همتك نعدل الكفة
155   مشاهدة  

مصر وليبيا في 10 سنوات “كيف نجحت المحروسة في حراسة جارتها الاستراتيجية ؟”

مصر وليبيا


لم يكن العام 2011 هادئًا في مصر وليبيا فمنذ اللحظة الأولى للربيع العربي وحتى العام الجاري، لا زالت مصر حاضرة بقوة في تفاعلات المشهد الليبي؛ لاعتبارات عدة مرتبطة بارتدادات تلك التحولات التي يمكن أن تصعد من التهديدات على أمنها ومصالحها.

اقرأ أيضًا 
بعد فشله في مصر وليبيا .. ورقة المرتزقة السوريين بيد أردوغان لدعم أذربيجان

يشير تقرير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إلى أنه منذ اللحظات الأولى كانت مصر دائمة الانخراط في مسارات الحل وجهود خفض التصعيد بين الأطراف الليبية، ووجهت قطاعًا كبيرًا من جهودها لدعم حفظ سلامة وحفظ وحدة الدولة الوطنية الليبية، فضلًا عن المساعي المصرية لحشد التأييد الدولي نحو موقف إيجابي للتصدي لخطر التنظيمات الإرهابية التي اتجهت نحو تحويل ليبيا إلى قاعدة عمليات لأنشطتها في شمال أفريقيا وجنوب المتوسط. ونتناول في هذا المقال ثوابت الرؤية المصرية للتعامل مع الأزمة الليبية، وكيف طوعت القاهرة أدواتها لدعم التسوية السلمية للصراع المتنامي، بالإضافة إلى محصلة الدور المصري بعد عشرة سنوات من اشتعال الأوضاع في ليبيا.

ملامح التمسك المستمر بثوابت الرؤية المصرية للصراع الليبي

مصر وليبيا

أظهرت الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بالحالة الليبية، وتجلى ذلك الاهتمام في الدور النشط الذي لعبته الدبلوماسية المصرية ومؤسسات الدولة لحفظ ورعاية مصالحها، وهو ما مهد الطريق للأطراف الليبية لتخطي فترات عصيبة هددت بتحولات خطرة على مستقبل ومقدرات الشعب الليبي، ويؤكد ذلك أن مصر كانت وما زالت متمسكة بثوابت رؤيتها لحل الصراع، رغم المشهد الليبي المضطرب والتحولات المتعاقبة التي طرأت على الأوضاع المصرية داخليًا وخارجيًا.

 تضمنت الرؤية المصرية على مجموعة من العناصر الرئيسية أهمها

ـ حفظ وحدة الدولة الوطنية: تبنت الرؤية المصرية اتجاهًا قوامه تحييد تأثيرات الصراع التي من شأنها تعزيز الانقسام والتشظي، ودعت لبناء مسارات للحل يكون أساسها احتفاظ الدولة الليبية بهيكلها الموحد كدولة وطنية غير مقسمة، وعملت على دعم إيجاد تسوية منطلقها تمثيل كافة الليبيين في رسم مستقبلهم، وعدم إقصاء أية فصيل أو مكون اجتماعي أو سياسي وطني، مع التأكيد على رفض أية مشروعات تستهدف تأصيل فكرة الانقسام.

ـ حماية مقدرات الشعب الليبي من الاستنزاف: حرصت القاهرة على حماية ثروات ليبيا من الإهدار والتوظيف السلبي كوقود للصراع الدائر، ونجحت في التنسيق مع البعثة الأممية والمؤسسات الليبية في صياغة مسار تسوية اقتصادي، يرمي إلى إبعاد تفاعلات الصراع عن الاقتصاد الليبي، وإنهاء حالة الانقسام التي طرأت على مؤسساته المالية، وهو ما تكلل بالنجاح مع إعلان توحيد أسعار صرف الدينار وتوحيد الموازنة للعام 2021.

ـ دعم المؤسسات الدستورية الشرعية: التزمت مصر خلال عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي بتوجيه جهودها لدعم وإسناد المؤسسات الليبية الدستورية، وهو ما تجلى في دعمها لمجلس النواب كونه الكيان المنتخب الوحيد منذ عام 2014، بالإضافة لحكومة الوفاق الوطني كمخرج رئيس للاتفاق السياسي (عام 2015)، وهو ما ساهم في اختراق الجمود السياسي الممتد لسنوات، بنمط حاز دعم وتثمين العديد من الدول الداعمة لاستقرار ليبيا وحل الصراع، وأرسى قواعد التسوية الشاملة للأزمة.

ـ عدم تحول ليبيا إلى قاعدة لتمركز التنظيمات الإرهابية والجريمة المنظمة: ركزت التحركات المصرية على قطع الطريق أمام توظيف التنظيمات الإرهابية والإجرامية للسيولة الأمنية والأزمة المتجددة في ليبيا لاتخاذها كقاعدة للتمدد والانتشار في شمال افريقيا ودول الساحل والصحراء وأوروبا، ودعمت مصر في ذلك الجيش الوطني الليبي، كما استهدفت بضربات جوية معاقل تنظيم داعش في مدن الساحل الشرقي الليبي، وكثفت من جهودها لضبط الحدود.

ـ وقف الدور الخارجي المزعزع للاستقرار: لعبت القاهرة دورًا حاسمًا لوقف الأنشطة العبثية الخارجية لاستغلال المشهد الليبي في انتهاك سيادة الدولة المأزومة، وكان مؤتمر برلين أحد فصول هذا الدور حين تم إدانة نقل تركيا للمرتزقة والعناصر الإرهابية إلى ليبيا، وتجلى ذلك عندما رسمت مصر الخط الأحمر (سرت-الجفرة) الذي أنهى العمليات العسكرية بالمنطقة الغربية، وبدد الأطماع التركية في السيطرة على مناطق الهلال النفطي، وقاد لتفعيل عملية السلام.

أهمية أن تكون التسوية ليبية – ليبية: تمسكت مصر بأن تكون مساعي الحل نابعة من الأطراف والمؤسسات الليبية، وألا يتم فرض خارطة طريق عليها؛ لتلافي السقوط في حالة من الانفصال عن واقع المجتمع الليبي، واستضافت القاهرة في هذا الإطار وفودًا ممثلة للقوى الاجتماعية كالقبائل والمجالس الاجتماعية الليبية، ومؤسسات كالبرلمان الليبي والجيش الوطني وحكومة الوفاق، وهو ما عزز من تمسك الليبيون برؤيتها للحل كأساس مستدام للتسوية الشاملة.

الجهود مصرية على التسوية الشاملة

مصر وليبيا

استمرت جهود القاهرة لرعاية التسوية الليبية والتصدي للمخاطر العاصفة بكيان الدولة الوطنية دون انقطاع على مدار السنوات العشر الماضية، ورغم حالة الانشغال بتطورات الداخل المصري في بعض الفترات، إلا أن مؤسسات الدولة المصرية ظلت حريصة على الانخراط بشكل فعال في مسارات الأزمة الليبية وتطوراتها.

وفي هذا السياق كان لنجاح القاهرة في إسقاط نظام جماعة الإخوان الإرهابية عامل الحسم في تفعيل دورها بشكل مؤثر في المشهد الليبي، والوقوف على الحياد بين المكونات الليبية، والوقوف إلى جانب المؤسسات الوطنية الهادفة للقضاء على خطر التنظيمات الإرهابية. ويمكن الإشارة إلى أكثر الجهود المصرية بروزًا، والتي قادت لتحولات فارقة بالمشهد الليبي

ـ الدفع نحو التسوية السياسية: شاركت القاهرة في كافة المبادرات الرامية للتسوية السياسية للأزمة، كلقاءات باريس الفرنسية (مايو2018)، وباليرمو الإيطالية (نوفمبر2018)، ومؤتمر برلين (يناير2020)، والعديد من الجولات الأخرى، وساهمت في جلوس الأطراف الليبية في عديد من المناسبات للتفاوض والحوار، واستضافت مجموعات ممثلة لكافة التيارات السياسية الفاعلة بالمشهد الليبي (يوليو2016)؛ للوصول إلى أرضية توافقية لحلحة الازمة ووقف الاقتتال. وكان للقاهرة عدة مبادرات أطلقتها على أعلى مستوى، كمبادرتها لتوحيد البرلمان الليبي، وإعلان القاهرة لوقف العمليات العسكرية والشروع بالتسوية السلمية (يوليو2020)، ولعبت اللجنة الوطنية العليا المصرية المختصة بالملف الليبي دورًا مهمًا في هذا الملف.

إقرأ أيضا
الدكتور محمد الجوادي

ـ تعزيز الاستقرار الأمني ووقف العمليات العسكرية: تمسكت مصر بحتمية وقف الأعمال العدائية بين الأطراف الليبية، وأعلنت رفضها للأنشطة المقوضة لجهود التسوية والتي من شأنها تعزيز حالة عدم الاستقرار بالبلاد، وفي مقدمتها عمليات نقل المرتزقة والتنظيمات الإرهابية إلى الغرب الليبي. وساهمت الدولة المصرية في تحسين الاستجابة الأمنية للتهديدات المتصاعدة في ليبيا، فمع سيطرة التنظيمات الإرهابية على بعض المناطق الليبية ساعد التعاون الأمني المصري الليبي وتبادل المعلومات في القضاء على البؤر والتمركزات التي اتخذتها تلك العناصر، وتم القضاء على تلك المجموعات وضبط العديد من العناصر المطلوبة شديدة الخطورة، كالإرهابي هشام عشماوي وآخرين. ولعبت القاهرة دورًا فعالًا للدفع نحو توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية الليبية، وكانت اجتماعات القاهرة (سبتمبر2017) ولقاءات الغردقة (سبتمبر2020) جولات مستمرة للدفع بهذا المسار، ونجحت تلك الجهود في وصول لجنة (5+5) إلى اتفاق مستدام لوقف إطلاق النار (أكتوبر2020).

ـ رأب الصدع المجتمعي: أدركت القاهرة أن تأثيرات الصراع الممتد لسنوات طويلة قد أنهك النسيج المجتمعي الليبي، وهو ما اتصل بغياب الحكومة القادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، فضلًا عن الممارسات التي خلفت احتقانًا بالغ الخطورة بين المكونات الليبية، وتأسيسًا على ذلك قادت مصر جهود تلبية الدعم المطلوب للعديد من المدن الليبية، وتقريب وجهات نظر الفرقاء الليبيين، كاجتماعات القبائل الليبية بالقاهرة، والوفود التي تم استقبالها من مناطق الجنوب الليبي لمناقشة احتياجات المواطنين فيها وتفعيل مشاركتهم في مسارات التسوية السياسية.

مثلت السنوات العشر الماضية حالة غير مسبوقة بالمنطقة، ودفع المشهد الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي لتحول دول الشرق الأوسط إلى تفعيل سياسات وبرامج هجينة للتعاطي بفعالية مع التحديات والتهديدات الناشئة، وفي سياق تركيزنا على الدور المصري بالأزمات الخارجية، وحالة الازمة الليبية على وجه التحديد، نجد أن القاهرة نجحت في صياغة معادلة مكنتها من الانخراط في المشهد الليبي بشكل متوازن، ويتسق ذلك مع رؤيتها للمشهد الإقليمي ومصالحها التي تراعي مصالح جيرانها.

يؤكد تقرير المرصد المصري على أن الدور المصري قد تمكن من تحصيل العديد من المكاسب الهامة، حيث أصبح التحرك المصري مقبولًا ومدعومًا من المكونات الليبية كافة، بالإضافة للدول الكبرى الحريصة على سلامة الدولة الليبية، كما وظفت القاهرة رؤيتها الحيادية للمشهد الليبي لصياغة إطار فعال تبنته المحافل الدولية والبعثة الأممية لإعادة إطلاق مسارات التسوية، لتصبح القاهرة اليوم أكثر الأطراف موثوقيةً من كافة لفواعل الليبيين، والقادرة على الاتصال بكل القوى الليبية لصياغة نسق توافقي يقرب اختلاف الرؤى بينهم. ويُنظر لمصر الآن بأنها ضامنة لحماية التسوية الليبية الشاملة من مخططات إشعال دورات صراعية، لا سيما بعد موقفها الحاسم بإعلان الخط الأحمر، وجهودها الصادقة في حماية مقدرات الشعب الليبي من الاستنزاف في عمليات عسكرية تعمق المعضلة الاجتماعية.

وأصبحت مؤسسات الدولة المصرية مستحوذةً على نصيب واسع من جهود التسوية، وفي هذا السياق وجدت العديد من دول الجوار الليبي والجنوب الأوروبي والساحل والصحراء أن المُقاربة المصرية للتعاطي مع الحالة الليبية لم تستبعدها وتنفرد بالمبادرة، لذا فالموقف الإقليمي وصورة مصر الدولية تحسنت بشكل كبير، وهو ما انعكس على فاعلية تلك الجهود وحجم الدعم الذي أصبحت خطى القاهرة بالأزمة الليبية تلقاه من العواصم المختلفة.

وعزز ذلك الدعم الشراكة المصرية مع العديد من البلدان للتعاطي مع الظاهرة الإرهابية وحالة السيولة الأمنية التي تشهدها دوائر الاهتمام المصري، ويفسح أمامها المجال للدخول بملفات إقليمية ودولية هامة، معززةً بقوة الدعم الذي تناله مساعيها الجادة والفعالة من المجتمع الدولي.

الدور المصري في الأزمة الليبية شهد تحولات بارزة، تتطابق جميعها في حرص الدولة المصرية على أن تظل ليبيا دولة وطنية موحدة، وأن يعود الاستقرار إلى ربوع الجارة الغربية، والقضاء على كافة معوقات التسوية الشاملة ومحاولات بذر الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. ومن الأهمية الإشارة إلى أن الدور المصري بالأزمة الليبية عكس نقطتين رئيستين: أولهما، أن استعادة القاهرة لتوازنها بعد أحداث عام 2011 قاد لتفعيل دورها المهم في أزمات المنطقة، وأن هذا التوازن المصري هو رمانة الميزان بمعادلة الاستقرار الإقليمي. وثانيهما، أن الدور المصري في أعقاب 30 يونيو 2013 شهد فاعلية ونشاطًا كبيرين، ما يشير بوضوح إلى أن مصر 30 يونيو نجحت حتى الآن في حفظ أمنها بأكثر الدوائر اشتعالًا وتعقيدًا، وأن تلك الفاعلية اقترنت بجهود صادقة لحفظ مقدرات وأمن الدولة المصرية ودول الجوار.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان