همتك نعدل الكفة
281   مشاهدة  

ملف الأغنية الشعبية في مصر (1) : البحث عن جذور الأغنية الشعبية

الأغنية الشعبية
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



كانت الأغنية الشعبية هي الأغنية الرسمية للشعب المصري التي يتفاعل معها جميع طوائف المجتمع، استطاعت التعبير بقوة عنه وعن همومه وأحلامه وتسجيل مواقفه الحياتية على اختلافها بمفردات بسيطة دارجة آتية من قلب حواراتهم اليومية تلك المفردات كانت تتغير باستمرار مع تغير المجتمع.

في مقدمة كتابه الأغنية الشعبية يحاول الدكتور أحمد مرسي اقتفاء أثر الأغنية الشعبية الفلكلورية حيث اعتبرها أحد الفروع الرئيسية التي تمتد من المأثورات الشعبية المعروفة مثل “الحكايات الخيالية، الحزورة أو الفزورة، المثل الشعبي” وتختلف عنهم في أنها نتاج تزاوج نص شعري بسيط مع لحن يأتي عادة من المجتمع الشعبي نفسه.

جرت عدة محاولات لوضع تعاريف محددة للأغنية الشعبية لكن قبل الخوض في تفاصيلها لا بد أن نضع في الاعتبار عدة نقاط هامة حولها مثل أن تكون الأغنية الشعبية شائعة أو ذائعة الصيت مع التأكيد على أن ليس كل أغنية شائعة بالضرورة تصلح لأن تكون أغنية شعبية، قد لا يوجد للأغنية نصًا مدونًا سواء شعريًا أو موسيقيًا وتنتقل من جيل إلى جيل شفاهيًا على ألسنة الناس وهذا ينتج لنا نصوصًا عديدة للأغنية الواحدة تختلف بعض مفرداتها باختلاف البيئة وتتغير مع الزمن لأن المؤلف الأصلي في الغالب يكون مجهولًا  وبالطبع هذا يختلف عن الأغنيات التي يصنعها المحترفين المعروفين  لدى عامة الجمهور.

خلص أحمد مرسي في النهاية إلي تعريف مبسط لماهية الأغنية الشعبية على أنها “أغنية ترددها جماعة أو مجتمع ما سواء ريفي أو مدني وتتناقلها الأجيال شفاهيًا وتدخل في الوعي الجمعي للشعب، تتعدد أشكالها وأنماطها بتعدد مناسبتها فهناك أغنيات شعبية للمناسبات الدينية وأغنيات الأطفال و تهويدات النوم وأغنيات عن العمل والزواج وغالبية الطقوس التي يمارسها الشعب بشكل شبه يومي.

قوالب الأغنية الشعبية.

جرى العرف على تثبيت قالب الطقطوقة كقالب رئيسي للأغنية الشعبية لكن هل يمكن تصنيف بعض الأغنيات التي جاءت في قوالب أخرى مثل الموال، الدور والمونولوج العاطفي في خانة الأغاني الشعبية.

بالعودة إلي الوراء تحديدًا في عصر النهضة في القرن التاسع عشر سنجد أن الموسيقى المصرية بدأت مرحلة جديدة تخلصت فيها من الألحان البدائية غير المنظمة المعتمدة على غناء غجري متأثر بالشكل العثماني والفارسي وتحولت إلى مرحلة الغناء المنظم الذي جمع بين الإنشاد الديني والابتهالات والتواشيح مع ظهور قوالب غنائية جديدة مثل قالب “الدور” الذي وضع اللبنة الأساسية فيه الشيخ “محمد عبد الرحيم المسلوب” الذي يصنفه البعض كأول موسيقار في تاريخ الغناء المصري.

كان قالب الدور الذي صنعه المسلوب يتكون من مذهب وأغصان “كوبليهات” حيث تبدأ البطانة “الكورس” في غناء المذهب بينما يتولى المطرب غناء الأغصان وغالبًا ما يكون اللحن من جملة وحيدة يتقاسمها المطرب مع بطانته، من أشهر الأدوار التي تنسب إلي المسلوب دور “يا حلو يا مسليني” الذي ينسبه الكثيرون بالخطأ إلي الفلكلور الشامي وأصبح من أشهر الأغنيات التراثية التي يعاد غنائها حتى الآن والتي يتوافر فيها جميع شروط الأغنية الشعبية.

YouTube player

تطور قالب الدور على يد الملحن الكبير “محمد عثمان” حيث جعل لحن الأغصان مختلف عن لحن المذهب وأعطى المطرب الحرية في الارتجال والتنقل بين المقامات على أن يعود في النهاية إلي المقام الرئيسي الذي بدأ به ثم ظهرت المحاورات الغنائية بين المطرب وبطانته فيما عرف بالـ “الهنك” ومن هنا أكتسب بعض المطربين شهرة كاسحة لقدرتهم الفذة على الارتجال والتنقل بخفة بين المقامات الموسيقية حتى أطلق الجمهور عليهم لقب “الصييت” وبعضهم كان يغير في الارتجالات كل يوم في ظل أن الموسيقى المصرية لم تكن عرفت التدوين الموسيقي ولم تكن التسجيلات الصوتية قد دخلت مصر بعد وهذا جعل العازفين ينالوا حظهم من الشهرة ايضًا وكان من أشهر الصييته المطرب “عبده الحامولي” الذي يعتبر أفضل من غنى قالب الدور.

YouTube player

قالب الطقطوقة.

يعرف قالب الطقطوقة بأنه أخف القوالب الغنائية وكما   ذكرنا  سابقًا أن أغلب الأغاني الشعبية تندرج تحته، حيث يتكون من مذهب وعدة كوبليهات ويعاد غناء المذهب بعد كل كوبليه وتنتهي به الأغنية ايضًا، الشكل المبدئي لـ لحن الطقطوقة يتكون من جزئين لحن المذهب الذي يختلف مع لحن الكوبليهات الذي يتكرر في كل كوبليه، ثم أدخل الشيخ زكريا أحمد بعض التطوير على القالب حيث نوع في ألحان الكوبليهات ثم دخلت تغييرات أخرى أهمها هو العودة إلي المقطع الأخير من المذهب فيما يعرف حاليًا بالـ “السينيو” او اللزمة المتكررة وهو الشكل الذي يسود أغلب الأغاني المصرية حاليًا.

الشائع تاريخيًا أن الملحن محمد على لعبة هو أول من اخترع قالب الطقطوقة مستدلين على كتابات الناقد الفني “كمال النجمي” الذي أورد تلك المعلومة في كتابه “محمد عبد الوهاب” ثم أتى الباحث الموسيقي الدكتور سعد الله آغا القلعة وأثبت خطأها عندما أفصح عن وجود بعض الطقاطيق المصرية القديمة مستندًا إلى كتاب “أرزة لبنان” للكاتب المسرحي “مارون النقاش” المطبوع عام 1869 قبل ميلاد محمد على لعبه حيث اكتشف وجود طقطوتين في رواية “البخيل” الأولى بعنوان “حبي سليني” من نظم الشيخ على الجندي والثانية بعنوان “مسعودة يا مسعودة” إذن القالب كان موجود قبل محمد على لعبه بل وبنفس المسمى “طقطوقة” مع فرضية وجوده قبل أن يتم تسميته أو وضع أسس واضحة له.

إقرأ أيضا
ليلى عبد اللطيف
الأغنية الشعبية
صورة من كتاب أرزة لبنان للكاتب المسرحي مارون النقاش

مع دخول مصر عصر التسجيلات الصوتية في بداية القرن العشرين بدأت مرحلة تسجيل وتدوين الموسيقى المصرية، ساهمت الاسطوانات في تطوير شكل الغناء المصري حيث قل زمنه وانهى عصر الوصلة الغنائية الطويلة وأجبر العازفين والمطربين على الالتزام باللحن المدون في النوتات الموسيقية وبدأت مرحلة رواج الطقاطيق في العقد الثاني من القرن الماضي مع انتشار أجهزة الجرامافون في بيوت الطبقة المتوسطة تلك الطقاطيق وصفت بـ المسفة والخليعة والتي تسببت في أن تلاحق في أن تلاحق الأغاني الشعبية إتهامات قوية بإفساد الذوق العام رغم وجود تراث ضخم جدًا من الأغنيات الفلكلورية بمفردات صريحة وأكثر صدامية منها.

في الأجزاء التالية سوف نتعرض لبعض الأسماء الهامة جدًا في الغناء الشعبي بداية من القرن العشرين حتى الآن.

عن أغنية بلاد البخت وحق الفنان في التجريب

الكاتب

  • الأغنية الشعبية محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان