نعيمة عاكف وصلاح الدين .. قد نجد الحب في النهاية!
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في السيرك قد لا تملك قوت يومك، لكنك مضطر لامتلاك ابتسامة تقابل بها الجمهور كل يوم، تنحني للتحية بعد فقرتك وهي مرسومة على وجهك، شاكراً الرب على بقائك حياً ليوم جديد، كذلك في علاقات الزواج الفاشلة، قد تبقى بابتسامة بلا معنى محاولاً البقاء حتى تقرر الرحيل.
هذا ما فعلته نعيمة عاكف بعد ١٠ سنوات من الزواج من مكتشفها المخرج حسين فوزي، حين رحلت وارتبطت بالمحاسب صلاح الدين عبد العليم.
كانت ابنة السيرك التي صارت نجمة، مازالت تمشي على الحبل ذاته، غروب بعد إشراق، وأدوار ثانية في منتصف الثلاثينيات بعد بطولات منفردة في منتصف العشرينيات.
كانت الراقصة التي تعلمت لتوها الإنجليزية والفرنسية تبدأ حياتها الزوجية من جديد لتستمر لمدة عامين قضت منهما ستة أشهر في أروقة المستشفيات بحثاً عن انحناءة أخيرة للتحية فرحاً بالنجاة من السرطان.
العاشق:
يحترق من يقترب من اللهب، فما بالك بمن يقترب من النجوم، الأسوأ أن تقترب من نجم يذبل، لأنه يتحول لثقب أسود قد يبتعلك، وكان صلاح الدين يدرك كل هذا، لكنه لم يخش الاقتراب من نجمته التي عشقها لسنوات قبل أن يلتقيها، طلبت منه يوم طلب منها الزواج أن يتركها وحدها، وبعد ما يقرب من عام ونصف، وبعد أن أبلغهما الطبيب محمد أبو الفتوح، أستاذ جراحة الجهاز الهضمي بإصابتها بسرطان الأمعاء، سقط هو على مقعده ثم استعاد قوته ليخبرها أنه بجوارها، وسيظل تحت قدميها أن يتركها وحدها مرة أخرى.
في الأولى كانت تقيم قدرته على أن يبقى سنداً، وفي الثانية كانت تعرف أن السند حتى لو غادر سيبقى سنداً.
كان الرجل عاشقاً تفرغ لإدارة أعمالها وافتتح شركة للانتاج من أجل أن يعود بها مرة أخرى للأضواء، لكن المرض اللعين كان قد نصب سيركاً لا يعرف البهجة حول جسدها، كانت المعركة غير عادلة بين حب وُلد كبيراً، وبين مرض لا يُهزم.
نعيمة عاكف الأم:
أنجبت نعيمة عاكف ابنها الوحيد “محمد” من زوجها الثاني صلاح الدين، بعد زواجهما بعام واحد، استقرت لاعبة السيرك للمرة الأولى، فرأت أنه الوقت المناسب لتهب الحياة طفلاً وتهبها الدنيا أمومة، وبعد أقل من عام كانت تدرك أنها لا تملك الوقت الكافي لتهب ابنها ما لديها من حب، كان السرطان يقهرها، فاصطحبت ولدها أثناء تصوير فيلم “أمير الدهاء”، كانت تهرع إليه في الفواصل بين تصوير المشاهد، بينما يقف زوجها العاشق حاملاً إياه حتى تأتي.
رقصت أثناء تصوير الفيلم رقصتها الأخيرة، التهبت أيدي الناس من التصفيق لأنها رقصت كما لم ترقص من قبل، وحده العاشق كان يعرف أنها رقصة على الجمر، وأن حبيبته تودع عشقها الأول للأبد، لم يدعها أبداً ترى دموعه، حتى حين أخبرته وحده بقرار الاعتزال بعدما عاد نجمها للشروق وصورتها لأغلفة المجلات، كان رده بسيطاً، أخبرها أنه سعيد، ولكنه يرفض أن تغيب، رفض أن يحمّلها ما لا طاقة لها به.
قدر العشاق الحقيقيون الصمت أحياناً، فمن مقدرات السند أن تبقى موجوداً حتى لو لم يعجبك القرار، ليس هناك سواك ليعذر ويتحمل.
المرض:
كانت جرعات العلاج في منتصف الستينيات تقتل الأمل في الشفاء قبل أن تقتل المرض، ذاع السر الذي أخفته في حضن حبيبها وانتشر في الصحافة بعدما رأها أحد الصحفيين تغادر المستشفى، لم يعد البكاء بين يدي حبيبها كافياً، وصارت الابتسامة مستحيلة.
حتى ذلك اليوم الذي ارتفع فيه رنين الهاتف ليخبرها المتصل أن الدولة قررت علاجها على نفقتها في الخارج، تلاه خبرا منشورا في “الأهرام” قرأه الزوج -راقصاً هو هذه المرة على لسان رئاسة الجمهورية- يتناول علاجها وتحديد موعد سفرها يوم ١١ أبريل، لكنها سقطت يوم ٦ أبريل، لتغادر الحياة في الثامن من الشهر ذاته قبل موعد سفرها بثلاثة أيام عن عمر يناهز السادسة والثلاثين عاماً، قضت فيهم أعواماً أربعة أولى كطفلة تعاني شظف العيش في طنطا، قبل أن تعمل في سيرك والدها لما يزيد عن عقد ونصف قبل أن تقتحم عالم السينما.
تزوجت نعيمة عاكف مكتشفها، فلم يرحمها من غيرته كلما تألقت، وانفصلت لتلتقي بعاشقها الذي واجه معها السرطان وزوال النجومية.
ماتت نعيمة قبل أن تحقق أحلامها، وبقي صلاح يحمل طفلها -حلمها الأكبر- الذي رددت اسمه ثلاث مرات قبل أن تصمت للأبد، وكأن مكتوب العاشقين الألم، وليس هناك أكثر من الفراق ألما.
عامان فقط كانا كل ذخيرة تلك القصة التي حملها صاحبها وصمت بعدها للأبد، مؤمنا بأن “ساعة في قرب الحبيب”، تسوى الدنيا وما عليها.
رحمهما الله وجمعهما سويا.
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال