هل وسعت رحمة الله غزة أيضًا؟!
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
العنوان صادم بالطبع، العنوان السؤال، لكنني أؤكد أن كثيرين يسألونه لأنفسهم بعد كل مرة يشاهدون فيها ما يجري على أرض غزة، القتل والتدمير والتجويع والتعطيش، وأعمال الإبادة التي يرتكبها المحتلون في حق أصحاب الأرض، وما هو أكثر بكثير؛ الناس لا يجرؤون على طرح السؤال خارجهم لأنهم يخافون من الآخرين، يخافون التكفير والتفسيق، أو يتوقعون الإجابات التقليدية التي لا تشفي الغليل..
اقرأ أيضًا
لماذا يدعو المؤمنون الله ولا يستجاب لهم؟!
أنا أجرؤ، هذه إحدى مهمات الكاتب، أن يكون جريئًا، كما أن مهمته الأساسية أن يكون معبرًا عن الآخرين، فيما لا يستطيعون البوح به قبل ما يستطيعون، وقد يعلم أنه يمكن أن يدفع الثمن منفردًا في آخر الأمر، لكنه لا يجب أن يبالي؛ فالكتابة للصحافة شيء رائع حقًا، ويستحق أن ندفع ثمنه الغالي لو كان لا بد من ثمن!
أنا أؤمن أن رحمة الله تعالى وسعت غزة كما وسعت كل شيء “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”.
قال جملة من المفسرين إن آية “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” آية عظيمة الشمول والعموم، وأقول إن القرار الإلهي بكتابتها للمؤمنين “فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”.. أقول إن ذلك لا ينفي شموليتها وعموميتها ابتداء، والمعنى أنها “وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” من الأول، قبل أن يجري تخصيصها لفئة معينة!
على كل حال الغزيون مؤمنون، نحسبهم على خير، فأين رحمة الله الرحيم بهم؟! هكذا يسأل السائل نفسه، مستغفرًا طبعًا، ويحدثها فيقول: كل شيء يموت في غزة، الإنسان والحيوان والنبات، والحياة نفسها تموت، ولا منقذ ولا منجد، بل يرفع الناس أيديهم إلى السماء، في الصلوات وفي كل وقت، ويتضرعون إلى المولى عز وجل أن يغيثهم وتهبط عليهم رحمة الله فإذا الصواريخ تنزل على رؤوسهم كالسيول وإذا القذائف تخترق وجودهم من كل جانب، ولا مغيث لا مغيث لا مغيث.!
يمعن سائل نفسه في الاستغفار، وينهض لقضاء مصالحه، متناسيا الحكاية مؤقتًا، لكنه سرعان ما يعود إلى استفساره مع سماع الأخبار المفزعة، وبالمناسبة فقد يخرج بعض الناس عن دينهم بسبب أحداث رهيبة معقدة كأحداث الحروب، وقد يظلون متمسكين به دون تفسير لما يجري، وقد يجدون تفسيرا مريحا ولو لم يكن منطقيا ولا مقتعا.. المهم أن هذا كله يحدث فعلا، يحدث في السر لا العلن، فالمسألة حساسة ومريبة؛ ولذا علينا أن نكشفها ببساطة لنخرجها من السرية إلى العلنية، ونواجه أنفسنا بحقيقة ما يدور بدواخلنا، لا تهم الأجوبة الحاسمة، لكننا ستعرف أنفسنا أكثر بالتأكيد، ونتصالح مع خواطرها بالتأكيد، ونصل إلى أغوار لم نكن لنصل إليها لولا الكشف المقصود..
الله خلق الإنسان حرا.. ” فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” وخلقه للاختيار “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ” أي طريقي الخير والشر؛ فله الإيمان أو الكفر وله الخير أو الشر، وعلى الحرية تنبني أحداث طيبة وأخرى شريرة وعلى الاختيار كذلك، لو اقترنت بشر أدركنا ويل وبيل، ولو بخير أصبنا لطفا وافرا، ولكن الله حذر الناس من الشر وحثهم على الخير فأحكم محبته لهم.. قال: “لا تتبعوا خطوات الشيطان” وقال: “وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ“.. هكذا، والآيات القرآنية المنفرة من الشر والحاثة على الخير لا حصر لها طبعا.
لو حرية وخير ستكون عيشة راضية ولو حرية وشر ستكون عيشة مزرية، ثم إن الرحمة حاصلة، وواسعة، إلا أنها باطنية بمعنى ما، تدعو إلى التفكير في إثر التفكير، والتدبر بعد التدبر، وتعطي الخلق دروسا تضاف إلى دروس، ويجب أن نفهم أن هناك قضايا محسومة بالصبر منذ الأزل ” فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ” وقضايا محسومة بالمواعيد “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا”.. ولكننا يجب أن نعمل في الحالين فلا نستسلم ولا نستكين، مهما بدا الأمر محسوما، لأننا نثاب كلما نصرنا الجمال على القبح والحق على الباطل، بل ندفع الوجود برمته إلى حالة الفاعلية الحسنى، منتشليه من المفعولية السوأى، فنخلق الطاقة الإيجابية وننفي نقائضها.
أخيرا.. لا جواب عندي عن السؤال الذي حمله العنوان، غير أني أشعر أن الإنسان اختار الحرية الشريرة؛ فأذاق نفسه وأذاق أمثاله وأذاق الأكوان كلها ما لم يكن في الحسبان، وما لم يكن شيء واحد يرجو ذوقه بالتأكيد، والله تعالى أعلى وأعلم!
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد