هل نحب الآباء لأنهم فقط آباؤنا أم هناك شيء آخر؟
العلاقات الفطرية تشبه كوكب من المشاعر المتضاربة، يدور معه بنفس السرعة، سؤال مُلح نتجنب دائمًا أن نطرحه على أنفسنا “إحنا بنحب أهالينا عشان هما أهالينا ولا عشان طريقتهم معانا؟” وعلى وجه التحديد نجد هذا السؤال مرتبط بعلاقة الآباء بأبنائهم.
الحياة ما هي إلا بيوت كثيرة في مناطق متفرقة، وكل بيت منهم يحمل قصة ما، وكل نفسٍ قد تحمل قصةً موجعة بسبب أشخاص مروا بحياتهم، لكن الأشد وجعًا أن يكون مصدر هذا الوجع شخص تحبه بالفطرة، ولعل الأبرز بين هذه العلاقات هي علاقة الأب والأبناء في المجمتعات الشرقية.
هناك أجيال مختلفة تعاني اضطراب علاقاتهم بأبائهم، مشاعر متضاربة بين النفور والانتقام والخوف، عقد نفسية تتصاعد مع مرور الوقت حتى تصل بصاحبها إلى الهاوية، فالأب الشرقي نفسه وليد تراكمات عدوانية من أبيه وهكذا… “لو عايز تربي ابنك صح ماتربيش عيالك زي ما اتربيت” هذه ربما تكون الحكمة الأبلغ حول العلاقة المعقدة بين الأب وأبنائه.
“الكره وعدم الثقة في النفس، مشاعر توصم روح أبناء ليس لهم ذنب سوى أن هذا الرجل هو والدهم واسمهم بعد اسمه”.. ربما يكون هو الوصف الأنسب لـ 3 أشخاص ممن تحدثنا معهم عن سبب كرههم لوالدهم -رفضوا الإفصاح عن شخوصهم- صاروا هؤلاء وربما أكون واحدًا منهم يعانون مرض يسمى تشوه في العلاقة الفطرية!
يقول أحدهم “ساعات بحس إني نفسي بابا يحضني.. أنا دايما بشعر بالتوتر في العمل في الزحمة وأحيانًا أشعر أني مكروه حتى عندما هدأت خلافاتي أنا وأبي وبدأت أشعر بحبي، ذلك الحب الفطري الذي كدت أن أنساه، حتى لو كان شعورًا طفيفًا بالحب، لكن مازالت هناك مشكلة بنفسي مازلت أشعر أنني أريد أن أهزم كل أب وأشعره إني أفضل منه”.
“أنا نفسي أضرب أبويا في نفس الأماكن اللي وجعت أمي واللي وجعتني”، صدمتني هذه الكلمات.. قالها شاب يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا، ويواصل “أتذكر كل المرات التي عنفني فيها وكل المرات التي كان يضرب فيها أمي، فأبي نتاج سيء لفكرة الزواج من أجل الزواج فقط، لا يعرف أي شيء عن الأبوة ولا عن الرجولة! يظن أن الرجولة أنه انجبنا فقط لكن الرجولة هي التربية وهو بالتأكيد يجهل معناها”.
على جانب آخر هناك من يحملون الجانب المشرق للعلاقة بين الآباء والأبناء، الجانب الذي يجعلك تشعر أن الحب الفطري هو الذي ينتصر، فأبرز العلاقات التي لفتت نظري هي علاقة الفنان “محمود البزاوي” وابنه فمن بين العديد من البوستات عن كره الأب والرغبة في مقاطعته للأبد نجد علاقة من العلاقات المبهجة، بين أب دائم المزاح مع ابنه الذي يختلس ملابسه، ابن دائم الفخر بوالده وبفنه وأعماله، علاقة شفافة صادقة، لعلها تعطي الأمل أن هناك آباء يعيشون كي يكونوا عونًا لأبنائهم، ليس مجرد آلة للسب وإعطاء المال، فلعل هناك أمل في تكسير صنم التشوه الأبوي الغائر للأبد.