همتك نعدل الكفة
179   مشاهدة  

هل تدعو أمي الله حقًا من أجل فلسطين؟!

فلسطين


نعم؟ هذه هي الإجابة ببساطة ووضوح، لا تجهر أمي بدعائها ولا تلتفت لإفيهاتنا المعتادة حول دعائها الذي يتناقض وما نقابله– أنا وشقيقي- في حياتنا، كأن بداخلنا يقين سحري أنه لا يمكن أن يحدث لنا هذا وهذه السيدة جالسة تدعو لنا، ليظل إفيه “إبقى اتوضى قبل ما تدعي يا شيخ عبد الباري” أحد جمل منزلنا الخالدة.

أعرف أمي جيدًا، بالتأكيد هي طيبة رغم كل خلافتنا، صحيح أنها لديها ذاك العناد الطفولي، وأنها دائمًا على صواب، ولكنها حينما تخطئ لديها تلك الابتسامة التي أعرفها جيدًا والتي تحمل بداخلها جملة (ما خلاص بقى أنا أمك برضو)، صحيح أننا مختلفين كل الاختلاف وربما كان اختلافنا دائمًا على أمور جوهرية في الحياة، فأمي العادية جدًا تتوتر من أي تفكير غير عادي، ولكن للحق، لم تحاول يومًا أن تفرض أفكارها عليّ خاصة وقد كبرت كثيرا على هذا الأمر.

ولأنني أعرف أمي جيدًا، تلك السيدة السوبر عادية – فسر ذلك التوصيف كيفما شئت – تلك السيدة القاطنة في جنوب سيناء المولودة في بورسعيد، لديها حالت عداء وثيق ضد “الكيان” عداء يمكن اعتباره موروثًا، فلقد قضت بضع سنوات من طفولتها الأولى في ظل التهجير بعد نكسة 67، وبعض المعرفة بالاحتلال الإسرائيلي وآثاره فلقد كانت حاضرة في طور سيناء أثناء النزاع على طابا، صحيح أن أمي لم ترى أحد الصهاينة وجهًا لوجه، ولكنها تكرههم بصدق.

الغريب أنه في العادي أمي لا تكره شيء، ولكن على الرغم أن كل ما بقي معها من ذكريات التهجير هي مجموعة “أكلات الفقر” التي تعلمتها في طفولتها من كثرة ما تناولتها في تلك الفترة بالتأكيد، ومكان تهجيرهم في إحدى المدارس، ولكن أظن هذا كافيًا لها لتكره هذا الكيان الذي كان سببًا في تلك الطفولة المختلفة عن أخرياتها.

تلك -اللوزة- التي طالما أزعجتنا باستيقاظها فجرًا كل يوم -حتى في الإجازات- التي تنهي صلاتها وتفتح إذاعة القرآن الكريم وتجلس أمام البلكونة تطالع البحر في الأفق بأسدال مزركش، حتى تطلع الشمس، فتبدأ في ترتيب المنزل قبل الذهاب للعمل، تخصص وقت الشروق للدعاء والأذكار، تدعو وتدعو ولا تمل من تكرار الدعاء لنا ولها ولفلسطين ولامة المسلمين.

أمي لا تكره شيء، هي تحب ما يحبه الأخرون، مؤمنة بصلابة، وليبرالية بالفطرة، ربما هي نفسها أنها لا تعرف أنها ليبرالية، أمي لم تتحدث يومًا عن الشأن العام العربي، تتحدث فقط في الأمور الداخلية للبلاد، التي تعرفها من مناقشات زملاء العمل، فأمي لا تشاهد الأخبار، ما بين مسلسلات وقنوات دينية تتمحور حياة “الحاجة” في مجاهل جنوب سيناء.

أمي لا تعرف اسم رئيس فلسطين، ولا تعرف الفرق بين حركة حماس وحركة فتح، ولا تعرف أن فلسطين على الخرائط دوله مقسمة لقطاعين “الضفة وغزة” ولا تعرف من هو عز الدين القسام، ولا تعرف أي شيء عن السياسية العربية سوى أبسط القشور، ولكنها تعرف شعور أم ترى وليدها في خطر، أو تعرض لأذى، شاطرت صديقتها الأحزان حينما خطف الموت ابنها الأصغر، حينما سمعت أن صديق لي مات غرقًا وأنا في ثانوي، أو ما قالته هو ” يا عيني عليكي يا فلانة” وذكرت اسم والدته.

أمي تعرف أيضا شعور تلك الطفلة التي دمر منزلها، وتركت شارعها، لتلعب في حواري وممرات جديدة، تعرف شعور أن تترك منزلك فجأة وتصبح في الشارع، -ربما هذا ما يجعلها لا شعوريًا حريصة على أن يشتري كلًا منا مسكنًا بأي شكل- تدرك شعور أن تعيش على حد الكفاف، وأن تصبح عروسة من القماش المعاد تدويره هي أثمن ما تملك، تدركه وتتذكره حتى وإن لم تخبرنا، فبالتأكيد أمي تدعو لنصرة فلسطين وأهلها، كيف تسألني هذا السؤال.

إقرأ أيضا
جوائز الدولة 2024

العداء يورّث كالصفات والخصال، وكذلك الشعور بالألم، فكل الأمهات كأمي يدعون الله لنصرة فلسطين حتى وإن لم تكن لهن نفس تجربتها، ونحن جيل ورث هذا العداء، عداء موروث تضاعف بما رأيناه بأعيننا، ونتكره لأولادنا الذين يرون ما يحدث اليوم، وهكذا تظل دائرة العداء متوارثه، وتستمر أمي وأمهاتنا في الدعاء، اللهم أمين.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان