“نعيمة الأيوبي”.. أول امرأة ترتدي الروب الأسود وتقف في ساحات المحاكم
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
خلال النصف الأول من القرن الماضي والتي عرفت بحقبة التحرر الوطني، حاولت المرأة المصرية استغلال كل الفُرص المُتاحة أمامها والمُحاربة من أجل كسر القيود المُكبلة لها ومُصرة على نيل حقوقها، حتى أنها كانت الأولى عربيًا في كل مجال تدخل به خلال فترة منتصف القرن الماضي، ومن بين هذه المجالات “المُحاماة” فقد كانت المرأة المصرية الأولى في مجال المحاماة محليًا وعربيًا.
وهناك شائعات منتشرة تفيد بأن “مفيدة عبد الرحمن”، هي أول محامية مصرية وعربية، ولكن الصحيح هو أن “نعيمة الأيوبي” هي أول امرأة محامية في مصر والعالم العربي، حيث أنها أول من ارتدت روب المحاماة من النساء، وأول امرأة قيدت بنقابة المحامين.
مساعدة طه حسين
حتى عام 1927م، لم يكن التعليم الجامعي متاحًا للفتيات، إلى أن تعطشت 5 منهن إليه، واحدة منهن “نعيمة الأيوبي”، ولكنهن خشين إثارة الرجعيين، وقرروا اللجوء إلى الدكتور طه حسين وزير المعارف – التعليم العالي – آنذاك، الذي وعدهن بتحقيق رغبتهن، ولكن طلب منهن أن يلتزمن الصمت، ويتنجبن إذاعة الخبر، حتى لا تخوض فيه الصحف فيتعذّر عليه السعي، وبالفعل أحضر لهن “طه حسين” الموافقة على قرار قبولهن بجامعة القاهرة من “أحمد لطفي السيد” رئيس الجامعة وقتها، وفوجئ الرأي العام بنبأ قبولهن في الجامعة، ولكن بعد أن أصبح القبول نهائيًا.
النجاح الساحق والأولى على دفعتها
حصلت “الأيوبي”، على المركز الأول في كلية الحقوق، مُتقدمة بذلك على جميع زملائها، وذلك على الرغم من مرضها مرض شديد قبل شهادة الليسانس مباشرة، لكنها جاهدت وقاومت المرض، واجتازت الامتحان بنجاح باهر، وبمرتبة الشرف الأولى للمرة الأولى منذ إنشاء كلية الحقوق، ولم تكتفِ نعيمة بالشهادة الجامعية، لكنها قررت الخروج لميدان العمل بالمحاماة، وكافحت لنيل حقها في عضوية نقابة المحامين، فكانت أول محامية في تاريخ النقابة، وعملت بمكتب محمد علي علوبة، لتتخذها الفتيات بعد ذلك قدوة وتتبعها “مفيدة عبدالرحمن”، و”عطية حسين الشافعي”.
شيخ الأزهر وضرب المرأة الرمزي.. هل هناك زوج ناشز يحق لزوجته ضربه لتهذيبه؟
أول جلسة في المحكمة
ذهبت نعيمة الأيوبي إلى المحكمة أول مرة، لتدافع عن قضية وطنية، حيث كانت مُحاكمة لثلاثة رجال من رموز الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي، وهم: فتحي رضوان، وأحمد حسين- رئيس حركة مصر الفتاة-، وحافظ محمود- نقيب الصحفيين – آنذاك.
ولقى وجودها في ساحة المحكمة، ترحيب كبير من قِبل القُضاة والمحاميين الأخريين، وزارت وقتها غُرفة المحاميين بمحكمة الاستئناف والمحكمة الشرعية، بعد إلحاح منهم، وعبروا لها عن إعجابهم الشديد بشعارها السامي الذي دائمًا ما كانت تردده وهو : ” إنني لن أترافع إلا في قضايا المظلومين لأنتصف لهم من الظالمين، وسأخصص حياتي لخدمة المهنة التي شغفت بها منذ كنت طفلة، ومنذ رأيت عمي محاميًا يفخر برداء المحاماة على أي شيء آخر في الحياة “.
بعد ذلك قامت بزيارة المجلس الحسبي، والمحكمة الشرعية، وعلم الجميع وقتها أن عملها لن يقتصر على القضايا الوطنية فقط، ولكنها بصدد التخصص في قضايا الأحوال الشخصية أيضًا، وأوضحت وقتها أنها لا تعتبر عملها بالمحاماة منافسة للرجل، إنما هي خطوة في سبيل تحقيق حلمها.
وعلى هذا المنوال استمرت رحلة عمل نعيمة الأيوبي أول محامية مصرية، داخل أروقة المحاكم، وأعادت الحقوق لمئات المظلومين، وعلى الرغم من مرور ما يقرب من المائة عام على تلك الواقعة، إلا أن قصة حياتها وكفاحها يوجهان رسالة إلى كل الفتيات المصريات، مفادها باختصار ألا تستسلم للطغيان الذكوري والعادات التقليدية العقيمة، وعليها أن تسعى وتثور لنيل حقها الشرعي في الحياة، وأن تكون على قدر المسئولية.
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال