مسلسل الحشاشين.. ومُعضلة العصمة
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في مسلسل الحشاشين شوفنا الإمام الغزالي بيقول: إن الوحي انقطع بعد نزوله على “المعصوم” خاتم الأنبياء والمرسلين.
فهل النبي فعلًا كان معصوم؟ ولو كان معصوم.. فهل العصمة حِكر عليه ولا لكل الأنبيا؟
سؤالين حصل حواليهم جدل كبير، ناس جاوبت بالإيجاب على السؤالين وناس جاوبت بالنفي برضه ع الأتنين وناس حاولت تمسك العصاية من النص، سؤالين هحاول أفكر فيه بالعقل وبالأدلة المتاحة.
مفهوم العصمة
هي لطفٌ من الله يحمِلُ النبيَّ على فعل الخير، ويزجره عن الشر، مع بقاءِ الاختيار، تحقيقاً للابتلاء.
وقيل: هي حفظُ اللهِ أنبياءَه ورسلَه من النقائص، وتحقيقهم بالكمالات النفسية، والنصرة والثبات في الأمور، وإنزال السكينة.
وقيل: هي ملكةٌ إلهية تمنعُ الإنسانَ من فعل المعصيةِ والميلِ إليها مع القدرةِ عليها.
وقد ذهبَ بعضُهم إلى أنها خاصيةٌ في نفس الشخص أو في بدنه، يمتنعُ بسببها صدورُ الذنب عنه.
موقع إسلام أون لاين
المعسكر الشيعي عنده حالة إسهاب في منح العصمة، والأمر واصل معاهم لآل البيت والأئمة “وأخرون”.
فموضوعنا عن مفهوم المعسكر السُني عن عصمة الأنبيا، وبعد ما عرفنا مفهوم العصمة محتاجين كمان نفهم مدى أهميته عند الكهنوت السُني؛ أو همه شايفينه إزاي؟
تصريحات الإمام الأكبر
يونيو 2016 الشيخ أحمد الطيب أتكلم عن مسألة عصمة الأنبيا، موقع المصري اليوم نشر جانب من كلام الإمام الأكبر تحت عنوان؛ شيخ الأزهر: لقولُ بعِصمَة غير الأنبياء يَهدِمُ النُّبُوَّة.. وإجماع الأمة معصوم من الخطأ، من خلاله نقدر نعرف رؤية أحد أهم قلاع المعسكر السني في العالم والأهم في مصر لسؤال عصمة الأنبيا.
يعني باختصار، الأنبيا معصومين من الخطأ، ولولا إنهم معصومين ماكنوش هيتصدقوا، ومن غير عصمة الأنبيا الدين يتهدم.
خريطة الموضوع
هنقسم أركان أو أنواع العصمة زي ما هي شايعة عند أهل السنة لنقط، وهنعرض كلامهم قصاد نصوص قرآنية من اللي بتحكي قصص الأنبيا والمرسلين.
المعاصي
المعصية هي عدم الألتزام بأوامر الله، لكن في أمور أقل من الكبائر.
الكبائر كما وردت في الصحيحين، أن النبي قال: “اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا، يا رسول الله؛ وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”.
في رأي بعض الفقهاء والمشايخ الأنبيا معصومين من المعاصي، وده كلام مخالف لكتير من آيات القرآن، منها مثلًا: فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ{طه-121}
الملفت إن دي الخطيئة الأولى اللي على أساسها بيبني الدين رؤيته للوجود، أو المحرك الرئيسي للدراما في السردية الإسلامية لتفسير الحياة.
الكبائر
سبق وعرفنا الكبائر، والمعروفين بالسَبِّع الموبِقات. فهل مافيش رسول أو نبي وقع في واحدة من السبعة دول؟
حسب النص القرآني الكلام ده مش دقيق، فالآية خمستاشر من سورة القصص بتقول: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ. {القصص-15}
التبليغ
العصمة في التبليغ زي ما شوفتوا في المراجع أمر متفق عليه وبيتم التعامل مع بوصفه بديهيات، بس هل ده تمام؟ ولا القرآن بيقول كلام مختلف عن كده؟
عملية التبليغ عن الله يندرج تحتها: انتظار أوامر الله، الالتزام بيها، الدقة في توصيل الوحي.
بالنسبة لانتظار أوامر الله، فقصة النبي يونس زي ما وردت في القرآن والتفاسير، بتقول إنه زِهق من قومه وعدم تصديقهم.. فسابهم ومشي، منه لنفسه بدون أمر إلهي.. فغضب الله عليه وعاقبه بواقعة الحوت.
الالتزام بالأمر الإلهي، سبق وذكرنا عدم ألتزام آدم بنهي الله عن الأكل من الشجرة المحرمة، يبقى كده مش فاضل غير الدقة في توصيل الوحي.
فهناخد نموذجين من المواقف تخص الوحي الإلهي على أتنين من رسله أولي العزم.
موسى والألواح
السردية الإسلامية لقصة موسى بتذكر بشكل قاطع إنه بعد خروجه بقومه من مصر، ساب بني إسرائيل في الوادي وطِلِع الجبل، وفوق إتأخر شوية على ما نزل تاني وهو معاه تعاليم الرب مكتوبة على ألواح من الحجر، بس لما نزل لقاهم سيحوا الدهب اللي سرقوه من مصر وعملوه عجل وبيعبدوه.
فأتنرفز عليهم “ورمى الألواح في الأرض” وجرجر أخوه “هارون” من شعره، يلومه على إزاي ساب الناس توصل للمستوى ده من الضلال.
والقصة مذكورة في القرآن بالشكل ده:
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ * وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ. {الأعراف-150/154}
من الآيات هنعرف إن موسى في لحظة نرفزة “رمى الألواح” في الأرض، وفي التفاسير هنلاقي آراء بتقول إن الألواح دي أتكسرت، والنبي موسى صام أربعين يوم كفارة عن اللي عمله، فأعيدت له مرة تانية لكن في لوحين فقط أو رُفِع منهم لوحين. والرآي ده تحديدًا ذكره ابن عباس “الملقب عند السلفيين بـ حِبّر الأمة”.
محمد والغرانيق
تقول الرواية المختلف عليها إن النبي كان يقرأ القرآن علنا في مكة، تحديدا سورة النجم، ومع بداية الآية 19 حصل أمر جلل اختلف الفقهاء في تحديد موقفهم منه.
الرواية بتقول إن كل الحضور سمعوا النبي بيقول: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ * تِلْكَ الغرانيق العُلى * إِن شفاعتهن لتُرتَجىٰ.
فيه فريق من الشيوخ والفقهاء بينكر وقوع الحادثة دي من الأساس، وفريق تاني بيقول إنها حصلت وبيوضح حصلت إزاي، الفريق بتاع حصلت بيتقسم على نفسه في التوضيح، بيقولوا إن الشيطان هو اللي قال أخر آيتين.
بس فريق منهم بيقول إن الشيطان قلِد صوت الوحي فأختلط الأمر على النبي وقرا وراه فاكره الوحي، والفريق التاني بيقول إن الشيطان قلِد صوت النبي فخدع السامعين.
في محاولة لتقليل الاختلافات بين الآراء؛ أو الوصول لرأي أقرب للحقيقة، تعالوا نشوف دليل قرآني على صحة الواقعة. بالرجوع لسورة الحج هنلاقي آية بتقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. {الحج-52}
وإذا رجعنا للتفسير أو لأسباب النزول هنلاقي -في الحالتين- حكاية الغرانيق بتظهر، ويتقال إنها هي المقصودة بالآية دي.
بالتالي فالأرجح إن الواقعة تمت، ثم الآية الشيطانية نُسِخت بالآية الربانية السليمة، أو في أقل تقدير يوجد فريق من الفقهاء بيقول ده، وفي كل الأحوال عندنا الفقرة اللي فاتت النبي موسى كسر الألواح وصام كفارة عن خطأه.
خطأ فلسفة العصمة
الدفاع المستميت من غالبية الفقهاء عن “عصمة الأنبيا” رغم تعارضها مع كتير من آيات القرآن، زي ما شوفنا، سببه هو الرؤية العجيبة، اللي وردت في بداية المقال على لسان شيخ الأزهر، بأعتبار عصمة الأنبيا مكون أساسي من مكونات صُلب العقيدة.
وفي رأيي الرؤية دي خاطئة تماما، وكمان مؤذية لفكرة الألوهية نفسها، فالدين بيقدم الإله “الله” بوصفه كُلي العدل والرحمة، ومافيش أي عدل في اختيار أشخاص بشكل عشوائي وعصمتهم من الخطأ فيكون مصيرهم الجنة ونعيمها.. مش لإنهم عملوا أعمال صالحة أكتر أو لإنهم صمدوا قصاد مغريات الحياة ووسوسات الشياطين، إنما لإن الله تدخل ووشال من عندهم أوبشن الخطأ.
يعني بقوا ملايكة.. مش بشر، بعد ما تم حرمانهم من الميزة اللي على أساسها “حسب الدين” أصبح مسؤول عن تصرفاته واختياراته وبالتالي يحاسب عليها، ألا وهي الإرادة. أو الأمانة كما وردت في سورة الأحزاب:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا. {الأحزاب-72}
وده كلام مش بس يتنافى مع كلام القرآن، إنما كمان مع فكرة العدلة الكاملة والمطلقة للإله، يعني مهياش لولاها لتهدم الدين، زي ما قال شيخ الأزهر، إنما هي قنبلة مدفونة في أساسات الدين.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال