مدينتا العسكر والقطائع .. ثنائية عواصم مصر المندثرة التي لم يبق منها سوى مسجد
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
قبل أن يبني جوهر الصقلي القاهرة، كان في مصر ثلاث عواصم، واحدة منها مشهورة وهي الفسطاط، أما الاثنتين فهما العسكر والقطائع ولم يبقى منهما شيء سوى جامع.
العسكر والقطائع .. حين تتأسس عاصمة مصر بالهرب
بدأت قصة مدينة العسكر عندما هُزِم مروان الثاني “آخر الخلفاء الأمويين” هزيمة ساحقة على يد العباسيين في معركة “الزاب” بالقرب من مدينة الموصل؛ لم يكن لمروان الثاني سوى الفرار لاستعادة ملكه المسلوب فقرر أن يتجه نحو دمشق ثم يلجأ إلى مصر، ويتخذ منها قاعدة لمهاجمة العباسيين، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فمحاولته بائت بالفشل وذلك بعد أن وقع في قبضة القائدين العباسيين أبا عون وصالح بن علي في قرية أبو صير وهي الآن قرية تابعة لمركز البدرشين في محافظة الجيزة، وبذلك انقطع آخر خيط في نسيج دولة الأمويين.
قام بعدها العباسيين بتغيرات جذرية لمحو كل ما هو أموي، فقاموا بنقل مقر الخلافة من دمشق لارتباطها بذكر الأمويين، حيث شيدوا مقر جديدًا في بغداد، وليس ذلك فقط بل شرع القائدان أبو عون وصالح بن علي في بناء عاصمة جديدة في مصر بديلة للفسطاط، وسمياها “العسكر”، والسبب في اختيار ذلك الاسم، لأن الجنود عسكرت فيها أثناء مطارتهما لمروان الثاني.
وصف المقريزي في خططه تكوين مدينة العسكر الجزء الثاني صفحة 89 “أنها كانت تمتد بمحاذاة الشاطئ الشرقي للنيل، ويحدها من الجنوب قناطر مجرى العيون وشمالا شارع مراسينا إلى ميدان السيدة زينب”.
ذكر شحاتة عيسى إبراهيم في كتابه “القاهرة” أن أبو عون أمر أصحابه بالبناء فيها، وشيد صالح بن علي دارًا للإمارة، كما شيد الفضل بن صالح بن علي مسجدًا جامعًا عرف بجامع العسكر، واستمر البناء والعمارة حتى اتصلت المباني بالفسطاط، وأصبحت العسكر مدينة ذات محال وأسواق ودور عظيمة.
في سياق العسكر والقطائع .. أحمد بن طولون يبني الخرائب
استمرت العسكر حاضرة مصر ومركزها الإداريّ طوال العصر العباسي، إلى أن قدم أحمد بن طولون مصر سنة 254هـ فزالت بقدومه، وكان ذلك عندما رأى أن العسكر لا تتسع لجنده وحاشيته، فعزم على تشييد عاصمة أخرى تنافس مقر عاصمة الدولة العباسية (سُــَّر من رأى) “سامراء”، التي ولد فيها وفتن بجمالها ورحابة ميادينها ومساجدها، ولإقامة العاصمة المرجوة قام باقتطاع مدينة شغلت حيزا كبيرًا من العسكر بل ودخلت فيها واطلق عليها مدينة “القطائع” وسميت بذلك الاسم لأنه أقطعها قطعًا بين خدمه وحاشيته ورجال دولته، وقام فيها بتشييد القصور والمستشفيات والملاجئ، وأقام مسجده الجامع، وتعد القطائع ثالثة العواصم الإسلامية في مصر.
كانت القطائع تقع شمالي الفسطاط، وموقعها من قبة الهواء التي صار مكانها الآن قلعة الجبل، إلى جامع ابن طولون، وهو طول القطائع، أما عرضها فإنه كان من أول الرميلة من تحت القلعة إلى الموضع الذي يعرف الآن بالأراضي الصفراء عند مشهد الرأس الذي يقال له الآن زين العابدين، وكانت مساحة القطائع ميلا في ميل.
اقرأ أيضًا
“كيف أدت استراتيجية حروب المياه في إنشاء القاهرة “الحلواني لم يبني العاصمة اعتباطًا”
وقد حدد العلامة الأثري المرحوم محمد رمزي هذه المدينة كما يلي “الحد البحري يبدأ من جامع سنجر الجاولي حتى باب العزب بالقلعة، والحد الشرقي سور القلعة من باب العزب حتى جامع السلطان الأشرف قنصوة الغوري عند باب اليسار المعروف الآن بباب الجبل، والحد القبلي ويبدأ من جامع الغوري حتى جامع سيدي علي زين العابدين، والحد الغربي من جامع سيدي علي زين العابدين وينتهي بجامع سنجر الجاولي وتدخلت القطائع في العسكر وشغلت الجزء المعروف الآن بقلعة الكبش وبتلول زينهم”.
أطلق المعز لدين الله الفاطمي اسم الخرائب على مدينة القطائع وذلك في رسالته إلى جوهر الصقلي حيث قال له “لتنزلن خرائب أحمد بن طولون ولتبنين مدينة تقهر الدنيا”.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال