والدي النبي في الجنة أم النار ؟ (2-2) هل قال الرسول أبي وأبوك في النار ؟
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
لعل أكثر الأدلة التي يتشدق بها البعض حول الإجابة على سؤال ما هو مصير والدي النبي في الجنة أم النار هو حديث أبي وأبوك في النار فعن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي قال: في النار، فلما قفى دعاه، فقال إن أبي وأباك في النار.
أشياء عن حديث أبي وأبوك في النار
تشير دراسة في شروح الأحاديث النبوية بالأزهر الشريف أن الجملة الوارِدة في حديث أنسٍ رضي الله عنه عند مُسلمٍ فيها كلام بشأن الإسناد والدراية حيث تقول الدراسة “لم يَتَّفِق الرُّوَاةُ على لَفظِه، وإنَّمَا ذَكَرَ هذا اللفظَ حَمَّادُ بن سَلَمَة عن ثابِتٍ عن أنس، وقد خالَفَه مَعمَرٌ عن ثابت فلَم يَذْكُر «إنَّ أبي وأباك في النارِ»، ولكن قال له: إذا مَرَرْتَ بقَبرِ كافِرٍ فبَشِّره بالنارِ، ومعمرٌ راوي هذه الرواية أَثْبَتُ عند أهل الحديث مِن حَمَّاد؛ فإن حَمَّادًا تُكُلِّم في حِفظِه، ووَقَع له أحاديث مَنَاكِير ذَكَروا أنَّ رَبِيبَه دَسَّها في كُتُبِه وكان حَمَّاد لا يَحفَظ، فحَدَّث بها فَوَهِم، ومِن ثَمَّ لم يُخَرِّج له البخاري شيئًا، ولا أَخرَجَ له مُسلِمٌ في الأصول إلَّا مِن رِوَايته عن ثابت، فلا شَكَّ أن رِوَايةَ مَعمَرٍ أَثْبَتُ مِن رِوَاية حَمَّاد، والذي نَراه أنَّ حَمَّادًا كأنه رَوَى هو أو أَحَدُ الرُّوَاةِ عنه الحديثَ بالمَعنى، فوَقَع هذا الخَطَأُ مِنه أو مِن أَحَدِ الرُّوَاة عنه؛ وهذا كلام أهل الحديث في هذه الرواية مِن جِهَة إسنادها”.
اقرأ أيضًا
دلائل الخيرات في الصلاة النبي “هل شبهة وصف الرسول بأسماء الله صحيحة ؟”
أما مِن جِهَة الدِّرَايَة فإن هذا الحديث باللَّفظ الأوَّل لو ثَبَتَ لوَجَبَ أن يُفهَم فهمًا صحيحًا، وهو الفهم الذي يَجعل الحديثَ لا يَتعارض مع الآيات والأحاديث السابقة الدالَّة على نَجَاة أبَوَي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فما المانِع أن يَكونَ المَقصودُ في قوله: أبي عَمَّه الذي مات على الكُفر؛ لأن القرآن جاء باستعمال لَفظ الأب في حَق العَمِّ؛ قال تعالى: “قَالُوا نَعبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ” ، فأَطْلَقَ على “إسماعيل” لَفظَ الأب وهو عَمُّ يعقوب، وكانت مِن عادَة العَرَب أن تَجعلَ العَمَّ أبًا، فتُنَادِي ابنَ الأخ بالابن؛ حتى قال مُشرِكُو قُريشٍ لأبي طالب: “قل لابنك يَرجِع عن شَتم آلهتنا” يقصدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أجاب بَعضُ العلماء كالعلَّامة ابن عابدين وغيره بأن هذه الأحاديثَ مَنسُوخةٌ؛ لأن حديث الإحياء تَأَخَّرَ عن هذا الحديث فيَكون ناسِخًا له، وقد نَقَل الحافظُ السيوطي هذا القولَ عن جماعةٍ مِن العلماء في “مَسَالِك الحُنَفَا”، وعليه فلا يَصِحُّ الاحتِجَاج بها”.
علماء في التاريخ المعاصر تكلموا عن مصير والدي النبي
لعل أشهر اثنين عليهما إجماع حول علمهما هما الشيخ محمد أبو زهرة والشيخ محمد بخيت المطيعي فالأخير في كتاب خاتم النبيين قال “وخلاصة القول، وهو ما انتهينا إليه بعد مراجعة الأخبار في هذه المسألة: أن أبوي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في فترة، وأنهما كانا قريبين إلى الهدى، وإلى الأخلاق الكريمة التي جاء به شرع ابنهما من بعد، وأنهما كانا على فترة من الرسل، ونعتقد أنه بمراجعة النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة لا يمكن أن يكونا في النار، فأمه المجاهدة الصبور، الحفية بولدها لا تمسها النار؛ لأنه لا دليل على استحقاقها، بل الدليل قام على وجوب الثناء عليها هي وزوجها الذبيح الطاهر، وما انتهينا إلى هذا بحكم محبتنا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإن كنا نرجوها ونتمناها، ولكن بحكم العقل والمنطق والقانون الخلقي المستقيم، والأدلة الشرعية القويمة، ومقاصد الشريعة وغاياتها”.
اقرأ أيضًا
قصة وصية الرسول التي منع عمر بن الخطاب أن يكتبها أحد
أما الشيخ محمد بخيت المطيعي فقال “قد أخطأ خَطَأً بَيِّنًا؛ يَأثَمُ ويَدخُلُ به فِيمَن آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لا يُحكَم عليه بالكُفر؛ لأن المَسألةَ لَيْسَت مِن ضَرُورِيَّات الدِّين التي يَجِب على المُكَلَّفِ تَفصيلُها. هذا هو الحق الذي تَقتَضِيه النصوصُ وعليه المُحَقِّقُون مِن العلماء”.
الكاتب
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال