ملوك الجدعنة .. لو الأعلى مشاهدة فهو الأول في إهدار القيم أيضًا
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
كثيرًا ما نسمع دفاع المبدعين بأن العمل الإبداعي لا يلزمه أن يكون له هدف أو رسالة يكفي أن يكون خالصًا لوجه الفن والمتعة وإذا سلمنا بذلك ضمنيًا باعتبار أن المتعة هدف بحد ذاته والترفيه غاية تستحق فلا يمكننا أن ننكر المسؤلية الاجتماعية الواقعة على الأعمال الإبداعية التي تتعرض لجمهور واسع مثل الدراما وصناعة الأغاني والسينما
عندما تعلو الأصوات بالحرية لا يمكن مواجهتها بالقيود فكلمة قيد في حد ذاتها تعطل الإبداع وتعيق الصناع إلى جانب وقعها السلبي الذي لا يترك مجالًا للموافقة لذلك جاءت نظرية المسئولية الاجتماعية لتدفع بالمسئولية إلى جانب الحرية ليسيرا جنبًا إلى جنب فلابد أن تقرر كل جماعة متى تتوقف وإلى أي مدى يمكنها أن تتمدد وكيف ؟ وليس هناك احتكام إلا بمسئولية الصناع تجاه المجتمع المحيط
وبالتبعية تقوم لجان مستقلة أو هيئات بمراقبة مدى مراعاة الإعلام والدراما والسينما والإعلان للمسئولية الاجتماعية تجاه مجتمعاتهم وتجاه البشرية بشكل عام.
لنعد سنوات للوراء على سبيل المثال عندما بدأ اعتماد مصطلح السينما النظيفة في مصر كان يقصد خلو الأفلام من مشاهد الحب والجنس وبقي للمشاهد العنف والضرب والتحقير والسب وبعد عقود أصبحنا نعيش في شارع اجتماعي متوحش يشاهد سكانه ضرب امرأة من قبل رجل ولا يتدخل بينما ينتفض لو أمسك يديها أو قبلها، ولو كانت زوجته في الحالتين، هذا التغير هو نتاج سنوات من وضع الحب في خانة المحرمات مع الرذيلة والابتذال مع تعريض الجمهور لمشاهد ضرب المرأة في سياق تأكيد رجولة المعتدي وتأديبها من قبله فأصبح حقه ولا يجوز للمارة في الشارع التدخل لحماية امرأة يتم تعنيفها –مراته وبيأدبها– ومن ثم هان الود يا عزيزي وارتفع الصوت بالباطل .
كارثة القيم في ملوك الجدعنة
يقدم المسلسل قيمة مهمة مثل الصداقة بشكل مباشر وواضح في بداية حلقاته والتي بدت كرباط مقدس بين البطلين سرية وسفينة منذ كانا طفلين أحدهما يتيم تربيه أم الآخر وتعتبره إبن لها
على لسان البطلين يأتي العمل بكد كقيمة ثانية مهمة يقدمها البطلين من خلال النجمين عمرو سعد ومصطفى شعبان
الترابط الأسري الذي بدى في المسلسل في علاقة سرية بوالدته عطية التي تقوم بدورها الفنانة دلال عبد العزيز والتزامه تجاه حبيبته فاتن التي تقوم بدورها ياسمين رئيس جهة وارتباط سفينة (مصطفى شعبان) بشقيقته وابنتها التي تقدمها الفنانة رانيا يوسف وبوالدته عطية التي ربته يتيمًا أيضًا يشار إليه في المسلسل كقيمة تظنها إيجابية إيضًا.
يبدو ما سبق مطمئنًا أين الكارثة إذًا ؟
الصداقة
صداقة سرية وسفينة كانت محض استقواء بعضهما ببعض في إطار يمكن تسميته بالبطلجة أو بمنطق الفتوات قديمًا وكيف أن هذا الاستقواء كان في معظمه (فنجرة بق ) انتصار على شاكلة قصف الجبهة الذي شاع بين الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي جملة رنانة وإفيه حراق وكلما كانت الجمل أكثر استعلاء ووقاحة كان صوت التصفيق عالي وبذلك يكون قصف الجبهة مثيرًا للإعجاب ويتحقق صاحبه دون حتى وجاهة في طرح فكرته ما يلزمه بمعرفة حقيقية وفهم.
كان البطلان يريدان ركوب التريند كما قالاها بشكل صريح ومباشر في الحلقات الأولى هذا التحقق السهل المضمون كان ممكنًا أن يكون مسئولًا أيضًا لولا أن صناع العمل هدفهم المشاهدات ويتحرق المشاهدين وهو منهج متبع في أعمال كثيرة منذ سنوات، ملوك الجدعنة ليس الأول.
في موقف حقيقي عندما اختبرت قيمة الصداقة بين سرية وسفينة وقع الأخان في بعضهما البعض ولم تصمد الصداقة لأنها محض فنجرة بق وليست أصيلة ولا حقيقية كالتي يجب أن نرسخها بحيث مهما حاول الدخلاء الوقيعة بين الصديقين والأخين فما بينهما من عشرة وأيام كفيل بحسن الظن والحوار والثقة.
الكد والعمل الشريف
على لسان البطلين تجدهما بالكلمات يؤكدان أن العمل هو الطريق لبقاءهما أحرارًا وجدعان لكن المسلسل لم يحمل مشهدًا واحدًا حتى الآن للبطلين أثناء العمل حتى الميكروباص الذي اشتروه بالقسط للاسترزقاء لم يستخدم مرة واحدة في محله بل كان وسيلة مواصلاتهم الخاصة المستخدمة في مهمات الفتونة والفهلوة حتى قضوا على مصدر رزقهم وخسروه فحاصرتهما مواعيد سداد الشيكات ووضعوا أنفسهم في ورطة – ولأنهم جدعان قوي يظل سرية (عمرو سعد) يردد الطموح حلو وأجيبه لأ هو الكلام اللي حلو يا سرية الطموح أكثر بكثير من” إفيه “
الفهلوة الفارغة هي القيمة التي قدمها المسلسل بديلًا عن العمل وطبعًا لم أكن أطمح لمهنة أو حرفة فنية محددة كان ممكن للبطلان أو أحدهما ممارستها بل لو أنهم استشعروا المسئولية ولو قليلًا لوضعوا مشاهد للتعاون بين الصديقين في تقسيم نوبات العمل على الميكروباص الذي يبدوا أنهم اشتروه ليستقلوه مع بعض في مهماتهم الاستعراضية
غير الطموح الذي قادهما للمشاركة في أعمال غير مشروعة مثل المخدرات والتهريب لكن يظلوا ملوك الجدعنة.
الترابط الأسري والمظهر العام
لم تنجد جدعنة سفينة وسرية لإنها محض فنجرة بق كما قلنا لا الأخت ولا الأم ولا الأخ بل فقدت شقيقة سفينة عقلها وابنتها برغم جدعنة الملوك التي تجلت في مشهد عنيف يضرب فيه مصطفى شعبان زوج شقيقته الذي يقوم بدوره الفنان أحمد كشك في حالة التباهي بضرب زوج الأخت في شرفة البناية ضربًا مبرحًا ردًا على ضربه شقيقته كان مرسخًا أيضًا للبلطجة واستعراض القوة أكثر من أخذ الحق
بينما فاتن التي تلعب دورها ياسمين رئيس كانت تجسيد معيب لمهانة المرأة حيث تعرضت لمؤامرات وقذف في عرضها وشرفها وفضيحة أمام أهل الحارة في سياق البلطجة والشر الذي كان يدبره عنتر أو الفنان وليد فواز للزواج بها بعد رفضها وتمسكها بسرية حتى اكتملت السيطرة عليها بفعل المؤامرة ليتذكر عنتر في هذه اللحظة شرع الله في طلبه الزواج وسترها بعد فضحها ظلمًا ليبدو الشرع مكملًا للظلم بينما لم يكن حدًا أو مانعًا له
تعمد المسلسل التأكيد على أن تعرض المرأة للتشويه قادرًا على وصمها وأنها المسئولة عن أي تدبير سيئ لها ولو كانت الضحية وهو المفهوم الجائر الذي نبذل جهدًا في تبديده
لفائف الحشيش والدخان التي لا تفارق أصابع البطلين مع السلاسل حول أعناقهما والحظاظات حول المعصم إلى جانب مهارات التواصل محدودة لا تتجاوز قصف جبهة الآخر بإفيهات دون مغزى أو معنى أو إنجاز حقيقي كان ذلك الكارثة الحقيقية التي ذهبت حتى تسليع الرجل (الجدع) بداية من البوستر الدعائي للمسلسل بصدور الأبطال العارية والمنفوخة مع السلاسل الطويلة
لم يكن مستحيلًا على صناع العمل أن يقدموا هؤلاء الأبطال أنفسهم في السياق الشعبي ذاته دون تفريغ الجدعنة من معناها الحقيقي لو كانت المسئولية حاكمة لبذلوا جهدًا في العمل على رسم الشخصيات بعمق وتفاصيل أكثر إن لم يكن إخلاصًا للصناعة والمهنة فمن دافع إلزامهم بمسئوليتهم تجاه ملايين المشاهدين ممن يتحول عدد كبير منهم لقاصفي جبهات دون حجة ولا سند فاسدين وتجار مخدرات وقحيين مهربين سريعي الحمقة والغضب سيئي الظن وعديمي النخوة في آن واحد.
ضم مسلسل ملوك الجدعنة مجموعة من النجوم عمرو سعد، مصطفى شعبان، دلال عبد العزيز،ياسمين رئيس، رانيا يوسف، عمرو عبد الجليل، أحمد صفوت أحمد كشك والنجم يويف شعبان في آخر ظهور له مع ظهور خال لحسن الرداد ولدي جميعهم القدرة والموهبة والنجومية على صنع عمل درامي يحظى بمشاهدات مهمة إلى جانب المتعة دون إخلال أو هدم.
ملوك الجدعنة عمل محدود فنيًا من حيث بناء الشخصيات والإخراج لذلك كان اعتماد المنتج على ضم عدد من النجوم مع إهدار قيمتهم مع تقديم لغة سطحية ورديئة إلى جانب مشاهد العنف وتغسيل الطفلة المتوفية ودفنها الخ
الأعمال الرديئة فنيًا لا سبيل لنجاحها غير أن ابتذال القيم بتصدر تقليعات تغازل الجمهور البسيط الذي الذي يبحث عن بطولة سهلة وتحقق زائف فتعطه ما يحلم به وتؤكد بالتكرار إمكانية حدوثه في الحقيقة
إلزام صناع الدراما وأي عمل يتعرض له قطاع كبير من الجماهير بالمسئولية ليس حدًا من مساحاتهم الإبداعية بل هو كشف وتعرية عن المنتمين زورًا للإبداع ممن يشغلون مواقع لا يستحقونها بينما يبقى المبدع الحقيقي بعيدًا عن الفرص التي يستحقها.
لا أعلم أي جدع هذا الذي يتفق مع تجار المخدرات ويحلل التهريب ويتحالف مع الشيطان وينتقم ويصدق أن كل ما سبق مبرر لطموحه حتى يصبح فاسد كبير بحراسات خاصة وقصور فخمة.
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة