل مطول للمقام بشرح علمي وموسيقي ثم بشرف الدلكش حوران وسماعي الدلكش حوران و6 موشحات من مقام الدلكش حوران وطقطوقتين على نفس المقام وطبعا مع تسجيلاتهم نوطة وغناء.
3- مقام الزاويل، ويشمل شرح مفصل له مع بشرف وسماعي و4 موشحات وتسجيلاتهم.
4- مقام الشد عربان، شرح للمقام مع بشرف وسماعي و5 موشحات مع نوطهم وتسجيلاتهم.
5- مقام الشوق أفزا، شرح للمقام ثم بشرف وسماعي من الشوق افزا و6 موشحات وطقطوقة مع نوطهم وتسجيلاتهم.
6- مقام الطاهر بوسلك، أيضا شرح للمقام مع بشرف وسماعي الطاهر بوسلك ثم سبعة موشحات وطقطوقة ونوطهم وتسجيلاتهم.
7- مقام العجم بوسلك، مع شرح تفصيلي للمقام وبشرف وسماعي العجم بوسلك ثم 8 موشحات على المقام مع نوطهم وتسجيلاتهم.
8- مقام العجم كردي و شرح للمقام مع بشرف وسماعي و 6 موشحات مع نوطهم وتسجيلاتهم.
9- مقام الفرحفزا، مع شرح للمقام وسماعي وبشرف و8 موشحات على مقام الفرحفزا مع نوطهم وتسجيلاتهم.
10- مقام المستعار، مع شرح وافي للمقام مع بشرف وسماعي المستعار و8 موشحات وطقطوفة مع نوطهم وتسجيلاتهم.
وتلك محتويات الجزء الأول, وقد أنجزت منه نسبة 80% والحمد لله، ويبقى أمامي 11 جزء كل جزء سيضم 10 مقامات موسيقية أتناولها بمثل ما تناولته في الجزء الأول تماما ولكن لا أظن أني سأستطيع انجاز هذا المشروع الضخم وأعتقد بأني سأموت قبل إنجازه وأحاول الإسراع بالإنجاز قدر ما أستطيع قبل أن يوافيني الأجل وأرحل عن هذه الدنيا.
– بارك الله في عمرك أستاذ محمد وأمدك بالصحة والعافية وإن شاء الله ستكمل ما بدأته على خير، وأخيرا هل من أحد تعرفه يعمل لوحده أو معك بجد وإخلاص في خدمة الموسيقى الشرقية؟ أم أنك وحيد في الساحة ؟ وبماذا تنصح الشاب الذي يفكر في امتهان الفن ومزاولته كي يصل لمرحلة الإبداع فيه والتميز والتفرد ؟
بلا شك هناك أناس يعملون بالخفاء أو بالجهر منهم من أعرفه ومنهم من لا أعرفه لكن حتما هناك أناس مخلصون لا تفنى من وجودهم الأرض، وممن أعرفهم ممن يخدمون الفن الموسيقي ويجتهد ويعلم ويضع البذور في النشء والجيل وقدم الكثير من التسجيلات والأرشفة القيمة لبشارف وسماعيات وموشحات وعلى مقامات نادرة ويعلم النشء والطلاب النوتة الموسيقية ويدربهم على عزف الموشحات الصعبة والبشارف والسماعيات حتى تترسخ في نفوسهم وتتبرعم في حناياهم وتبقى لهم خير واعظ ومذكر إن كبروا وانطلقوا في دنيا الفن هو صديقي الفنان عازف الكمان والعود الموسيقي الملحن عبد الباسط بكار وهو من حلب وعمره ينوف عن الستين سنة ولكن همته عالية جدا بأقوى من همة الشباب ويواصل الليل والنهار في العلم والتعليم والبروفات والتسجيل والأرشفة وبالرغم من كل الأهوال والمصاعب وظروف الحرب القاسية في سوريا وحلب وانتشار الغلاء والبلاء وانقطاع الماء والكهرباء بسبب ظروف الحرب المشؤومة على سوريا الحبيبة لكنه يعمل هو والطلاب ويواصلون الليل والنهار صابرين عاملين مجدين لا تفتر عزائمهم ولا تنثني إراداتهم وأذكر تسجيلا ما زال بحوزتي كان الأستاذ عبد الباسط يسمعنى نوطة لأحد الألحان على الكمان وأصوات القذائف والرصاص من حوله قد تسجلت مع العزف وكان يعزف ولا يبالي ويقول لي: سأبقى أعمل وأدون وأعزف حتى أخر نفس لي ولن أنثني مهما أحاطت بي قذائف الحرب ورصاصات الموت ولم أقابل في حياتي مثله موسيقيا مجدا نشيطا عاملا خادما للفن لا يكل ولا يمل ولا ينثني ولا يلين أعطاه الله الصحة والعافية وهو الأن بصدد توثيق فصل كامل مدته 35 دقيقة على مقام المستعار عزفا وغناء وتدوينا وتسجيلا، وأما الشخص الثاني الذي أعرفه فهو الشاب الفنان المجد المخلص محمود إسماعيل حمداش وأعتبره أكثر فنان حالي يعيش في حلب وثق وحفظ وسجل موشحات صعبة الجمل عسيرة الحفظ أوزانها كبيرة ومقاماتها نادرة وتحتاج إلى جهد جبار لكل من أراد أن يحفظها وقد حفظها جميعا ووثقها وسجلها وهي موجودة بصوته على اليوتيوب يمكن أنها بلغت 60 موشحا وعملا لكن لم أحصها حقيقة وهو يحفظ باعتقادي قرابة 300 موشح مع أوزانهم ومقاماتهم ما بين أندلسي وديني هذا الى جانب صوته الإذاعي الجميل والمتمكن والمتناغم المتلائم لغناء وتوثيق الموشحات وهو ما زال يحفظ ويعمل بلا هوادة أو تباطؤ ويلتهم أي شيء أرسله له كحوت بحر كبير وأخر حفظه كان لموشح يا حمام الروض غني – مقام حجاز – إيقاعه الفتح 176 على 4 وهو أضخم ميزان ايقاعي وأكبرهم والموشح المبني عليه طويل جدا وصعب الحفظ ولكنه لا يقف شيء أمامه مهما كان عويصل ومشكلا وهذا بفضل إخلاصه وعشقه للفن وأعتبره أكثر فنان روى ووثق موشحات وألحانا لي وفقه الله وأعلى شأنه.
وهناك الفنان الفريد طارق بشير فهو ممن يخدمون رسالة الفن الأصيل لعلمه وفنه وصوته العذب الجميل وعزفه الساحر البديع وهو من أفراد المدارس الموسيقية الكلاسيك بل وأساطينها الحاليين، وهناك فنانون حلبيون يعملون بجد وصمت ويسيرون في طريق العلم والفن الصحيح ولكنهم ندرة وقلة أذكر منهم الأستاذ الفنان الشاب خالد الحافظ وأعتبره أهم وأقوى مؤرشف للموشحات والألحان القديمة وصاحب أنقى صوت وأكمل أداء وبما يزاحم به عمالقة الغناء من الحلبيين القدماء كالمرحوم مصطفى ماهر والمرحوم محمد خيري، فهو يؤدي الموشح بطريقته الكاملة ضمن مدارس الكلاسيك وغناؤه راق جدا ويطربني أداؤه وأحترمه جدا كمغني وكفنان وأتمنى له الوصول لأعلى ذرى الجاهات والمكانات الفنية لأنه بحق جدير بها، وأعماله موجودة على اليوتيوب لمن أحب متابعته وحتما سيستفيد من طريقة إلقائه للألحان ويتعلم من أسلوب غنائه البديع الفريد وهو لا يغني إلا الموشحات والأدوار والليالي والقصائد وضمن مشارب الكلاسيك حصرا.
أما عن الشق الثاني من السؤال، فأنصح أي شاب أو فنان بما يلي:
أولا: أن يبدأ بتعلم الأوزان الإيقاعية إما عند أستاذ محترف وعالم وليس مجرد موسيقي معلم نصف علمه مغلوط وهو لا يجيد ممارسة وغناء الموشحات بل ينتبه إلى الأستاذ المعلم الذي سيذهب إليه.
وإن كان هذا الشاب ذو همة علية وممن يعشق الفن ويخلص فيه فيمكنه أن يتعلم من دروس الإيقاعات المرئية منها والمسموعة والموجود الكثير منها على اليوتيوب، ويجب أن يحفظ 50 إيقاعا على الأقل ولن أقول 60 وطبعا مع نماذجهم التلحينية .
ثانيا: أن يسارع في حفظ الموشحات القديمة وأن يمتلك منها على أقل تقدير 200 موشح كما حدده الخلعي في كتابه مع أسماء ملحنيهم ومعرفة مقام كل موشح منهم.
ثالثا: بعد أن ينتهي من الحفظ يشرع في تعلم المقامات الموسيقية إما من الكتب أو من أستاذ خبير صادق ولكنهم قلة فيجب أن ينتبه حتى لا يهدر وقته وعمره وماله.
يمكنه قبل تلك الشروط الانتساب لمعهد موسيقي يتعلم فيع فقط أصول قراءة النوطة الموسيقية وتدوينها والصولفيج الغنائي وأن يتعلم العزف على أي آلة موسيقية يعشقها والعود أسهل الآلات تعلما.
وإن أراد أن يعلم نفسه بنفسه كما فعلت أنا ذلك، ولكن هذا سيستغرق منه جهودا مضنية مضاعفة وعمرا ووقتا طويلا ولذا فالافضل له الانتساب إلى معهد يعلمه النوطة الموسيقية ومبادئ العزف على الالة ثم يترك المعهد ويبدأ ببناء نفسه بنفسه وتكنولوجيا العصر تساعد على ذلك.
خامسا : يجب أن يبحث ويعرف ماذا يجب عليه أن يسمع ولأي فنان يتابعه ويتقصى فنه وآثاره ومعرفة هذا تحتاج إلى خبير يدله على النقي الصافي والدسم الجيد ويجنبه المشوب بكدوره والمهجن والفاسد وهو كثير جدا
حتى يصفو مزاجه وينقى طبعه وتعذب مشاربه وهذا هام جدا جدا.
كما أنصحه بالاطلاع على جميع البشارف والسماعيات وعلى الأقل 200 عمل ما بين بشرف وسماعي ومعرفة مقاماتهم وملحنيهم وكذلك الأدوار المصرية القديمة ومعرفة مقاماتهم وملحنيهم وأن يعود سمعه وطبعه وأذنه على سماعي مغني ومشايخ أهل الاسطوانات القديمة وأنصحه بالسماع طويلا للشيخ مصطفى اسماعيل والمنشاوي فهما مما يساهمان بقوة في صياغة شخصية الفنان، وأكتفي بهذا القدر.
الشكر الوافي الوافر لك أستاذ محمد علي بحري لإتاحة وقتك الثمين لنا وللقراء وقد استمتعنا كثيرا بهذا الحوار الفني الجميل معك فشكرا لك جزيلا.
– العفو منكم الله يبارك فيكم وأنا خادم لكل أبناء الفن الطيبين وأختم الحديث معكم بقولي أن الفن هو رسالة سماوية مقدسة ينبغي أن تخرج من أفواه ملائكة لا من أفواه شياطين وشكرا لكم ونراكم بخير دوما.
وهكذا أحبتي القراء انتهينا من هذا الحوار الممتع والثري مع الأستاذ الموسيقي الكبير محمد علي بحري حول فن الموشح وحول الإيقاعات المختلفة، أشكركم في نهاية الحوار على حسن المتابعة، ودمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال