وكأن شيئًا لم يكن
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد
عزيزتي شيرين
الأيام تنفلت برغم ثقلها، شهور تمضي وتكون عام من البعد، لا أتخيل أن شهورًا كاملة مضت ولم نعرف الشوارع، إنها الجائحة أكثر حالات الفانتازيا التي كنا نراها فى الأفلام الأمريكية، الفارق يا عزيزتي أنه فى الأفلام الأمريكية كان السوبر الأمريكي يأتي معه الحل والآن العالم يقف عاجزًا.
لكن اليوم قرأت خبر من المفترض أن نفرح به، ذلك أن لقاحات ستظهر وقد تم تجريبها، وحين يظهر المصل، سيمضي العالم فى طريقه دهسًا للضعفاء وكأن شيئًا لم يكن.
الحديث عن الفقراء وضعفهم وحالة الاحتياج يواجه دومًا باتهامات الشيوعية، تلك الأيدلوجية التي تدينها بلدان عديدة، ولأننا نهرب من الإدانة والتنميط، نخاف ويخفت صوتنا.
الخوف الذي يقتل طموحاتنا فى الحياة، وفرحتنا المرتقبة، الخوف من فقد الوظيفة فنرضخ لشروط قاسية، الخوف من البطالة فنقبل بأجور متدنية، فهل الخوف أسوأ أم الفقر؟
هل تذكرين يا عزيزتي تمثال اليونسكو فى مقره ببلدة سرس الليان بمحافظة المنوفية، كان هناك أعداء ثلاث الفقر والجهل والمرض، لكنني أراه الخوف الشبح الأكبر، الحية التي تتسلل إلى الروح وتقتص مننا بشكل واضح.
حين نخاف نفقد، ورغم أن خوفنا من الفقد إلا أننا حين نسقط سبايا الخوف نفقد، ونظل خائفين.
الأيام تتراكم يا شيري، ونحن فى الانتظار نلون الخوف بابتسامات زائفة، وأحاديث نميمة، ومشاريع وهمية للقفز علي أحلامنا، وفى الأحلام سنجد متنفس قبل أن نعود مرة أخري لممارسة مخاوفنا.
عزيزتي شيرين
بالأمس حلمت بك، أُحب هذه الجملة جدًا، منذ قرأتها عنوانًا لمجموعة قصصية للأستاذ بهاء طاهر، وصرت لا أحكي الأحلام إلا في اليوم التالي حتي أستخدمها، وأنا قد حلمتُ بك، سافرت إليك وقضينا وقتا عائليًا رائعًا كما تعودنا، وفي حديث مع صديقتنا لبني، كنا نتناقش فى حالة العزلة التي صرنا إليها، أننا صنعنا سجون شخصية، لا نبرحها، ونكتفي بتبديل الليل والنهار فى عيوننا، وحين تحدثنا عنك قلت لها أني لم أعد أتصل بك، صرت أكتفي بالحلم، هو حالة متقدمة من ممارسة الخوف، التعامل مع عزلتنا وسجننا بكونها حال، وليست حالة، وكأن الجائحة انتصرت علينا جميعًا، بل أننا أسلمنا حيواتنا عن طيب خاطر.
لعل فيروس كوفيد 19 هو أبسط أشكال الأعداء الذين نتعامل معاهم، فيروس متحول، يطور من شفرته الوراثية، فلا أعراض ثابتة ولا نتائج ثابتة، كل إنسان ومقاومته، الوجه الآخر من الخوف، وحين حاول الناس قهر مخاوفهم وتجاهلها، تجاهلوا الفيروس تمامًا، فنري الناس فى الشوارع بلا اي احترازات أو اجراءات وقائية، فأين ذهب الخوف؟
سأقول لك يا شيري إن الخوف تحول لمسار آخر، الخوف أصبح جوعًا وفقرًا، خوفًا أن ينام الأطفال ببطون خاوية، فانتصر الخوف من الفقر علي الخوف من المرض.
يصبح الخوف كائن هلامي، يتخذ أشكال حسب كل فرد، وتتفاوت قدرتنا علي هزيمته، الخوف جائحة لا تُغادرنا، ونحن كأسري نهرب ونسلك طرقًا كلها نجري والخوف يُطاردنا، فاحكي لي نكتة أو حكاية تطمئنني حين أنام، وحين تزورنني فى الحلم، دعينا نتبادل الثقة بأنفسنا، أننا قادرين علي هزيمة مخاوفنا، إذ وقفنا ونظرنا خلفنا فلن نجده، فأنا لا أرغب أن أظل في سجون الوحدة، ولا أُريد أن يستمر تواصلي مع أحبتي حلمًا فقط، بعض اثقة وكثير من التفكير فى بدائل تسمح برؤية سماء صافية، وتهب الصغار عشاءًا كافيًا، وتهزم الفقر دون أن ينهش الفقراء وحش الرأسمالية، لكننا أبناء النسيان، ننسي المقاومة وأفكارنا عن طرق بديلة بمجرد أن يهون إحساس الخطر، ستمضي أيام أخري، وننسي كثير مما فات مستمرين فى عشوائية حيواتنا وكأن شيئًا لم يكن.
الكاتب
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد