585 مشاهدة
هبدات فنية مستمرة في الدوران
يعاني الانترنت العربي من مشكلة ضخمة في قاعدة بياناته الصحيحة، حتى موسوعة البيانات الحرة “الويكيبيديا” تعج بالمعلومات المغلوطة وأصبحت مصدرًا لا يعتمد عليه، مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وجدت الشائعات والمعلومات المغلوطة البيئة الخصبة كي تنمو وتنتشر بشكل أسرع خصوصا المعلومات الفنية .
هناك العديد من “الهبدات” والمعلومات المغلوطة المنتشرة والتي تحولت بمرور الوقت مع كثرة تداولها إلى حقيقة مطلقة يصعب نفيها وتاهت معها المعلومة الصحيحة، وعندما تطلب مصدر المعلومة لا يأتي رد مقنع او حقيقي ويكابر البعض على أنه التقطها من إحدى المجموعات او الصفحات الفنية التي لا هم لها سوى “الترافيك” وبالطبع كلما كانت المعلومة مثيرة وبها بعض البهارات كلما انتشرت أكثر في ظل مستخدمين لا يبحثوا بشكل جدي عن صحة المعلومات ويرمي أذنه في الغالب لحكاوي المصاطب التي يميل إلي تصديقها أكثر من الحكايات الأصلية.
محمود الليثي عندما يكون الاستهبال الفني أسلوب حياة.
“هدية ست الحبايب”
“الهبدة”
كل سنة في عيد الأم تنتشر قصة كتابة أغنية ست الحبايب وأن الشاعر حسين السيد كان في زيارة لوالدته يوم عيد الأم ولم يشتري لها هدية فوقف على سلم العمارة وكتب لها الأغنية لتحل محل الهدية.
“الحقيقة”
قبل عيد الام اقترحت السيدة زينات الجداوي رئيسة لجنة تنظيم عيد الام على المسؤولين في الإذاعة إعداد أغنية خاصة بالأم واتصلت بالموسيقار محمد عبد الوهاب الذي ابدى موافقته على تلحينها ثم أوكل مهمة كتابة الأغنية للشاعر حسين السيد تلك هي كل القصة ببساطة.
“دويتو السنباطي وأم كلثوم”
“الهبدة”
منذ فترة قام أحد مستخدمي منصة الساوند كلاود بحيلة ذكية من شأنها زيادة عدد المتابعين والزائرين لصفحته ورفع مقطع من أغنية “حيرت قلبي معاك” وعنون المقطع بأسم “دويتو أم كلثوم والسنباطي”، انتشر المقطع بشكل غير مسبوق كأحدى المقاطع النادرة جدًا دون أن يذكر هل كان في بروفة أم ماذا؟
“الحقيقة”
ما لم يلتفت إليه أغلب من استمعوا إلي المقطع ان المستخدم قام بدمج صوت المطرب الكويتي عوض الدوخي وهو يغني “حيرت قلبي قلبي معاك” مع الأغنية الأصلية لام كلثوم، وبما أن الغالبية لا تعرف من هو عوض الدوخي ولا تعرف أنه كان يعيد تقديم الكثير من أغنيات أم كلثوم فكان أميل إلى تصديق أنه السنباطي بالفعل.
“فرنسا وفيلم الهروب”
“الهبدة”
من حين لآخر يظهر فيلم الهروب كتريند شبه موسمي على جروبات السينما على موقع الفيس بوك، ويبدأ الحديث عن أن غناء صياد الصقور في الفيلم عبارة عن تسجيل تم بواسطة رحالة فرنسي في القرن ال 19 ثم في الستينات قام أحد الباحثين بمعالجته في إحدى الدراسات عن الفلكلور المصري وعند إعداد فيلم الهروب ذهب الثنائي عاطف الطيب ومودي الإمام إلي وزارة الثقافة الفرنسية عام 1991 للاستعانة بهذا التسجيل داخل الفيلم.
رابط الهبدة على إحدى صفحات الفيس بوك وبها أكثر من 100 ألف مشترك
“الحقيقة”
انتشار تلك المعلومة جعلت الموسيقار مودى الإمام يرد بنفسه عليها وينفي كل ما حدث في منشور طويل على صفحته الشخصية ومع ذلك لازالت الهبدة مستمرة في الدوران على جروبات السينما على الفيس بوك.
رابط منشور الموسيقار مودي الإمام على الفيس بوك
“الشاعر المكوجي”
“الهبدة”
عندما تأتي سيرة اغنية “على الحلوة والمرة” تظهر قصة الجواب الذي أرسله المكوجي إلي حبيبته الخادمة التي تعمل لدى الشاعر مأمون الشناوي الذي وجد الجواب في ملابسه فاستدعى المكوجي الشاعر وقدمه إلى الملحن محمود الشريف، تلك القصة ساهم في نشرها الكثيرين يأتي على رأسهم الناقد طارق الشناوي.
“الحقيقة”
في مقال لطارق الشناوي نفسه قال إنه استمع إلى تسجيل قديم للراحل سيد مرسي اعاده المذيع إبراهيم حفني ونفي القصة تمامًا وأنه وجد محفظة الملحن محمود الشريف فذهب إلي نقابة الموسيقيين وهناك تعرف عليه، الغريب هو مكابرة طارق الشناوي الذي يميل إلى تصديق رواية منقولة عن عمه ولا يصدقها من صاحبها الأصلي وفي حوار للشاعر حسام العقدة على قناة النيل الثقافية في حلقة عن الشاعر سيد مرسي ذكر أن أحد أقارب الشاعر اتصل به لينفي عنه القصة التي يروج لها الشناوي ومع ذلك المعلومة منتشرة بشكل يصعب تغييرها بل وذكرت في العديد من المطبوعات ولا زالت تتداول في بعض في الوثائقيات
“أم كلثوم وبليغ العيل”
الهبدة
في حلقة تليفزيونية عن بليغ حمدي في برنامج الصحفي محمد الباز كانت هناك مباراة للتعلية في الهبد والتلفيق بين الصحفيان “محمد العسيري و أيمن الحكيم”، الحلقة بالكامل تحتاج إلى مقالات عديدة للرد على كم المغالطات والحكايات المتواترة التي نقلت دون التأكد من صحتها، يقول أيمن الحكيم المتخصص في إصدار كتب عن بليغ حمدي أن السنباطي عندما علم بنية أم كلثوم التعاون مع بليغ حمدي ذهب إليها ويعاتبها قائلًا” أنتي هتعيلي على أخر الزمن شوفي بقا حد يعملك مقدمة زي الأطلال” ثم قام العسيري بالتعلية علي الحكيم قائلًا بأن بليغ هو من جعل أم كلثوم تغني غناء بلدي مستشهدًا بمقطع “وانت معايا يصعب عليا رمشة عنيا ولا حتى ثانية”.
“الحقيقة
حتى مع وجود خلافات وتراشق صحفي بين السنباطي وبليغ حمدي فلا أعرف ماذا كان يرمي إليه الحكيم بتلك المعلومة المضحكة جدًا “أنتي هتعيلي” التي لا تخرج إلا من طفل غاضب وليس موسيقار كبير بقيمة السنباطي، فهل كان يقصد أن السنباطي يخشى أن تتخلى عنه أم كلثوم مع العلم بأن السنباطي لحن لها العديد من الألحان بعد تعاونها مع بليغ إذن الكلام غير منطقي وما يؤكد أن القصة ملفقة تمامًا هو ذكر مقدمة قصيدة الأطلال علمًا بأنها ظهرت إلى النور في عام 1966 وبليغ بدأ بالتعاون مع أم كلثوم في عام 1960 فهل خمن السنباطي مقدمة الأطلال قبل تلحينها.
أما الهبدة الثانية فهي تتوقف على ما كان يقصده العسيري فإن كان يعلم أن المقطع الذي استشهد به “وانت معايا يصعب عليا” من ألحان عبد الوهاب وليس بليغ إذن هو يرمي إلى تأثر عبد الوهاب بأسلوب بليغ التلحيني وهذا ينم عن جهل موسيقي فاضح لأنه لم يوضح لنا ماهو الغناء البلدي اصلًا فهل يقصد الغناء الشعبي مثلًا! وهل استمع إلي أداء أم كلثوم في البدايات مع الشيخ أبو العلا على سبيل المثال وهل يعلم أن عبد الوهاب قدم كافة القوالب الغنائية قبل ظهور بليغ اصلًا.
أما إذا كان لا يعلم أنها من ألحان عبد الوهاب ونسبها إلى بليغ عن جهل فالأفضل له أن يترك مهنة الصحافة ويتفرغ لكتابة الأغاني فقط.
“أهو ده اللي مش لحنك ابدًا”
“الهبدة”
عندما تأتي سيرة أغنية “أنساك” للسيدة أم كلثوم تطفو على السطح قصة ترك الموسيقار محمد فوزي تلحين الأغنية إلي بليغ حمدي الذي وجد الكلمات في مكتبه ولحنها دون أن يعلم أنها تعد خصيصًا للسيدة أم كلثوم، ويمعن البعض مثل الماكيير “محمد عشوب” في وضع بعض البهارات على القصة بأن لحن بليغ العبقري للأغنية كان سبب في ان يقدمه فوزي إلي السيدة أم كلثوم.
تلك القصة منتشرة بشكل لا يوصف ويتم استغلالها للتدليل على أمرين الأول هو نزاهة وكرم محمد فوزي الذي تنازل عن فرصة التلحين لأم كلثوم لأنه رأي أن لحن بليغ أفضل من لحنه والثانية لمنح بليغ حمدي عبقرية لا يحتاجها لأنه ملحن عبقري بالفعل.
“الحقيقة”
بعد خلاف طويل بين الشيخ زكريا أحمد وأم كلثوم على حقوق الأداء العلني للألحان ووصول الأمر إلي ساحات المحاكم، تمت المصالحة بينهما والاتفاق على أن يقوم الشيخ زكريا بتلحين ثلاث أغنيات مقابل 700 جنيه لكل لحن، وبالفعل عاد التعاون بداية من أغنية “هو صحيح الهوى غلاب” أواخر عام 1960 وبدأ الشيخ زكريا في تلحين الأغنية الثانية “أنساك” ووفاته المنية بعد وضع المقدمة والمقطع فقط.
في حوار إذاعي لأم كلثوم قالت انه استدعت بليغ حمدي لتسأله من أقرب الملحنين إلي قلبك فذكر اسم الشيخ زكريا أحمد فأعطته الأغنية كي يكمل ما بدأه الشيخ زكريا، وبليغ نفسه في حوار على التليفزيون المصري ذكر أن فوزي قدمه إلي أم كلثوم في لحن أغنية حب ايه ولم يذكر أغنية انساك ابدًا وفي عام 2001 تقدمت السيدة تحية زكريا أحمد إلي جمعية المؤلفين والملحنين بطلب وضع اسم والدها على أغنية أنساك بجانب بليغ مستندة إلي صورة من عقد الاتفاق بين والدها وبين أم كلثوم على تلحين الأغنية و تقاضى أجره عنها بالكامل، وعلى نفس السياق نشر الشاعر صلاح جاهين كاريكاتير في جريدة الأهرام بعد صدور الأغنية يسخر من نسب اللحن إلى بليغ قائلًا “أهو ده اللي مش لحنك ابدًا”.
“مودي ومدحت”
“الهبدة”
إذا قمت بعمل بحث على شبكة الإنترنت على أغنية “متحلمشي” من فيلم زكي شان سيظهر لك مئات الروابط التي تقول أغلبها أنها أغنية “مدحت صالح”.
“الحقيقة”
لو عدنا إلي تتر الفيلم سنجد أن مكتوب فيه أن الأغنية من كلمات الشاعر محمد فضل مؤلف الفيلم وألحان وتوزيع الموسيقار عمرو اسماعيل ولا يوجد أي تشابه بين صوت مدحت صالح وصوت مودي جمال.
“الحكاية مبتنتهيش”
“الهبدة”
على غرار أغنية “متحلمشي” تنتشر اغنية نهاية فيلم تيتو “الحكاية ما بتنتهيش” على أنها من غناء المطرب هاني عادل وساهم في هذا اللبس وجود نسخة بالفعل بصوت هاني عادل على قناته الرسمية على موقع اليويتوب بالإضافة إلى غنائه أغنية “مد ايد” داخل أحداث الفيلم.
“الحقيقة”
أغنية “الحكاية مابتنتهيش” من غناء المطرب الراحل ياسر شعبان أحد أعلام الغناء الغربي في تاريخ مصر ويعرفه جمهور الفرق الغربية جيدًا وله باع كبير في دبلجة أفلام الكارتون وهو بالمناسبة الشقيق الأكبر للمطرب هشام نور ومذكور اسمه على الأغنية في تتر نهاية الفيلم.
عزيزي القارئ لا تصدق كل ما تقرأه على شبكة الانترنت ولا تساهم في انتشار أي معلومة مهما كانت بسيطة قبل التأكد من صحتها.
مصادر أغنية أنساك
كتاب السبعة الكبار في الموسيقى العربية ” فيكتور سحاب”
مذكرات زكريا أحمد “صبري أبو المجد”
الكاتب
ما هو انطباعك؟
