: مذكرات فاطمة رشدي .. كيف أنقذني استيفان روستي من الاختطاف؟ (5)
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في الحلقة الرابعة من مذكرات فاطمة رشدي بخط يدها .. سردنا تفاصيل بدايات التعرّف – على المستوى الإنساني- بين فاطمة رشدي والمبدع عزيز عيد ، وكيف سرد له تفاصيل كفاحه مع الفن وتنقله بين الفرق المسرحية لكي يحقق ذاته فنيًا، وكيف بدأت بوادر الود والحب بينهما ، وانتهت الحلقة إلى سفر عزيز عيد إلى إيطاليا للدخول في مفاوضات مع يوسف وهبي والضغط عليه كي يعود إلى مصر ويكونون فرقة مسرحية … اقرأ الحلقة الرابعة كاملة من هنا :
وإليكم الحلقة الخامسة حيث قالت:
بعد سفر عزيز عيد ظللت أعمل في البوسفور حتى عاد الفرسان الثلاثة : عزيز عيد ، ويوسف وهبي، ومختار عثمان ، وشرع يوسف وهبي في تكوين “فرقة رمسيس” ، وبدأت البشائر تحقق أحلام عزيز ، وأولها وجود المال اللازم لوضع أسس وقواعد الفن الأصيل من جميع نواحيه . ولم يكن المال هو العامل الوحيد الذي يسره يوسف وهبي، بل كل هناك أيضًا العنصر القني الذي اضطلع عزيز بدور كبير فيه ، فقد أمكنه تنمية القدرات الفنية لجيل من الفنانين قام عزيز بتدريبه خير تدريب . ذلك الجيل الحديث الذي ما لبث أن تذوق معنى الفن على يد صناع الأبطال والبطلات وعاش فترات الاندماج الخالدة في أدواره التي كان يمارسها بشكل طبيعي في كل كلمة ، وكل لفتة ، وكل حركة، بل كل خطوة.
وعرض عزيز عليّ العمل في فرقة رمسيس الجديدة ، فقبلت دون تردد. وبدأت صلتي الروحية بالمسرح ، وبهرني ما شاهدته فيه من حركة دائبة ، أو مناظر مختلفة ، وأضواء متغيرة ، كانت كلها جديدة في نظري . . . ورأيت أعجب من هذا كله . رأيت عزيزًا ملك في هذه المملكة يقوم بتدريب الممثلين على الإلقاء والحركة والأداء ، ويصمم المناظر وينتقي الملابس وينظم الإضاءة ويرتب ويشرف على لجان التأليف والترجمة.
وجاء الموعد المنشود .. ورفعت فرقة رمسيس أول ستار لها عن أول أعمالها في حياتها، في مساء يوم 10 مارس من عام 1923 ، ومن قبله بشهرين كانت تُعقد حلقات “البروفات” لرواية الافتتاح “المجنون” وغيرها ، مما سيعقبها من الروايات ، وكان الممثلون والممثلات مقبلين على التدريب على تمثيل أدوارهم بحماسة وتفانٍ كانا مضرب المثل ، وحديث الفنانين أجمعين .
أما أنا وسط هذا الزحام ، زحام البروفات والتدريبات ، فكنت نائشة ، لا يعهد إليّ إلا بأدوار صغيرة ، لا تتجاوز كلماتها سطرين أو ثلاثة أسطر على الأكثر ، ولكن كان أهم أدواري في تلك الحقبة ، أدوار صبيان في مثل سني – وكنت قد بلغت الثالثة عشر وقتها – فلعبت دور “توبى” في رواية “الذهب” لتشارلز ديكنز ، ولهذا كان لديّ الكثير من الفراغ في وقتي ، قبل مواعيد التدريبات وبعدها ، فماذا أصنع بهذا الفراغ كله؟
كنت آنذاك مغرمة بتقليد الممثلة السينمائية الأمريكية (بيرل وايت) في أدوارها المتسمة بالشجاعة والقوة والفتونة، وكان أحمد علام ومختار عثمان يساعدانني على تقليد هذه الممثلة، فيطاردانني وأطاردهم بيم الكواليس على خشبة المسرح قبل أن تبدأ البروفات
وإذ كان للمسرح حرمته واحترامه ، وقد ضاق بإشباع رغبتي في تقليدي الممثلة الشجاعة الفتية، فليس للطريق حرمة واحترام ، ولن يضيق برغبتي وبهوايتي ، فاتخذنا – أنا وأحمد علام ومختار عثمان- من شارع عماد الدين مسرحًا لهذه المطاردة البريئة ، وكان كل منّا يتخذ من (المترو) ساترًا يحميه من مطاردة غريمه ، بعد أن استأجرت حصانًا أنهب به أرض الشارع حتى استرعينا أنظار السكان والمارة، أو على الأصح استرعت أنوثتي المبكرة ومرحي الفائق هذا ، أنظار كثيرين ، وأنا عنهم لاهية عابثة، حتى لقد أغرم بي يومئذ اثنان من أعرق الأسر المصرية وأشهرها ، أما أحدهما فقد حاول اختطافي في أثناء انصرافي إلى منزلي في آخر الليل ، بعد تهديدي بمسدس كان يحمله في غدوة ورواحه مستعينًا بعملاقين من البلطجية ، فصرخت ، وسمع صرختي زميلي استيفان روستي الذي كان قريبًا من مكان الحادث ، فحاول إنقاذي منهم ، وشاركه في إنقاذي عزيز عيد بعد أن أفهم ذلك العاشق المغامر أنني مازلت طفله ، وأنني لا أصلح للزواج بعد ، وأن بيت الزوجية بالنسبة لي شئ غامض لا أستطيع تقديره حق قدره ، وأن مستقبلي على خشبة المسرح لا في ذلك البيت أكون قعيدته ، وأنا مازلت طفلة . . وبعد جدل كثير عنيف انصرف عني، ولوى عنانه إلى أخرى تكبرني سنًا وتصغرني جمالًا وجسمًا وأنوثة . . . أما الثاني فهو مشهور أغرم بي غرامًا عنيفًا ، وعؤض على أمي صداقًا قدره أربعة آلاف جنية ورحلة إلى سويسرا أتعلم ما فاتني تعلمه في مصر من لغات وعلوم حديثة ولغات .
إنه مغرم لا يدري شيئًا عمن أغرم بها، ولكنه الحب يعمي ويصم ، إنه لا يحب فيّ إلا الأنوثة الصارخة التي نضجت مبكرة، وإلا جمالا يفوق جمال كثيرات من مثيلاتي ، فهو يعرض العرض السخي، ويبذل ما شاء من الأماني ليفوز بي ، وليكن بعد ذلك ما يكون ..
وتدخل عزيز مرة أخرى ، فغرب الشاب الثري من حياتي، ليعلق فرنسية علاقة هوى وعشق لم تدم ، فقد أنهتها المعشوقة بمسدسها أطلقته عليها فخرّ صريعًا ، وصمت إلى الأبد عن بث الوجد والهيام . ولكن أكان تدخل عزيز لحمايتي من حماقة هذين العاشقين الغنيين ؟
أم كان حماية لحبه الصامت الدفين بين ضلوعه ، الذي لا تواته الجرأة على أن يبوح به إليّ، محاذرًا أن يفصح عنه ، مراعيًا الفارق الكبير بين عمري وعمره ، أم كان حماية للفن كما قال ؟
- انتظروا الحلقة السادسة من مذكرات فاطمة رشدي بخط يدها .. حصريًا على “الميزان”
اقرأ ايضا
ماذا قالت سناء جميل عن يوسف شاهين ؟ .. بجح وغير محترم
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال