هيثم دبور .. الرجل الذي نجح في كل شيء
سيكون هذا العنوان جذابًا جدًا لو كان اسمه “الرجل الذي فشل في كل شيء”، الفشل ملحوظ والأعين ترصده، أما النجاح فلا يتكلم عليه أحد، خاصةً لو كان الشخص مازال حيًا، ونحن لا نحب أن نتكلم إلا عن إنجازات الأموات لإضفاء الميلودرامية الحياتية عن العطاء وعدم التقدير ووحشة الحياة، وإذا كان الشخص سعيد الحظ ومازال يتنفس بيننا، فإننا نكرمه قبل موته وكأنه تكريمًا لصموده أنه عاش كل تلك الفترة وليس ما قدمه، وهذا المقال استثنائي لأننا نتكلم عن شاب احتفل بعيد ميلاده الخامس والثلاثين الأسبوع الماضي اسمه هيثم دبور.
عرفت اسم هيثم دبور عام 2005 عندما كنت طالبًا بالثانوية العامة أزوغ من المذاكرة بقراءة الجرائد، ووقع في يدي تحفة فنية اسمها “اضحك للدنيا” وكانت جريدة ساخرة من أولها لآخرها يحرر فيها هيثم صفحة كانت سابقةً لوقتها وعصرها جدًا، وبعدها كان هناك برنامج تلفزيوني حديث الناس على قناة “دريم”، أول برنامج توك يقدمه شباب، كان اسمه على مسمى “شبابيك” لأنه كان يتناول مواضيع كنا كمراهقين لا نجد نافذة غيره للتعبير عن أنفسنا وصنع البرنامج نجومية الكثيرين مثل سلمى صباحي وعمرو سمير والمخرج محمد يونس، وكنت مهتم جدًا بمعرفة من الذي يقوم بتحضير وطبخ تلك الحلقات ووجدته هيثم دبور.
وبعد موضة المدونات، خرجت كتب تستثمر نجاحها مثل “عايزة أتجوز” ولكن كان فى نفس الوقت قنبلة اسمها “أول مكرر” كتاب ساخر لهيثم دبور وأتذكر أنه كان أول كتاب له إعلان على السوشيال ميديا – وقت ما كنا حوالي 10 آلاف واحد على فسبوك- وكان حفل التوقيع عام 2009 بمعرض الكتاب يشهد ميلاد ظاهرة جديدة اسمها كاتب شاب عمره 23 سنة يمكن أن ينجح كل هذا النجاح مما شجع الكثير من الشباب على خوض تجربتهم فى الكتابة – وأنا منهم- وتحول الكتاب وقتها لاستاند أب كوميدي ناجح قدمه الفنان أكرم حسني فى ساقية الصاوي، والذي أسفر بذلك عن تعاونهم فى ظهور برنامج “نشرة أخبار الخامسة والعشرون” على قناة موجة كوميدي والذي شهد انطلاقة شخصية “أبو حفيظة” الذي ملأ الدنيا برامج وإعلانات ودراما وسينما، ثم ختم دبور عام 2010 بكتابه مادة 212 الذي لاقى نجاحًا كبيرًا بالمكتبات.
كل تلك الحواديت قبل الثورة، أي من أكثر من عشرة أعوام، بعد الثورة كان هناك نضوج أكثر في تجارب هيثم الصحفية، فقد أحدث طفرة فى الصحافة الشبابية عندما تولى مسؤلية قسم الشباب بجريدة المصري اليوم، وبعدها أصبح أصغر مدير تحرير في جريدة كبيرة مثل جريدة “الوطن”، ثم مطور محتوى بجريدة “الشروق” فكان صحفيًا مجتهدًا ناجحًا ملفتا للأعين.
ولم يتخلى هيثم عن مشروعه الأدبي وأصدر مجموعتين قصصيتين تناول قصص اجتماعية، وأخيرا روايته الأولى “صليب موسى” التي راهن الناس على فشلها لأنها تاريخية تشويقية وبعيدة عن أجواء هيثم الساخرة والاجتماعية، ولكن المفاجأة أنها حققت مبيعات عالية منذ صدورها بمعرض الكتاب 2020 حتى الآن.
ورغم أنني لست متذوقًا جيدًا للشعر، ولم أقرأ ديوانًا واحدًا لهيثم من دواوينه الكثيرة، إلا أنه كان الوحيد من جيلنا الذي تفرد له جريدة بحجم “المصري اليوم” مساحة في الصفحة الأخيرة اسمها “أززز” يكتب فيها أبياته، كما أنه فاز بجائزة أحمد فؤاد نجم للشعر العامي عن ديوانه “يأكلهن سبع عجاف”، وتكفيه شهادة عبد الرحمن الأبنودي الذي قال إنه من عشاقه، أظنها جملة لم يقولها الخال على أي شاعر آخر طوال حياته.
نجح هيثم في الصحافة، والأدب، وكتابة البرامج التلفزيونية، والشعر، ولكن تظل جملته التى يرددها دائما “أنا بكتب عشان أتبسط مش عشان اشتغل” مسيطرة على تفكيره حتى يأخذه الشغف لكتابة للسيناريو ويحصد جائزة ساويرس فى السيناريو عن سيناريو فيلم “عايش” ويصل مرة أخرى للقائمة القصيرة بسيناريو فيلم “فوتو كوبي” الذي يتم تحويله لفيلم حصل على التقدير الشعبي والفني من شباك التذاكر والمهرجانات، ثم فيلم “عيار ناري” وأخيرًا فيلم “وقفة رجالة” الذي اعتلى إيرادات السينما في مصر والوطن العربي في وقت حرج للغاية.
تصنيف الإنسان لنفسه مريح، لأنه يضع الشخص في مكان يوفر عليه مجهود التعب وإرهاق التحديات، ولكن هيثم دبور نموذج على الشخص الذي استطاع التمرد على كل مكان نجح فيه لينجح فى مكان آخر، فلا تعرف له لون في الكتابة، هل كوميدي أم اجتماعي أم تشويقي، أم عاطفي، هل صحفي أم شاعر أم أديب، أم كاتب أم سيناريست، ولو اختلفت المسميات فالنتيجة واحدة، هو هيثم دبور فخر جيلي، الذي نشاور عليه ونقول سنستطيع عن إيمان أن نفعل كل شيء وننجح فيه لأن هذا الرجل عمل كل شيء ونجح.