همتك نعدل الكفة
591   مشاهدة  

هوامش القراءة (2).. شهريار كطفل قاتل

شهريار


 هوامش القراءة: باب غير دوري، لا يعني بتقديم عرض للكتاب أو قراءة نقدية، لكن بتدوين مقتطفات من الهوامش التي سجلتها أثناء القراءة وما أثارته لدي من هواجس وأفكار وخيالات وقد لا تتسم بالدقة أو تكون بالضرورة مرتبطة بمتن الكتاب.

لا أحد في جسارة شهر زاد، على يديها ارتد شهريار إلى حقيقته، كطفل قاتل، روضته عبر الحكايات، قزمت حضوره الطاغي والكذوب، الذي يمنح لنفسه الحق في قتل ألف امرأة، لأنه آمن أن النساء جنس ملعون، إذا لم يخضع له ذبحه، تحت دعاوى أنهن كلهن خائنات، لا عهد لهن، وعلى هذا العذر أقام سيادته الهشة، عقابه الذي لا يصدر سوى عن مجنون، يقاوم هشاشته ورعبه أمام الجمال بأن يسفك دمه. كل سطوة القاتل وجبروته لا شيء، هي الضعف عينه.

عبر حكايات تضربه على الوتر نفسه، تخبره الحقيقة بالتدريج، بلى قد يكون هناك نساء خائنات ولكن يسري الأمر نفسه على الرجال، لذا تجذب انتباهه بحكاية التاجر والعفريت، تغويه بفكرته التافهة أن الوفاء فقط هو عهد بين ذكرين، حيث تكفي كلمة التاجر للعفريت أن تؤكد أنه سيعود في العام التالي ليلقى قصاصه، وما طلب هذا التأجيل إلا ليعود لسداد ما عليه من دين.

داخل الحكاية الإطار ثلاث حكايات أخرى تفدي كل منها ثلث دمه، لأن الحكايات وحدها بإمكانها أن تفعل، بقدرتها الساحرة على منح العزاء والشفاء. الحكاية الأولى عن زوجة تسحر ابن الزوج عجلا وأمه إلى بقرة، لكن الخيانة التي تحدث على يد امرأة تعالج على يد امرأة.

الحكاية الثانية، عن شقيقين ذكرين يخونان شقيقهما الثالث، وأيضا تعالج على يد امرأة، ويمسخان إلى كلبين، حيث يمكن أن تحدث الخيانة من المرأة والرجل على حد سواء.

أما الثالثة فتحاكي ما حدث مع شهريار بالضبط، الزوجة تخون رجلها مع عبد، وأيضا تحل المسألة عل يد امرأة، إنه الفتح الأول للجرح، حكاية خيانة رجل حر مع عبد، ستكرر لاحقا، لكن بتفصيل أكبر وتلك المرة لن يكون مجرد تاجر، بل أمير شاب شديد الجمال، بل وستسهب في وصف افتتان المرأة بعبدها واحتقارها الكبير لأمير.

لقد حازت على انتباهه، ولم تعد حكايته ذات فرادة قاسية، صلابتها تذاب عبر الليالي ببطء، ليكشف عن تفاهة تعميمه وحكمه.

ففي الحكاية الإطار الثانية، حكاية الصياد مع العفريت، يمزق فورا العهد بين ذكرين، إنها أيضا تدور حول العهد والغدر، مقابلة المعروف بالإساءة، بعد أن يحرر الصياد الجني الغاضب يكتشف أن جزاءه هو القتل، وكذلك تأتي حكاية الملك يونان والحكيم رويان، على لسان الصياد لتؤكد الفكرة عينها، بينما يحكي الملك يونان لوزيره حكاية الملك السندباد والباز، لتذكره بجسامة خطأ التخوين في غير محله.

لكن تظل قصة الرجل الذي مسخ إلى نصف بشر ونصف حجر، هي شرح تفصيلي لحالة شهريار، العبد الأسود الذي تخونه معه الزوجة، ينتقم له ملك، كأنه انتقام شهريار نفسه وقد تم في الخيال، لأنه لم يشف بانتقامه في الواقع فما زال نصف بشر، نصف حجر، يخدع الملك الزوجة الخائنة بالحيلة، وكذلك المدينة كلها لعنت بأثر تلك الخيانة، ومسخ أهلها إلى سمك على أربعة أصناف أبيض وأحمر وأزرق وأصفر، وتحولت بحيراتها إلى جبال، تحرير المدينة المأسورة، هو تحرر شهريار ليس فقط من غضبه بل من أوهامه.

الملك يستدعى في صورة الوالد، أو الحامي، والذي تمت خيانته هو الشاب الضعيف بلا قوة الذي في نفس شهريار، الملك صورة أخرى منفصلة عن ذاته الحقيقية، بتأثره بعمومية حكمه على كل النساء، يفقد صورة الملك ويصير على حقيقته، إنسانا عاديا ضعيفا، حتى إن الشاب لا يعود للحكم، يرسل وزير الملك ليتولى مملكة الشاب، الذي يستقر مع السلطان وفي حمايته.

إقرأ أيضا
شجرة

بعدها تنتقل به شهرزاد إلى حكاية الحمال مع البنات، ثلاث بنات يؤانسن رجلا، نرى لذات سادية ومحرمة، حيث يمكن فهم أن قاع اللذة بلا قرار، فيها بما لا يمكن لشهريار المسكين تخيله، لكن بالإقرار بوجوده قد يفهم شيئا عن فكرة الشهوة التي لا يسمح بها إلا لنفسه بينما الفكرة البديهية لا تراوده: النساء أيضا يشتهين، ولا حدود لأفكارهن في سبيل ذلك، حيث يمكن للذاتهن أيضا – مثله تماما- أن تتحلى بجرأة الانحراف، القاع الذي لم يجرؤ على النظر إليه إلا من زاوية نفسه.

ألف ليلة من الحكايات لم ترو لتسليته، بل لينضج.

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان