من أرشيف زمان.. تاجر يقدم خادمته قربانا للجن بحثا عن الثراء
-
سعيد محمود
كاتب نجم جديد
عالم الدجل ومجاذيبه لا ينتهي رغم نهي الدين والقانون عنه، فالدجال يتمتع بقدرة فائقة على التحايل والنصب، يقنع بها ضعيفي النفوس ممن يبحثون عن ثراء سريع، أو انتقام من الذين يكرهونهم، أو حتى شفاء من مرض عضال.
وفي صفحات محاضر الشرطة الكثير من تلك القضايا التي تهرع فيها الضحية الساذجة بعد التغرير بها، لتستغيث بالقانون الذي تجاهلته في البداية من أجل هدفها المنشود، ومن بين تلك القضايا كانت قضية التاجر الكبير التي تناولتها مجلة البوليس المصري في عددها الصادر بتاريخ 11 من مايو عام 1958.
التاجر والدجال
بدأت القصة بحسب ما عرضتها مجلة البوليس بقدوم أحد التجار إلى قسم شرطة عابدين، يستنجد بالمأمور من دجال سلبه مبلغا كبيرا من المال بحجة علاج ابنته من مس الجن، قبل أن يوهمه بوجود كنز ثمين في منزله، وأنه بعد أن أدرك وقوعه ضحية للنصب، تردد كثيرا قبل اللجوء للشرطة خوفا على سمعته في التجارة.
وروى التاجر أن ابنته التي تبلغ من العمر 16 عاما، أصيبت بنوبات عصبية وهي في الثالثة عشر من عمرها، ولم يتمكن الأطباء من علاجها، وبعد إلحاح من زوجته، بدأ في البحث عن أحد المعالجين الروحانيين لتخليص ابنته من معاناتها، وعرض عليه أحد الأصدقاء مقابلة المدعو الشيخ محمد نور، وبالفعل ذهب إلى منزله في العباسية ليعرض عليه حالة ابنته.
طلب نور من التاجر “أثرا” من ابنته، وبعد ذلك أدخله في غرفة مظلمة وبدأ في جلسة تحضير مستعينا بالبخور وقراءة التعاويذ، ليفاجأ التاجر بأشباح تتحرك من حوله وتتحدث معه، حيث أخبره أحدها بأنه من ملوك الجان واسمه الملك برقان، ومن هنا بدأت رحلة استغلال الأب الملهوف على ابنته.
طلب الشيخ نور من التاجر أن يحضر معه في المرة المقبلة 20 جنيها، و”قنفذ” ليذبحه ويبخر به ابنته، ثم كتب حجابا للفتاة، وبعد ذلك بفترة ليست بالقليلة طلب “ديك رومي” و20 جنيها أخرى، ثم سافر للإسكندرية بحجة قراءة الأسحار في المسلة، ومن هناك بدأ يطلب الكثير من الأموال التي كان يرسلها له التاجر بإيصالات على مصلحة البريد.
كنز ثمين وعروسة للجن
استمر مكوث الشيخ نور في الإسكندرية وزادت طلباته وفق رواية التاجر لمأمور قسم عابدين، فاضطر إلى الذهاب إليه لتبين الأمر، وهناك أخبره الشيخ المزعوم أن ابنته عليها مس من الجن، ولمساعدتها عليه أن يحضر صليبا ذهبيا وزنه 13.5 قيراطا بشرط أن يكون عيار 21، وهو ما فعله الرجل خوفا على ابنته، قبل أن يرجعا معا للقاهرة مرة أخرى ويخبره نور بأن الجان كشفوا له عن كنز مدفون في منزله منذ 75 عاما، عبارة عن 60 ألف جنيه من الذهب، وخاتم من البلاتين، وفص زمرد أثري، وأنه سيساعده في الوصول إليه.
وبعد أسبوع من تلك القصة، أخبر الشيخ نور التاجر أن الجان يطلبون 51 جنيها ذهبية وعروسة من البشر قربان لهم حتى يتأكدون من ملكية التاجر للكنز، ونتيجة جشع التاجر اضطر للموافقة على الأمر، وأحضر المبلغ ومعه الخادمة الصغيرة التي كانت تخدم في بيته، ليخبره الشيخ المزعوم أن ملوك الجان قبلوا قربانه، لكن ما حدث بعد ذلك كان غير متوقع بالنسبة للتاجر.
سافر الشيخ إلى الإسكندرية مرة أخرى، وبعد أسبوع من سفره علم التاجر أنه اختفى تماما، وأخبره بعض معارفه أنه من المرجح أن يكون اختطف من قبل الجن، وبعد عام كامل من الانتظار، تأكد التاجر من وقوعه فريسة لنصب الشيخ نور، لكنه خشى من إبلاغ البوليس حتى لا يتهم بالجنون، ثم ظهر الدجال مرة أخرى وطلب منه عجلا وعشرين جنيها، وهنا أمسك التاجر بتلابيب الرجل واقتاده لقسم عابدين.
الشيخ المزعوم يتكلم
كانت تلك هي القصة بلسان التاجر مقدم البلاغ لمأمور القسم، أما ما رواه الشيخ محمد نور فكان بطبيعة الحال مختلفا، حيث وصف حكاية التاجر بـ”الكلام الفارغ”، وقال إنه يصنع الأحجبة بالفعل، ولكن لفعل الخير فقط، وأن التاجر ذهب إليه ليجد حلا لحالة ابنته، فقدم له حجابا به بعض الآيات القرآنية.
وعندما واجهت الشرطة بالمبالغ التي تسلمها من التاجر، والتي من بينها كمبيالة حررها الشيخ نور على نفسه بمائة جنيه، كان رده أنه كان يعمل قومسيونجي عند التاجر منذ سنوات قبل أن يستغني عن خدماته دون مبرر، وخشية من أن يشكوه في مكتب العمل، أعطاه مبلغ 45 جنيها، لكنه بعد أن حضر إليه مع ابنته وقدم له بعض الأحجبة، هدده بإبلاغ البوليس عنه متهما إياه بالنصب والدجل مستعينا بالأحجبة، إذا لم يرد إليه المبلغ الذي أعطاه إليه سابقا، وتحت التهديد كتب الكمبيالة على نفسه.
الكاتب
-
سعيد محمود
كاتب نجم جديد