102 مشاهدة
وسام شعيب: نموذج علاقة متوترة في مصر
مقدمة: ايه اللي حصل
في الآونة الأخيرة، حصلت صدمة لقطاع كبير من الناس، وهو إن واحدة اسمها وسام شعيب ادعت إنها دكتورة نساء وتوليد قررت تحكي في السوشيال ميديا عن تفاصيل بتحصل معاها في شغلها، وتحديدًا عن حالات حمل من علاقات خارج إطار الزواج.
حكت تفاصيل ناس كتير شافت إنه يمكن للعاملات والعاملين في العيادة ربطها بتفاصيل أخرى يعلموها بطبيعة عملهم وبناء عليه يقدروا يعرفوا أبطال الأحداث دي بسهولة، بالتالي عنصر الخصوصية أصبح مش موجود.
فتعالى نبص للبعد الأعمق في الحكاية، حكاية العلاقة بين الدكتور والمريض في سياق التحولات اللي حصلت للمجتمع المصري على مدار سنين.
العلاقة بين الطبيب والمريض في المجتمع المصري
طول عمر المجتمع المصري بيحط الطبيب في مكانة عالية جدًا، مكانة لا تضاهيها مكانة أي مهنة أخرى، والأطباء المصريين الحقيقة من زمن المصريين القدماء وهم بيثبتوا كفاءة ومهارة وقدرات خاصة، حاجة كده في الجينات.
المورخ الإغريقي هيرودوت (484-425 ق.م) اتكلم عنهم وكان مستغرب إن مصر أيامه كان فيها تخصصات زي دكتور عيون ودكتور أسنان ودكتور معدة ودكتور رأس وغيرهم وقال “في مصر الأطباء متخصصون كل منهم يعالج مرضاً واحداً فقط”، لإن ده مكانش في العالم ساعتها.
وفيه مقالات سابقة على الموقع، زي حط إيده على قلبه..مثل مصري قديم، بتربط الماضي بالحاضر.
السلطة المهنية وعلاقتها بفيديو وسام شعيب
نشأ عن علاقة الثقة بين الطبيب والمريض في المجتمع المصري سلطة مهنية قائمة على التخصص، وهي علاقة أشبه ب “الولي والتابع” ودي نظرية في العلاقات بتتطبق في كافة مناحي الحياة وهي تبادلية بشكل كبير، يعني ممكن تكون في مكان وَلي على شخص وتكون تابع ليه في مكان تاني، وبالتالي فكل ما يخص الجسد الإنساني فهو يخص الطبيب وهو الوَلي في العلاقة دي.
ايه اللي حصل خلى العلاقة بالشكل ده:
السوشيال ميديا كأداة اسهمت بشكل مباشر في خلق نوع جديد من المراقبة الاجتماعية في العلاقة دي وغيرها. سهولة إن أي حد يعتلي المنصة الرقمية ويحكي عن تجربته مع طبيب، وكل الناس تشارك في التفاعل والتقييم والتعليق على التجربة، بتخلق عند الأفراد شعور إنهم في محاكمة علنية طول الوقت، وده ليه أثر سلبي كبير على الدكتور والمريض على حد سواء.. وعلى شكل العلاقة دي.
من الآثار السلبية لكونك دايماً في محكمة علنية كبيرة محافظة، أنك إذا اعتليت المنصة فهتحاول تثبت تلات حاجات: قدراتك الفنية في مجالك وانحيازاتك الأخلاقية المحافظة ومكانك على مقعد الولاية وليس التبعية، وإلا هيتم الحكم عليك حكم سلبي بصورة أو بأخرى.
فهتلاقي من حين لآخر طبيب/ة زي وسام شعيب خارجة بتحاول تثبت قدراتها الطبية مخلوطة بإظهار وتأكيد إنحيازاتها الأخلاقية؛ وجوه الخلطة عنصر تالت خفي وهو أحقيتها في الولاية مش بس على الجسد ولكن على القيم والأخلاق الاجتماعية.
طبعًا ده مش منفصل عن حب الظهور والشهرة والمكسب المادي للبعض، لكن إحنا بنبص على الصورة العامة اللي بتحرك العنصر الثقافي اللي قدامنا دلوقت، اللي هو العلاقة بين الطبيب والمريض في المجتمع المصري.
الطبيب والمريض في عيون بعضهم
علاقة الطبيب بالمريض طول عمرها قايمة على السلطة المهنية، وهي سلطة بيكتسبها الفرد بسبب مهنته، واتحولت في الآونة الأخيرة إلى علاقة أشبه بالشراكة القلقة؛ شراكة كل أطرافها قلقانين من بعض، من ناحية المريض شايف إن الطبيب بيتعامل معاه كمصدر للمال فقط، ومن الناحية التانية الطبيب شايف إنه فأي وقت ممكن يتم التشهير بيه.
والحقيقة إن التحول ده بيحصل بخطى ثابتة وماشي فطريقه ومكمل.
المشكلة فين بالظبط؟
المشكلة الحقيقية في قضية وسام شعيب مش بس إنها خلطت تخصصها المفترض بانحيازاتها الأخلاقية، وحطت المريض بشخصه في موضع المحاكمة وعينت نفسها القاضي وقناعتها هي المرجعية.
بس القضية دي بقت علامة على علاقة بتستمر في التوتر والاضطراب، علاقة في الأساس قايمة على الثقة واحترام الخصوصية، والثقة هنا مش أمر ثانوي.. دي الضمانة اللي على أساسها المريض بيتعامل مع أوضة الكشف بوصفها مساحة آمنة؛ يقدر فيها يشارك مشاكله الصحية وتفاصيله شديدة الدقة بكل صراحة، من غير خوف من حكم أخلاقي أو تدخل اجتماعي.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
