ملف الأغنية الشعبية في مصر (4) : محمد عبد المطلب القاعدة الأساسية للأغنية الشعبية
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يحتل المطرب الكبير محمد عبد المطلب مكانة هامة جدًا في مضمار الأغنية الشعبية، حيث كان من الرواد الذين صاغوا لنا أغنية شعبية المزاج آتية من قلب الحارة المصرية ويتميز عن بقية أقرانه بطريقة ادائه الخاصة جدًا و بصمة صوت مميزة لم يعرف الغناء الشعبي مثلها من قبل أو من بعد تلك البصمة لازمته طيلة مشواره الفني الطويل، حقق نجاحات طاغية جدًا وحصد شهرة كاسحة في أرجاء الوطن العربي كله.
شق طلب طريقًا صعبًا نحو النجومية والشهرة، منذ قدومه إلى القاهرة ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره، غنى طلب لأول مرة أمام الزعيم سعد زغلول في بيت الأمة الذي اثنى على صوته ومنحه جنيهًا تشجعيًا له، ثم انطلق إلى بيت الملحن الكبير “داوود حسني” حيث كان مرافقًا له في مشاويره الخاصة، حتى استمع إليه في احدى المرات وهو يدندن بعض الطقاطيق فأعجب بصوته وبدأ في تلقينه دروس في المقامات الموسيقية وفنون الأداء وكان يعنفه بشدة إذا أخطأ في أحد المقامات،ثم منحه النصيحة الأهم في مسيرته وهي أن يصعد كل يوم إلى مئذنة مسجد “البرديني” في حي المغربلين ليؤذن الفجر حتى تستقيم أحباله الصوتية ويعرف كيف يتحكم في صوته ويضبط إيقاعه.
كانت بداياته مخيبة للاّمال في حفل أقيم على مسرح حديقة الأزبكية عام 1926 غنى فيه لمعلمه الأول داوود حسني ولم ينجح الحفل، ثم استطاع إقناع شركة أوديون في تسجيل مجموعة من الطقاطيق لحنها له داوود حسني منها “وديني بلد المحبوب،حبيتك من حق وجد، تلات سنين” ثم عاود الكره في حفل آخر تحشرج فيه صوته أمام الجمهور فقرر أن يذهب إلى الموسيقار محمد عبد الوهاب وطلب منه أن ينضم إلى فرقته كمذهبجي وانضم بالفعل إلى جوقة عبد الوهاب لمدة سبع سنوات سجل معه في العديد من الأغنيات الشهيرة مثل “مين عذبك ، أحب اشوفك كل يوم”
ثم انطلق كي في رحلته الخاصة في شوارع عماد الدين حيث انضم إلى صالة بديعة مصابني وظهر اسمه لأول مرة في استعراض “شهيرات النساء” عام 1934،في صالة بديعة تعرف على كلا فريد الأطرش، فريد غصن،عزت الجاهلي،إبراهيم حمودة لكن يظل التعارف الذي شكل فارقًا في مسيرته كان مع الملحن محمود الشريف حيث وجد كلًا منهما ضالته في الأخر.
كانت بداية شهرته الحقيقية من خلال أغنية “بتسأليني بحبك ليه” التي كان أعدها الشاعر محمد عثمان خليفة الشهير بـ ابن الليل للمطرب إبراهيم حمودة وطلب من محمود الشريف تلحينها لكنه وجد صوت طلب مسيطرًا عليه بشدة فأعطى الشاعر العربون الذي تقاضاه من إبراهيم حمودة وغناها طلب لتغنيها مصر من بعده، يقول الشريف أن كل مطرب داخل صالة بديعة مصابني كان له جمهورًا خاصًا به عدا طلب الوحيد الذي كان له الجمهور كله لذا نجحت الأغنية بشكل غير مسبوق، قدم له الشريف بعدها الأغنية الرمضانية الأشهر حتى الأن “رمضان جانا” ،انطلق بعدها طلب ليغني في إذاعات الشرق الأدنى والقدس ثم اعتمد في الإذاعة المصرية عام 1936 و وصل إلى أن يكون أعلى أجر في الإذاعة بين مطربي جيله وبعد مطربي الصف الأول.
يبقى اثر طلب هامًا في عدة نقاط منها أن صوته كان مساحة واسعة للتجريب من كل الملحنين ويكاد يكون المطرب الشعبي الوحيد الذي نجحت أغانيه مع كل الملحنين منها “حبيتك وبحبك” ألحان عزت الجاهلي، “شفت حبيبي” ألحان رياض السنباطي،”ساكن في حي السيدة” ألحان محمد فوزي، “اعمل معروف” ألحان محمد عبد الوهاب،”ودع هواك” ألحان محمود الشريف، “ما بيسألش عليا ابدًا” ألحان حسين جنيد، “في قلبي غرام” ألحان عبد العظيم محمد، “يا حاسدين الناس” ألحان عبد الرؤوف عيسى، “الناس المغرمين” كمال الطويل”.
النقطة الأهم في شخصية طلب الفنية هي قدرته على الاستمرار على الساحة الغنائية بعد ثورة يوليو 52 وظهور وسائط جديدة مثل الميكروفون وبطله الأوحد “عبد الحليم حافظ” والذي كان من آثاره هو اختفاء مطربي جيله مثل “كارم محمود، عبد الغني السيد وإبراهيم حمودة” لكنه ظل متواجدًا ومطلوبًا على الساحة بقوة حتى مع تغير صوته بحكم السن حيث استطاع التغلب على الأمر بتغيير طريقة أدائه وتقطيع الجمل والحروف أثناء أداء المواويل.
قال عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب “عمل لنفسه لطشة مميزة عند المستمع” أما رفيق دربه محمود الشريف فلخص مسيرة طلب الفنية بأن وصفه بأنه القاعدة الأساسية للأغنية الشعبية.
ملف الأغنية الشعبية في مصر (3) : فنان الشعب سيد درويش.
المصادر :
كتاب محمد عبد المطلب سلطان الغناء للباحث محب جميل.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال