همتك نعدل الكفة
49   مشاهدة  

هل اختلف مزاج رد فعل المصريين مع تغييرات الحكومة طيلة قرن ونصف؟

تغييرات الحكومة
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



طيلة 146 عامًا تعاقبت على مصر 125 وزارةً تولاها 56 رجلاً، وخلال قرن ونصف تباين مزاج المصريين مع تغييرات الحكومة، حسب ظرف كل مرحلة وأخرى.

الحكومات المصرية وفلسفة التغيير في بنيانها عبر العصور

قصر عابدين مقر الحكم قبل 8 سنوات من تشكيل أول حكومة مصرية
قصر عابدين مقر الحكم قبل 8 سنوات من تشكيل أول حكومة مصرية

منذ أن عرفت مصر نظام الوزارة شهدت الحكومة تغيرًا في الكم، فعندما تأسست أول حكومة سنة 1878م بدأت بـ 8 نظارات هي الخارجية، والداخلية، والحقانية (العدل – لاحقًا)، والجهادية (الدفاع ـ الآن)، والأوقاف والمعارف والمالية والأشغال؛ ثم زادت وزارة أخرى هي 1882م وهي وزارة الأقاليم السودانية التي تم إلغاءها لاحقًا.

وقبيل وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى نشأت وزارتين هما الزراعة سنة 1913م والمواصلات سنة 1919م ثم تأسست وزارة التجارة والصناعة سنة 1935م وبعدها بسنة تأسست وزارة الصحة العمومية، ثم زاد عدد الحقائب الحكومية سنة 1939م بتأسيس وزارة الشئون الاجتماعية، ثم تأسست وزارة التموين عام 1940م وبعدها تأسست وزارة الوقاية المدنية سنة 1941م واستمرت لعام 1944م إلى أن تم إلغائها.

ويلاحظ في تطور الكم أن ضرورة الزمن والظروف المصرية المختلفة كانت تلعب دورًا كبيرًا في زيادة عدد الحقائب؛ فمثلاً وزارة الوقاية المدنية كانت ضرورة بسبب الحرب العالمية الثانية والخوف من ضرب العمق المصري عن طريق الألمان.

يلاحظ أيضًا وجود وزارات بسبب التطور مثل وزارة الشئون القروية التي تأسست في فبراير 1952م وألغيت بعدها بشهر، وقد جاءت تلك الوزارة كمحاولة من العصر الملكي للاهتمام بشأن الأرياف.

ونظرًا لتفشي وجود رأس مال أجنبي كبير في مصر مع محاولة حثيثة وبطيئة لوجود اقتصاد مصري، تأسست وزارة اسمها وزارة الاقتصاد الوطني والتي صدر قرار إنشائها في 6 مارس 1950م، وبقيت سنتين إلى أن تم ضمها لوزارة المالية.

في ظل الحكم الجمهوري بعد قيام ثورة يوليو وحتى الآن كانت الحكومات المصرية تشهد تغييرًا في عدد الوزارات، فقبل 1952م كان مجموع الحقائب الوزارية 15 وزارة، وبعد الثورة زادت زيادات بين 20 و30 وزارة، وكانت حكومة علي صبري الثانية هي الأكثر من حيث الوزارات حيث شهدت 37 وزارة، ويرجع ذلك الكم لاستحداث وزارات (ألغيت لاحقًا)، مثل وزارات الإصلاح الزراعي والسد العالي وإصلاح الأراضي، وشئون الأزهر.

ويلاحظ في أغلب الحقائب التي تم استحداثها بحسب ما تقتضيه ظروف المرحلة في عهود رؤساء مصر المختلفين نتيجةً للمشاريع الاقتصادية التي كانت فيها الجمهورية تحديدًا بعد تأميم القناة وبداية تأسيس السد العالي.[1]

حال المصريين مع تغييرات الحكومة قبل ثورة يوليو

حكام أسرة محمد علي باشا
حكام أسرة محمد علي باشا

أغلب حكومات مصر قبل ثورة يوليو كان استقبال المصريين لها فاترًا، إلا في حالات محدودة مرتبطة بوقائع سياسية هامة، وكل ذلك راجع إلى ظروف الاحتلال البريطاني لمصر.

فمثلاً كان الاهتمام بحكومة حسين رشدي باشا الثانية كبيرًا، لكونها أول حكومة مصرية مصرية تشكلت بعد الخلع الكامل والنهائي لتبعية مصر الإسمية للدولة العثمانية، وبعد خلع الخديوي عباس حلمي الثاني عن حكم مصر؛ يضاف إلى ذلك أنها لقيت سخطًا كبيرًا من المصريين نتيجةً لظروف الحرب العالمية الأولى التي تكدبت فيها ثروات مصر الاقتصادية والبشرية خسائر فادحة.[2]

حسين رشدي باشا
حسين رشدي باشا

وإن كانت حكومة عبدالخالق باشا ثروت الأولى في مارس 1922م التي شهدت إلغاء الحماية البريطانية عن مصر لقيت اهتمامًا مثل الاهتمام الذي لقيته وزارة يحيى باشا إبراهيم في مارس 1923م بسبب صدور دستور 23، فإن أعظم اهتمام مصري بحكومة في ظل الاحتلال كان بحكومة سعد زغلول سنة 1924م لكونها جاءت بعد ثورة ضخمة وجاءت في ظل أول انتخابات برلمانية حقيقية في مصر.

خبر تشكيل حكومة سعد زغلول
خبر تشكيل حكومة سعد زغلول

في أحيانٍ كثيرة لم يكن المصريين يهتمون بأخبار الحكومة قبل الثورة خصوصًا في الفترة التي شهدت وزارات ائتلافية أو أقلية، باستثناء حكومات التفاوض مع الإنجليز، ورغم ذلك فإن حالة مزاج المصريين الوطني مع الحكومات يمكن إدراكه في حكومات أخرى من أبرزها حكومة مصطفى النحاس الخامسة في 4 فبراير 1942م إذ جاءت على دبابات الجيش البريطاني، وأحدثت تلك الحكومة انقسامًا سياسيًا حول شعبية الوفد الذي كان من رأيه أن عدم قبول الحكومة يعني إلغاء الحماية عن مصر، إلى أن ارتفعت شعبية النحاس بحكومته السابعة بسبب إلغاء معاهدة 1936م وذلك في 7 أكتوبر 1951م.

خبر تشكيل حكومة النحاس بعد حصار 4 فبراير وخبر إلغاء معاهدة 36
خبر تشكيل حكومة النحاس بعد حصار 4 فبراير وخبر إلغاء معاهدة 36

فمما سبق فإن تلخيص مزاج المصريين مع الحكومات المختلفة في النصف الأول من القرن العشرين بأنه شهدت تفاوتًا في الاهتمام، فتارةً يكون الاهتمام وطنيًا صِرْفًا؛ وفي أحيانٍ يكون سياسيًا صِرْفًا وذلك يظهر في ظروف الحرب أو الخلافات السياسية بين رأس السلطة (الخديوي، السلطان، الملك) ورئيس الحكومة، أو بين رئيس الحكومة والشعب، وفي أحيان قليلة يحدث اهتمام بعد حدوث اغتيالات لرؤساء الوزراء المختلفين مثل بطرس غالي وأحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي.

حال المصريين مع تغييرات الحكومة في العصر الجمهوري

رؤساء مصر
رؤساء مصر

يمكن الجزم بأن المصريين في ظل الحكم الجمهوري قد اهتموا بكافة حكومات مصر في الفترة من سنة 1952م حتى 1981م، والفترات التي تخللها عدم اهتمام كانت في الفترة ما بعد زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات للقدس سنة 1977م والتي جاءت بعد أشهر من انتفاضة 18 و19 يناير من نفس العام.

فمثلاً خلال سنوات حكم جمال عبدالناصر كان هناك اهتمام بالتشكيلات الحكومية المختلفة كون أن فترة جمال عبدالناصر حافلة بأحداث وطنية أشبه بالمشروع الوطني القومي، وحافلة أيضًا بهزات عنيفة أشرسها ما جري في 1967م؛ فكان مزاج المصريين مع حكومات العهد الناصري مزيج من التصديق للحلم القومي من جهة، والخوف من المستقبل بعد النكسة ووفاة جمال عبدالناصر.

وما يخفت الاهتمام بالتغييرات الحكومية في حكم السادات وذلك لأنه كان حافل بفترات صعبة سبقت حرب أكتوبر، وبفترات معقدة بعد الانتصار، وإن كان حدث شرخ في الاهتمام بعد توقيع معاهدة السلام ثم اغتيال السادات، بينما في عصر مبارك كان الشغف المصري بالتغييرات الحكومية أقل من عصر سلفيه لخلو عهد مبارك من أحداث هامة باستثناء غزو العراق للكويت ويضاف لها حكومات الكوارث، إلى جانب أن حركات التغييرات الوزارية في عهد مبارك كانت شديدة البطء، وبالتالي كان يحدث الاهتمام المصري في الوزارات التي طالها تعديل لأسباب جدلية مثل إقالة أبو غزالة في إطار فضيحة لافون، وإقالة زكي بدر الذي كان أغلب المصريين يبغضوه؛ لينقلب المزاج بعد ثورة يناير 2011م التي كانت فصل الختام لعهد مبارك.

بعد ثورتي يناير ويونيو كان مزاج المصريين مع التغييرات الحكومية متبانيًا، وكان وليد الثورتين، وإن كانت حكومة مصطفى مدبولي الثانية لقيت اهتمامًا لارتباطها بوضع اقتصادي وأزمة الكهرباء.

فالمحصلة أن المزاج المصري مع التغييرات الحكومية في العهد الجمهوري كان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما يشهده الوطن من أحداث وطنية كبيرة سواءًا إيجابية أو كارثية، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية، فيما عدا ذلك فإن ذلك الاهتمام يخفت حسب مدة طول الحكومة أو آثارها.


[1]  للإطلالة المعلوماتية على تفاصيل تغييرات الوزارات أو دمجها أو إلغاءها والفوارق بين العهدين الملكي والجمهوري، انظر :-

إقرأ أيضا
المخرج حلمي رفلة

محمد الجوادي، البنيان الوزاري في مصر، ط/1، دار الشروق، القاهرة – مصر، 1996م.

نفس المؤلف، التشكيلات الوزارية في عهد الثورة، ط/1، الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، القاهرة – مصر، 1986م.

[2]  للاستزادة من التفاصيل التاريخية طالع :-

محمد أبو الغار، جريمة اختطاف نصف مليون مصري، ط/1، دار الشروق، القاهرة – مصر، 2023م

لطيفة سالم، مصر في الحرب العالمية الأولى، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة – مصر، 1984م

اقرأ أيضًا 

“تحقيق في المشروع الأجرأ” قراءة لفلسفة تعامل الحكومات مع تطوير مناطق القلعة والفسطاط

الكاتب

  • تغييرات الحكومة وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان