موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب (29) حكاية أغنية مُنِعَت 10 سنوات ودوره الفني في 56
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة التاسعة والعشرين من قصة موسيقار الأجيال، الأستاذ محمد عبدالوهاب ولا زلنا نتحدث عن نتاج الأستاذ محمد عبد الوهاب في ميدان الأغنية القومية والوطنية والسياسية خلال الحقبة الناصرية، وكنا قد انتهينا في اللقاء السابق حيث أغنية تسلم يا غالي التي غناها الأستاذ محمد عبد الوهاب بمناسبة نجاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر من محاولة الاغتيال في الإسكندرية في السادس والعشرين من أكتوبر من العام 1954م، واليوم نكمل تلك الحقبة الثرية التي تعرف بالعصر الذهبي للأغنية الوطنية.
الأغنية التي ظلت رهن الحبس قرابة العشر سنوات
لحن وغنى وسجل موسيقار الأجيال من كلمات المرحوم عبد المنعم السابعي أغنية (انده على الأحرار) في الذكرى الثالثة لثورة يوليو 1952م، إلا أن هذه الأغنية منعت بقرار من لجنة الإذاعة وبتوقيع الموسيقار الكبير مدحت عاصم والذي كان مسئولا في ذلك الوقت عن قسم الغناء في الإذاعة، وشاع في ذلك الوقت أن الأغنية منعت فقط لأن تسجيلها غير صالح هندسيا إلا أن حقيقة الأمر لم تكن كذلك، فالأغنية منعت مخافة أن تفسر تفسيرا عكسيا فيما بعد، وظلت حبيسة لم تذع إلا في عام 1962م، وتقول كلماتها: لو فات عليك الأسى، والظلم فيك احتار، بين الصباح والمساء انده على الأحرار، بيبيعوا أرواحهم في عز أفراحهم، لعزة الأوطان، مهما يزيد الشجن، ولا يطول الأنين، اضحك وقل للزمن الدنيا دامت لمين، دي حكمة الله في آية، لكل ظالم نهاية، يحير الأفكار، انده على الأحرار، بيبيعوا أرواحهم، في عز أفراحهم، لعزة الأوطان، الحر لو طال شقاه يصبر ما يتألم، لا عمره بيقول آه ولا عمره بيسلم، دي حكمة الله في آية، لكل ظالم نهاية، مهما يكون جبار، انده على الأحرار، بيبيعوا أرواحهم في عز أفراحهم، لعزة الأوطان.
وفي شهر أكتوبر من العام 1955م غنى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب أغنية زود جيش أوطانك واتبرع لسلاحه من كلمات المرحوم الشاعر مأمون الشناوي، وذلك بمناسبة أسبوع تسليح الجيش المصري، وغنى غيره من الفنانين كذلك لهذا الأسسبوع المهم، ومن الألحان التي أثنى عليها الشيخ زكريا أحمد في أحد تسجيلاته الإذاعية لحن هانسلح جيشنا للمرحوم الاستاذ كارم محمود، وفي هذه المناسبة العظيمة قام الفنانون بجمع التبرعات من المواطنين في الشوارع والحفلات العامة، وزار وفد فني الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقدموا شيكات بقيمة تبرعاتهم إليه، وكان على رأسهم الموسيقار محمد عبد الوهاب، والمرحوم الفنان فريد الأطرش.
الموسيقار محمد عبد الوهاب يضع النشيد الوطني الليبي ويغني لملك ليبيا:
بناء على طلب من ملك ليبيا إدريس السنوسي، قام الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1955م بوضع النشيد الوطني الليبي من كلمات الشاعر التونسي البشير العريبي الذي فاز فيما بعد بمسابقة النشيد الوطني في ليبيا، وتقول كلماته: يا بلادي بجهادي وجلادي، ادفعي كيد الأعادي والعوادي، واسلمي، اسلمي طول المدى اننا نحن الفداء، ليبيا ليبيا ليبيا، يا بلادي أنت ميراث الجدود، لا رعي الله يدا تمتد لك، فاسلمي إنا على الدهر جنود، لا نبالي إن سلمت من هلكك، وخذي منا وثيقات العهود، إننا يا ليبيا لن نخذلك، وقد سجل هذا النشيد في القاهرة بصوت المجموعة وأصبح نشيدا وطنيا للملكة الليبية حتى عام 1969م حين قامت ثورة الفاتح وألغت النشيد واستبدله معمر القذافي بأحد أشهر أناشيد العدوان الثلاثي وهو نشيد الله أكبر فوق كيد المعتدي للموسيقار محمود الشريف، على أن هناك قصيدة أخرى للموسيقار محمد عبد الوهاب كان قد غناها كذلك للملك إدريس السنوسي بمناسبة عيد ميلاده في مارس من عام 1969م وهي قصيدة “عهد اليسر” للمرحوم الشاعر عزيز أباظة، تقول أبياتها: فاخر بإدريس العظيم، وقل أعز الله عهدك وحباك بالعمر الطويل مجددا، وأتم سعدك الله يوم خرجت للدنيا لمعجزة أعدك، حققتها فبعثت مجد العرب، ثم جلوت مجدك، ذمم العروبة صنتها فتكت عوارق عندك، وأقمت للدين العماد، فكان حد الله حدك، وقد منعت هذه الأغنية هي الأخرى من الإذاعة فى ليبيا بعد شهور قليلة بعد قيام ثورة الفاتح.
الموسيقار محمد عبد الوهاب وعام 1956م:
لعل من أهم الأعوام التي عاشتها جمهورية مصر العربية خلال تلك الحقبة عام 1956م، فقد مرت مصر فيه بالعديد من الأحداث الهامة كان أولها وضع أول دستور لمصر في عهد الثورة وذلك في السادس عشر من شهر يناير، وانتهاء عملية جلاء الجيش البريطاني عن مصر ورحيل آخر جندي بريطاني عن أرض مصر في الثالث عشر من شهر يونيو من العام نفسه، ثم انتخاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية في الثالث والعشرين من يونيه، ثم تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس في السادس والعشرين من شهر يوليو، ثم العدوان الثلاثي على مصر الذي كان نتيجة طبيعية لقرار التأميم في التاسع والعشرين من أكتوبر من قبل إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، ثم اندحار العدوان وهزيمته في الثالث والعشرين من ديسمبر، وقد اعتبر ذلك اليوم عيدا للنصر وعيدا قوميا لمدينة بورسعيد الباسلة في مقاومتها وتصديها للعدوان.
كل هذه الاحداث الوطنية الكبيرة قد عايشها الموسيقار محمد عبد الوهاب وأنتج فنا يواكبها، وقد قدم الأستاذ محمد عبد الوهاب في ذلك العام مجموعة مهمة من أعماله الوطنية أولها كان أغنية “حرية” من تأليف المرحوم حسين السيد وذلك بمناسبة وضع أول دستور لمصر بعد الثورة وفي كلماتها: اليوم فتحت عينيا، على صوت بينادي عليا، الدنيا بقت حرية حرية حرية، عاهدت الوطن الغالي، أحكمه أنا وابني وخالي، وبصبر سنين وليالي، الثورة صبحت ليا، حرية حرية، دستور الشعب كيانه، شفنا في الغيب عنوانه، من يوم ما أمر سبحانه، بالثورة للحرية، حرية حرية.
وبعد اكتمال جلاء بريطانيا عن مصر قدم الموسيقار محمد عبد الوهاب أول نشيد جماعي له في عهد الثورة وكان قبلها قد قدم نشيدا واحدا جماعيا هو “نشيد المعاهدة” عام 1936م، وقد حمل النشيد الجديد اسم “نشيد الجلاء” واشتهر بمطلعه الذي يقول ” قولوا لمصر تغني معايا في عيد تحريرها” من كلمات المرحوم أحمد شفيق كامل، وقد غنى النشيد عدد من المطربين غير المحسوبين على جيل الثورة مثل محمد عبد المطلب وعبد الغني السيد وعبد العزيز محمود وسعد عبد الوهاب بالإضافة إلى شادية وفايدة كامل، وذلك بمصاحبة الأستاذ محمد عبد الوهاب بالغناء أيضا، وقد قدم النشيد في حفلة رسمية بحضور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكلمات هذا النشيدة بديعة للغاية ومعبرة بصدق عن فرحة المصريين بالجلاء من بينها: قول لعرابي خدنا بتارك من اللي خانوك، خرج الغاصب اللي شرانا من اللي باعوك، واللي بقيلنا نخلص تارنا في فلسطين وديار عروبتنا، وبعزة أبطالنا تحيا وتحيا رجالنا.
يقول الأستاذ محمد دياب للكواكب:
لقد تدارك الموسيقار محمد عبدالوهاب الأمر في أناشيده الثلاثة الكبيرة التي جاءت بعد ذلك فاستعان بجيل المطربين الشباب المحسوبين على الثورة في ذلك الوقت وهم عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ووردة وصباح وشادية فحققت هذه الأناشيد نجاحا أكبر.
وفي عيد الثورة الرابع قدم الأستاذ محمد عبد الوهاب أغنية “السعد جالك” من تأليف المرحوم عبد المنعم السباعي، تقول بعض كلماتها: يامصر زيك ما لقيت مثالك، يموت عدوك ويعيش جمالك، وبالطبع يقصد الزعيم جمال عبد الناصر.
وخلال العدوان الثلاثي على مصر قدم الأستاذ محمد عبدالوهاب ثلاث أعمال غنائية، اثنين منهم غناهما بصوته والثالثة لحنها للمرحوم عبد الحليم حافظ، أما الأولى فكانت أغنية تحت القنابل وفوق البارود من كلمات المرحوم أحمد شفيق كامل، وقد سجلها الموسيقار محمد عبدالوهاب بمصاحبة عوده، إلا أنها هي الأخرى منعت فلم تذع إلا في عام 1958م، وأما الأغنية الثانية فكانت بعد هزيمة العدوان الغاشم حيث لحنها وغناها من كلمات المرحوم الإذاعي عباس أحمد، وهي أغنية يابلادي إحنا خلاص على وش نهار، وأما الأغنية الثالثة فهي أغنية الله يا بلادنا الله التي لحنها الأستاذ محمد عبدالوهاب وغناها المرحوم عبد الحليم حافظ وهي من تأليف المرحوم أنور عبد الله.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية الحلقة التاسعة والعشرين من قصة الموسيقار محمد عبد الوهاب، على أن نكمل الحديث في باقي الحلقات القادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال